عشرات الأسئلة طرحتها تسريبات صحيفة "النيويورك تايمز" حول موقف مصر من القدس وموافقتها على اعتبارها عاصمة لإسرائيل، دون أن نجد لها إجابة واحدة قاطعة حاسمة. ربما يأتى على رأس هذه الأسئلة هو كيف حصل مراسل النيويورك تايمز فى القاهرة ديفيد كيرك باتريك على هذه التسجيلات المفروض أنها فى حوزة ضابط المخابرات المزعوم أشرف الخولى؟ ثم كيف وصلت لقناتى الشرق ومكملين فى تركيا ونقلتها عنهما قناة الجزيرة؟ وهل هناك اختراق مثلا لهواتف الشخصيات الإعلامية والفنية التى تحدث معها الخولي؟ ومن هى الجهة التى تستطيع القيام بهذا الاختراق؟ وهل يمكن أن ترتكب واحدة من أكبر إن لم تكن بالفعل أكبر صحف العالم هذا الخطأ المهني الفادح وتقع ضحية "نصاب" أو "صحفى إخوانجي" يريد تشويه صورة القائمين على صنع وتنفيذ السياسة المصرية تجاه القضية الفلسطينية؟ وهل يكون السر وراء هذه التسريبات هو الصراع الذى يتردد أنه يجرى بين أجهزة المخابرات فى مصر منذ ثورة يناير وحتى الآن؟. الحقيقة الوحيدة المؤكدة أن هناك علاقات ما بين العديد من الإعلاميين بل وبعض كبار الفنانين مع أجهزة المخابرات، فكل ردود الفنانة يسرا أو عفاف شعيب أو مفيد فوزى أو عزمى مجاهد أو سعيد حساسين على مكالمات "الخولى "معهم تؤكد أنهم معتادين على هذه النوعية من الاتصالات، وأنهم – بحسب المقاطع الواردة فى التسجيلات – يوافقون فورا على تنفيذ ما يطلب منهم، ومع ذلك فهذا وحده لا يكفى لإثبات بشكل يقينى أن المدعو أشرف الخولى ضابط فعلا فى المخابرات، وأنه هو شخصيا الذى أجرى هذه المكالمات وليس أى شخص آخر قد يكون الصحفى سامى كمال المتواجد حاليا فى تركيا، كما زعم أحد مقدمى البرامج التليفزيونية!! خطورة هذه التسريبات – سواء كانت صحيحة أو مزيفة – ليس فقط فى إثارتها لكل هذا اللغط ، ولا تأخر حسمها بشكل قاطع من الجهات الرسمية، ولكن لأنها تعيد إلقاء الضوء على الموقف العربى الرسمى من ملف القدس بعد قرار الرئيس الأمريكى باعتبارها عاصمة للكيان الصهيونى، وفرضها كأمر واقع على أى مفاوضات للسلام تجرى مستقبلا، خاصة وأن هذه التسريبات تتوافق مع ما ذكره الصحفى الأمريكى مايكل وولف فى كتابه " النار والغضب " بأن إدارة ترامب تبحث تصفية القضية الفلسطينية تماما بإعطاء الضفة الغربية للأردن، وقطاع غزة لمصر، وهو ما يمكن أن يشعل غضبا فلسطينيا عارما قد يضع علاقاتهم مع القاهرة وعمان على حافة الانهيار بل ربما الصدام الذى لن يستطيع أحد احتواء نيرانه. الواضح حتى الآن أن كل ردود الأفعال العربية الحكومية تجاه القدس اكتفت بقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة بإدانة قرار ترامب، وعدم الاعتراف بشرعيته، دون أن تتخذ الدول العربية أو الإسلامية – حتى الآن – أى إجراءات سياسية للضغط على أمريكا أو إسرائيل للتراجع عن قرار تهويد القدس، ولا حتى التلويح بمقاطعة ما يسمى ب "مفاوضات السلام" المزمع إجراؤها برعاية أمريكية، أو عدم استكمال استحقاقات ما يسمى ب "صفقة القرن" التى لا ندرى هل تتضمن فعلا تهويد القدس ضمن بنودها، والاعتراف بها عاصمة لإسرائيل على أن تكون رام الله هى عاصمة الدولة الفلسطينية المقترحة أم لا؟!. ما تتجاهله ردود الأفعال العربية أن الخطط الأمريكية لإحلال السلام فى المنطقة لا تستهدف إلا تحقيق السلام لإسرائيل، والحفاظ على أمنها، بل إجبار كل الدول العربية على تقديم تنازلات هائلة، وهو على ما يبدو واقع مر نعيشه فعلا، لا يستطيع أحد إنكاره حتى لو ثبت فعلا وبما لا يدع مجالا لأى شك أن تسريبات النيويورك تايمز مفبركة من الألف إلى الياء، بل وأن مراسلها فى القاهرة عضوا فى التنظيم الدولى للإخوان المسلمين!