تكررت الانسحابات من حكومة الوحدة الوطنية التونسية التي يترأسها يوسف الشاهد، لتشكل أزمة جديدة تضاف إلى سلسلة الأزمات السياسية والاقتصادية المتواصلة في ظل استياء الشارع التونسي من غياب الحلول للقضايا العالقة. فاليوم قدم 4 وزراء من حزب "آفاق تونس" استقالاتهم من مناصبهم الحكومية وفقا لما أكدته المكلفة بالإعلام في الحزب، زينب الصالحي، وكان "آفاق تونس" يشارك في حكومة الوحدة الوطنية بأربعة وزراء هم وزير التشغيل فوزي بن عبد الرحمن، ووزير الشؤون المحلية والبيئة رياض المؤخر، الذي استقال من حزبه قبل يوم من قرار الانسحاب من الحكومة، وكاتب الدولة لدى وزير الشباب والرياضة عبد القدوس السعداوي، وكاتب الدولة المكلف بالتجارة الخارجية هشام بن أحمد. وتشير المعلومات إلى أن الوزراء الأربعة قدموا استقالاتهم التزاما منهم بقرارات المجلس الوطني لحزبهم، والذي كان قد دعاهم، يوم السبت الماضي، إلى إنهاء مهامهم الحكومية، كما أعلن خروجه من "وثيقة قرطاج" التي تشكلت على أساسها هذه الحكومة. ورفضت الجلسة الاستثنائية لحزب آفاق تونس جملة وتفصيلًا محتوى قانون المالية لسنة 2018، في صيغته المصادق عليها في مجلس نواب الشعب لافتقاده للشجاعة المطلوبة في هذه المرحلة ولرؤية اقتصادية واجتماعية تستجيب لطموحات التونسيات والتونسيين. وكان مجلس نواب الشعب التونسي قد صادق خلال جلسة عامة في 9 ديسمبر الجاري 2017 على مشروع قانون المالية للسنة المقبلة بأغلبية 134 صوتا مع تحفظ 12 ورفض 21. بعض الأحزاب والاتحادات التونسية عبّرت عن خيبتها من القانون، وأكدت أنه دون المطلوب من حيث تشجيع الاستثمار والتصدير والتشغيل، ومن حيث التصدي للتجارة الموازية والتهريب، وكذلك التخفيض من نفقات الدولة والحد من عجز المؤسسات العمومية التي تنخر ميزانية الدولة، وحذرت من أن "الأعباء الجديدة، التي جاء بها القانون ستتسبب في غلق العديد من المؤسسات وفقدان مواطن الشغل وبالتالي تأزم الوضع الاجتماعي". وبرر حزب آفاق تونس خروجه من وثيقة قرطاج، لحياد الوثيقة عن الأهداف التي وضعت من أجلها، إذ تم إفراغها من محتواها بما جعلها تؤسس لتوافق مغشوش لا يخدم المصلحة العليا للوطن، وحول هذه النقطة قالت هدى بوسطنجي، ممثلة حزب آفاق تونسبريطانيا، إن التحالف الاستراتيجي بين النهضة ونداء تونس هو غطاء للمساومة السياسية، وأصبح غطاء لخدمة المصالح الشخصية وليس لصالح البلاد، وهو الأمر الذي يخرج وثيقة قرطاج من مضمونها. وثيقة قرطاج وثيقة سياسية جاءت بمبادرة سياسية من الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي، وقعتها تسعة أحزاب وثلاث منظمات تونسية في 13 يوليو 2016، تضمنت خطوطا عامة للسياسات الاقتصادية والاجتماعية، وأولويات في عدد من المجالات الوطنية، وعلى قاعدتها تم تشكيل حكومة وحدة وطنية هي الثامنة في تونس بعد الثورة التونسية برئاسة يوسف الشاهد. ووقعت الوثيقة أحزاب نداء تونس، وحركة النهضة، والاتحاد الوطني الحر، وآفاق تونس، وحركة مشروع تونس، وحركة الشعب، وحزب المبادرة الوطنية الدستورية، والحزب الجمهوري، وحزب المسار الديمقراطي الاجتماعي. وعلى الرغم من وجود أنباء تشير إلى وجود انقسامات بين أعضاء من "آفاق تونس" بين من يرفض حكومة الوحدة الوطنية وبين من يؤيدها من داخل الحزب الذي يرأسه ياسين إبراهيم، فإن هذا لم يؤثر على سير الاستقالات، في المقابل لم تعلن رئاسة الحكومة التونسية، إلى الآن، عن موافقتها أو رفضها لهذه الاستقالات. ويعد انسحاب حزب آفاق تونس من حكومة الوحدة الوطنية بقيادة الشاهد، الانسحاب الحزبي الثاني الداعم للحكومة بعد انسحاب الحزب الجمهوري، حيث أعلن الحزب الجمهوري في السادس من نوفمبر الماضي انسحابه من حكومة الشاهد، بسبب رفض الحزب لما وصفه بالرضوخ لزمرة تقود حزب "نداء تونس" وتوظف الحكومة خدمة لمصالحها. ويرى مراقبون أن منطق المحاصصة بين الحزبين الكبيرين نداء تونس والنهضة، هو كلمة سر الحكم، وأن بقاء يوسف الشاهد، على رأس الحكومة يبقى رهن تفاهمات الحزبين الكبيرين، في ظل حديث عن مطالبات من داخل دوائر النداء بفك الارتباط مع الشاهد، وسبب هذه المطالبات أن ما أطلق عليه الشاهد الحرب ضد الفساد طال بعض المصالح المتعلقة بقيادات ونواب في نداء تونس وارتباطهم ببعض رجال الأعمال. الجدير بالذكر أن الاستقرار السياسي لم يجد طريقة داخل حزب نداء تونس الذي خاض صراعًا داخليًا أدى إلى تصدع صفوفه بين جناح يقوده الأمين العام للحزب محسن مرزوق، وجناح يقوده نائب رئيس الحزب حافظ القايد السبسي، وسط خلافات داخل حكومة يوسف الشاهد. وتأتي هذه التطورات عشية الذكرى السابعة لاندلاع الثورة التونسية في ظل أزمات سياسية وأخرى اقتصادية، في الوقت الذي يترقب فيه الشارع التونسي حلولا عاجلة وملموسة تستجيب إلى تطلعاته الاجتماعية. وتعاني تونس منذ الثورة التي حدثت على المستوى الداخلي من انشقاقات سياسية داخل الأحزاب السياسية نفسها، وأزمات بين الأطراف السياسية، وهناك مشكلة في التعامل مع الفساد، بالإضافة للتعامل مع البطالة، وعلى المستوى الخارجي حدثت تقلبات كبيرة تركت أثرها على الوضع الداخلي، فتونس ما بعد الثورة ذهبت في محاور من يريدون إسقاط النظام في سوريا، وقطع العلاقات معها، وهذا الاتجاه عزز من وجود الجماعات الإرهابية والتكفيرية في تونس، الأمر الذي ساعد في انتشار الإرهاب وتكريس عمليات الاغتيال، ولكن مؤخرًا بدأت تونس بالخروج من هذه المحاور وتوجهت أكثر لمحاولة إيجاد حلول لملفاتها بالداخل.