الازمة والثورة وما بينهما هو الفارق الذي يتسع يوما بعد اخر بين من يضحون باراوحهم في الشارع في مواجهات مستمرة مع سلطة تقاتل لاخر نفس لها لمدة جاوزت العام وبين فريق اخر يرى في اللعبة السياسية الحل الوحيد للخروج من الازمة ، الاحساس بالهزيمة والخذلان هو الشعور الذي بدا يتصاعد منذ معركة محمد محمود الاولى في نوفمبر 2011 ، القوى السياسية المحسوبة على الثورة خاضت الانتخابات بعد دعاوى التعليق ووسط مطالبات الانسحاب ، اصبحنا نشعر اننا دون غطاء سياسي بل تحول الامر عند البعض الى يأس يدفع الى الانتحار في مواجهات نعلم قبل ان نخوضها باننا سننهزم فيها واحدة تلو الاخرى ، تحولت الثورة المستمرة الى مشاعر يتناقلها البعض على الفيس بوك وتويتر هذا قابل البواب الذي هتف بسقوط العسكر فالثورة مستمرة واخر رن موبايل بجانبه في الميكروباص برنة يسقط يسقط حكم العسكر فالثورة مستمرة الى اخره ، الصراخ والنبرة العالية للسباب هي السائدة وهي تفصح بلا شك عن يأس بدأ يتسرب بداخلنا ، يأس مصدره هزائم متكررة ومزيد من الشهداء واحساس بالضعف في مواجهة الة عسكرية تقتل بلا رحمة وخيانة مفضوحة لاعضاء برلمان منعوت بالثورة ، اصابنا اليأس ونسينا اننا مازلنا في الشارع وانه بالفعل مهما كان المستقبل ينبئ بالأسوأ الا ان المستقبل هو من استجاب لدعوات الاضراب والعصيان المدني في المدارس والجامعات نسينا اننا لم نستخدم كل اسلحتنا بعد بل ونسينا يوم 28 يناير 2011 ، ذلك النسيان الذي يدفع بعضنا الى سؤال حول انتهاء اليسار بعد المعارك الوهمية الاخيرة في الانتخابات البرلمانية والاستعداد للانتخابات الرئاسية بترشيح ابو العز الحريري كممثل لليسار في انتخابات الرئاسة ، السؤال حول انتهاء اليسار له علاقة حتمية باسباب اندلاع الثورة من ازدياد نسبة الفقر والبطالة وسيطرة رجال الاعمال على السلطة وتحويل المواطن الى عبد يعمل بالسخرة لمصلحة الدولة وجيش ليس له اي دور وطني سوى بيع العصير واقامة الافراح في نواديه كل تلك الاسباب والتي ناضل اليسار المصري من اجل قيام الثورة ضدها بل وكان له دور كبير في المشاركة في كل التواريخ المهمة قبل 25 يناير 2011 وحتى في الدعوة الى الثورة بل وكان له النصيب الاكبر في مرجعية اكثر شعارات الثورة شهرة ورسوخا في قلوب الثوار وهو عيش .. حرية .. عدالة اجتماعية .. وهو تجسيد حقيقي لقيم اليسار ولنضاله ضد السلطة ، ومع كل ذلك فان اداء احزاب اليسار بعد الثورة اعطى للبعض الشعور بانتهاء وتحلل اليسار بالتدريج بسبب خوض المعارك الخاسرة بل والاصرار على خوضها الواحدة تلو الاخرى ، انه النسيان مرة ثانية ، ننسى اننا وسط ثورة ، ننسى اننا نصنع التاريخ الان ، نحن جزء من مرحلة مهمة يصنعها الشعب المصري في الميادين الان ، ما يحدث في الشارع ليس انتحار ، مواجهة الجيش والشرطة دون سلاح ليس انتحار ، دعوتنا للاضراب وللعصيان وعدم تحقيق ما كنا نتمناه وسعادة السلطة بالفشل ليست انتحار ، المسيرات والمظاهرات ليست انتحار ، الانتحار الحقيقي وقتل الثورة هو عدم فهمها عمدا او دون قصد ، محاولة تشويه المشهد الثوري بتحليلات حول خروج اليسار من اللعبة بما يمثله اليسار من قيم تعبر عن اغلبية الشعب الفقير الجاهل المريض المضحوك عليه باسم الدين هي الانتحار الحقيقي ، واقتبس هنا مما كتبه الصديق باسل رمسيس في البديل والذي نشر بتاريخ 25 ديسمبر 2011 بعنوان “الاختيارات الذكية للسلطة العسكرية .. عن هاشم والاشتراكيين الثوريين وغيرهما ” ، يقول باسل : لا أعتقد أنه تم قتل مينا دانيال يوم 9 أكتوبر، في ماسبيرو، بالصدفة. مما نشر عنه، ومما قاله زملاؤه وأصدقاؤه، تبدو ملامحه.. هو شاب في غاية النشاط والفاعلية، فقير ومن منطقة شعبية، صنايعي وليس من مثقفي المقاهي. مسيحي ويساري.. ويختلف هنا عن أغلب اليساريين من المسيحيين، كونه لم يفقد صلاته بمجموعات واسعة من الشباب الكنسي الراغب في لعب دور سياسي نضالي خارج سياق سيطرة السلطة الكنسية. والأخطر أن هذا الدور سيكون في هذه الحالة وسط القطاعات التقدمية والثورية، وليس داخل القطاعات الليبرالية، التي لا تشكل خطرا حقيقيا علي النظام الحالي وسلامته .. ما ذكره باسل لم يكن فقط يعني ان قتل مينا كان متعمدا او من يكون مينا دانيال لمن لا يعرفه ولكنه كان تحليلا واضحا للمنحنى الذي تمر به الحركة الثورية اليسارية في الشارع ذلك المنحنى الذي لا يراه الكثيرون عمدا او دون قصد ، العدو الحقيقي لنا الان هو من يصور لنا اننا نعيش في الازمة السياسية والتي ستنتهي بخروج العسكر الصوري من السلطة ، نحن في ثورة وعدونا هو من يحاول ان يجرنا خارج اطار الثورة ذلك الاطار الذي سيوجد وبلا شك مينا دانيال اخر بل واخرون في كل مكان في مصر عاجلا ام اجلا ، انه نضال حتمي وطريق اجباري سيسلكه الثوار في وقت ما ، سينظمون انفسهم وسيختارون الطرق التي تعبر عن نضالهم سلمية كانت او غير ذلك ، لا امل في اصلاح دولة لا توجد بالاساس ، دولة كل مؤسساتها تعمل من اجل اصحاب السلطة ، مؤسسات يجب ان تهدم وتبنى من جديد ، سيهدمها الشعب وسيبني دولته الجديدة بعد نضال يطول او يقصر ليس مهم ولكن المهم هو تحقيق الهدف وانتصار الثورة . منذ ايام كان عيد الميلاد السادس والعشرون للشهيد مينا دانيال والذي اجزم بانسحابه من حزب التحالف الشعبي الاشتراكي لو كان حيا لكنه لم يكن لينسحب من الثورة كان سينضم الى الجماهير وسيبقى في الشارع مع الناس يبحث مثلنا جميعا عن تنظيم جديد ويساعد في تكوينه ، تنظيم يعبر عن مصالح الشعب ، تنظيم يستطيع ان ينتزع السلطة ، تنظيم يستطيع الانتصار ويستكمل الثورة . كاتب وسيناريست مصري [email protected]