منذ أسبوعين وأنا أعيد للمرة الثانية قراءة رواية ديرمافوريا ل “ كريج كليفنجر ” الرواية في ظني فريدة ليس فقط لأنها تتنفس في عالم شديد التعقيد وكثير التفاصيل هو عالم المخدرات التحتاني الذي يبدو وكأنه طبقة سفلية تحتانية تحت طبقة معظم المجتمعات الإنسانية الآن , لكن الأهم من وجهة نظري هو هذا التماس والخلط أو دعني أكون أكثر إنصافا ً لأقول التجانس المدهش بين الواقع والخيال , القائم والممكن , في الرواية لا يبدو الخيال منفصلا ً عن الواقع , الخيال هو جزء من هذا الواقع , خيال يكاد الكاتب أو هو بالفعل جعله من دم ولحم وأعصاب . هل سيسعفنا هنا مصلح ” الواقع الافتراضي ” وهل ثمة فارق شاسع بين هذا الذي تسبح في دمه – بفعل المخدرات – عوالم أكثر رأفة أو ربما أكثر قسوة هي الخيال الذي هو الدوام مكافئة تنتظره أو هو ينتظرها بعد كل دورة من تعاطيه المخدرات , الذي يطرقع بأعصابه على الكيبورد ماذا يفعل له الواقع الافتراضي أكثر من ذلك ؟؟ (1) طرقعة تحت ضغط الأصابع التي تتحرك هنا أو هناك , تلهث أو وتلتقط أنفاسها , تغضب وتفرح , تومئ أو تنتظر إشارة غامضة من لا مكان , شياطين لا ينتظرون سوي كبسة زر , ملائكة أيضا ً , الأقنعة جاهزة لتفعل ما عليها , مواعظ , أشرار , طيبون , هبات لا محدودة للروح , سفلة , غيمة تنزف دما ً برتقاليا ً , نجمة ترقص رقصة التروبادور , فرسان وليس من شتاء , أنت وحدك في مكان ما ومعك الخيال كله , الأحلام كلها لا تنهض من مصباح علاء الدين , لا هي كبسة زر ويحدث كل هذا بلا مشقة , بكبسة زر يبدأ كل ذلك وبكبسة زر ينتهي , كيف أمكنهم فعل ذلك ؟؟ , (2) حسنا ً قالت إذاعة البي بي سي صباح اليوم أن دراسة علمية بريطانية أثبتت أن الكحوليات أخطر على المجتمع من المخدرات , وقالت الدراسة في الحيثيات أن الكحوليات كونها متاحة في المجتمع البريطاني يجعل تأثيرها واسعا ً والمخاطر أفدح أما المخدرات فكونها ممنوعة قانونا ً يجعل تأثيرها على المجتمع محدودا, قبل هذا الخبر بقليل كان هناك خبر عن مؤتمر طبي علمي في الأردن يتحدث عن العلاقة بين أضلاع مثلث المخدرات ” المسكنات ” والألم والإدمان , وحسبما قال الخبر أن انقساما ً بين أطباء المستشفيات الخاصة والعامة كان قائما ً حيث أنحاز أطباء المستشفيات الخاصة إلي التأكيد علي أن تعاطي المسكنات المخدرة يحد من الألم الذي يهدد مشاكل المريض الصحية بينما يري أطباء المستشفيات العامة أن التقنين مهم في هذه المسألة حيث أن إمكانية إدمان المريض لهذه العقارات المخدرة قائمة وتحدثوا عن أن من المهم عمل رقابة صارمة على الصيدليات التي توزع تلك الأدوية تلك الرقابة التي يرونها غير فاعلة للدرجة التي جعلت الأردن أول الدول العربية استهلاكا ً للأدوية المخدرة والمرتبة الواحد والخمسين عالميا ً . (3) إذن الألم قصة أخرى وأحسب أن السيد بانجو على سبيل المثال استخدم في البدء لا لمعالجة الواقع والانحياز للخيال ولكن لمكافحة الألم , وأظن أن ما يقال عن أن الانجليز كانوا أول من استخدمه مع علف الحيوانات لمكافحة التعب والإرهاق والألم , باختصار رفع قدرة احتمالها لقطع مسافات أطول وجر كل ما ذاد وزنه من الأسلحة أثناء الحرب العالمية الثانية صحيح , من المؤكد أن سعادة تلك الحيوانات البائسة المسكينة ودفع الوقود في ماكينة خيالها لم يكن في الاعتبار . حتى لو ابتعدنا قليلاً عن السيد بانجو وتأملنا قصة المخدرات مع الإنسان لعرفنا أن معظم الأعشاب المخدرة التي اكتشفها واستعملها في الأصل كانت لمحاربة الألم , ثم شيئا ً فشيئا ً تحولت إلى طقوس سحرية للتواصل مع الإلهة كما كان شائعاً مع الهنود الحمر , ولعي لا أبالغ كثيرا ً أن جملة كارل ماركس الشهيرة ” الدين أفيون الشعوب ” ربما كانت لها علاقة بحالة كتلك , لكن وحتى لا نبتعد كثيرا ً أليس هذا أيضا ً مكافحة لنوع أعمق من الألم هو ألم الروح الإنساني وعذاباتها وفشلها على الدوام في الحصول على إجابات شافية ونهائية لأسئلة وجودها . (4) في مقدمة ديرمافوريا صدر الكاتب جملة شديدة الأهمية عن الذاكرة , لم يتكلم عن ذاكرة السيد جوجل Google التي تحمل ما لا حصر له من الكتب والصور والتجارب الإبداعية والحياتية لبشر هم الآن على قيد الحياة أو لغيرهم ممن فنوا , تكلم “ كريج كليفنجر ” عن الذاكرة الإنسانية بوصفها جوهر المأساة , هي وحدها من تحمل ما يجعلنا نداوم جلد ذواتنا بما ينبغى وما لا ينبغي , بالماضي الذي يتحرك هنا أو هناك , هل يصح هنا أن نقول أن الكاتب قصد أن الذاكرة وحدها عذاب الكائن , وهل يصح لي أيضا ً أن أضيف أن هذا يجد صداه في علاقة الخيال بالواقع ليس فيما يخص المخدرات فقط بل في طرقعات الكيبورد أيضا ً [email protected]