نشطت في الأيام القليلة الماضية، حركة القرارات الأممية في ساحة مجلس الأمن، وتركزت حول أبرز ملفين مشتعلين في المنطقة، وهما اليمن وسوريا، حيث أصبح مجلس الأمن ساحة لصراعات خفية لمصالح الدول المتناحرة في منطقة الشرق الأوسط، فتعارض الأجندات بدا واضحًا بين أمريكا والغرب من جهة وبين روسيا من جهة أخرى. واستخدمت روسيا حق النقض "الفيتو" ضد مشروع قرار بشأن اليمن، تقدمت به بريطانيا لمجلس الأمن، بعد التشاور مع الولاياتالمتحدةالأمريكية وفرنسا، في المقابل أقر المجلس الأممي وبالإجماع مشروع قرار روسي يقضي بتشديد عقوبات تستهدف الجهات التي تخرق الحظر المفروض على نقل السلاح إلى اليمن. وكان مجلس الأمن الدولي، نظر أمس الاثنين في مشروعي قرارين بشأن اليمن؛ الأول بريطاني يدعو للتحرك ضد إيران، بشأن مزاعم حول إرسالها صواريخ إلى اليمن، والمشروع الثاني روسي وتم إقراره ويركز على تمديد الحظر على الأسلحة فقط.
ويدعو النص الذي وضعت بريطانيا مسودته إلى تمديد العقوبات على اليمن لمدة عام إضافي، وفرض إجراءات إضافية، استجابة لتقرير أممي يعتبر أن طهران انتهكت الحظر على الأسلحة المفروض على اليمن، أما النص الذي قدمته موسكو؛ فيمدد الحظر على إرسال الأسلحة إلى اليمن حتى فبراير 2019، دون أي إشارة إلى إيران.
وأوضح المندوب الروسي لدى الأممالمتحدة، فاسيلي نيبينزيا، أسباب معارضة بلاده لمشروع القرار البريطاني، قائلا "نحن نؤيد بشكل كامل غالبية البنود الواردة في المشروع البريطاني، إلا أننا لا يمكن أن نتفق على استنتاجات غير مؤكدة وعلى أدلة تطلب التحقق منها، وتحتاج إلى نقاشات داخل لجنة العقوبات".
الصفعة الروسية المزدوجة تكمن في نقطتين؛ الأولى أنها أبطلت القرار البريطاني ومررت مشروعها بدلًا منه، حيث رأى البريطانيون في الرفض الروسي لمشروعهم مجرد اصطفاف إلى جانب إيران، وسعت أمريكا أيضًا إلى محاكاة الموقف البريطاني، وعملت خلال أشهر على إثبات ضلوع طهران بمد أنصار الله بالخبرات والمال والسلاح.
من جهته، نفى المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، بهرام قاسمي، إرسال بلاده أي أسلحة إلى اليمن، وقال في مؤتمر صحفي، إن طهران تعمل على وقف العدوان الذي تقوده السعودية على اليمن، والذي أوصل البلاد إلى كارثة إنسانية كبيرة، وأضاف أن ما يحدث في اليمن نتيجة تصدير الأسلحة البريطانية والأمريكية إلى السعودية، معتبرًا إياه سلوكا غير مقبول، ودعا بريطانيا إلى إعادة النظر في مواقفها بشأن اليمن.
وفيما يتعلق بالملف السوري، التفت روسيا على الأهداف غير المباشرة للقرار الأممي 2401 الذي تم إخراجه بعد التعديلات الروسية على العديد من بنوده، وأصبح يتضمن مطالبة جميع الأطراف بوقف الأعمال العدائية دون إبطاء، وأن تشترك فورا في كفالة التنفيذ الكامل والشامل لهذا الطلب جميع الأطراف، من أجل وقف إنساني دائم لمدة لا تقل عن 30 يوما متتالية في جميع أنحاء سوريا.
وجاء القرار بعدما أعلن مركز المصالحة التابع لوزارة الدفاع الروسية، فتح ممر إنساني بمنطقة مخيم الوافدين بدمشق للخروج من الغوطة الشرقية، متهما الجماعات المسلحة باحتجاز مئات الرهائن بينهم نساء وأطفال، ومنع السكان من الخروج، وأشار المركز إلى أن المسلحين أطلقوا في أسبوع أكثر من 200 قذيفة من الغوطة نحو أحياء دمشق.
الخطوة الروسية الجديدة بفتح ممر إنساني يستمر لخمس ساعات يوميًا، تأتي بعد قراءتها للمشهد الميداني، فبعد القرار الأممي الأخير لوقف إطلاق النار في كل الأراضي السورية، المسلحون في الغوطة لم يتوقفوا، بل استمرت قذائفهم تمطر العاصمة دمشق، وتركيا لم تعلق عملياتها العسكرية في عفرين، كما أن التحالف الدولي لم يوقف قصف طائراته في ريف دير الزور الشرقي والتي أسفرت عن استشهاد 24 مدنيا.
الالتفاف الروسي على القرار، جاء بعد كشفها مخطط أمريكي لإلصاق تهمة استخدام الكيماوي في الغوطة الشرقية بالحكومة السورية، وهنا ترى موسكو أن القرار 2401 يحاول تقويض محاولات الجيش السوري في بسط نفوذ الدولة في الغوطة، كما حدث في حلب سابقًا، وهنا بدت روسيا حذرة في تخطي ثغرات القرار الأخير، حيث قال وزير الخارجية الروسية، سيرجي لافروف، إن وقف إطلاق النار في سوريا سيبدأ عندما تتفق كل الأطراف على كيفية تنفيذه، مشددًا على أن الهدنة لا تشمل الإرهابيين، وأضاف "لن نقبل أن يشكل 2401، غطاءً لحماية الإرهابيين بالغوطة الذين يقصفون دمشق، ولن نسمح بمحاولة إخراجهم من تحت الضربات الشرعية، فأحرار الشام وجيش الإسلام يتعاونان مع النصرة، وبالتالي لا يشملهما وقف إطلاق النار".