يلفظ تنظيم داعش أنفاسه الأخيرة، أو يكاد، وبات يقترب من نهايته في سورياوالعراق، لا سيما وقد أعلن رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، السبت الماضي، عن القضاء على قوات داعش في العراق بشكل كامل؛ فضلا عن إعلان وزارة الدفاع الروسية، الخميس الماضي، عن إنجاز المهمة وتحرير سوريا بالكامل من قوات التنظيم، وعلى هذا أصبح التنظيم محاصرا من جميع الجهات في سورياوالعراق، وتقتصر المطاردات على بلدات صغيرة وفي بقاع الصحراء بعد أن تم القضاء عليه تمامًا في معاقله الرئيسية. وفي حين انبثق تنظيم داعش من تنظيم القاعدة في العراق الذي أسسه أبو مصعب الزرقاوي، في 2004، ثم انتشر "داعش" في أعقاب ثورات الربيع العربي عام 2011 مستغلا الفراغ الأمني الذي كانت تعاني منه الدول بسبب الصراعات الداخلية على السلطة حتى تمكن في عام 2014 على يد زعيمه أبو بكر البغدادي من السيطرة على ثلث مساحة العراق ومساحات شاسعة في سوريا وليبيا، وفي محافظة سيناء بمصر، وفي بعض الدول الأخرى مثل اليمن والجزائر؛ فإن وجهته المقبلة لن تخرج عن هذه النطاقات. ساعد في انتشار وتوسع تنظيم داعش مبايعة بعض التنظيمات والجماعات له مثل تنظيم بيت المقدس في سيناء، وجماعة بوكوحرام النيجيرية، وحركة طالبان في أفغانستان، الأمر الذي يجعل من هذه المناطق نقاط تمركز له، قد تشكل مستقبلا نقطة انطلاق نحو محاولة إقامة مشروع التنظيم. ويرى بعض الخبراء أنه بعد هزيمة "داعش" في معاقله الرئيسية في سورياوالعراق قد يتجه إلى مناطق صحراوية شاسعة في دول تشهد نزاعات داخلية أو يسعى إلى التمركز في ليبيا أو أفغانستان لإعادة بناء التنظيم، حيث ذكرت مصادر أفغانية مؤخرا أن عددًا من مسلحي التنظيم بينهم فرنسيون وجزائريون انتقلو إلى أفغانستان بعد هزيمتهم خلال العمليات الأخيرة، كما لوحظ في الآونة الأخيرة التواجد المتزايد للتنظيم في سيناء وأيضًا على الحدود الغربية بين مصر وليبيا. ويبدو أن الفترة القادمة لن تحمل هدوءًا إلى بعض الدول، فمعظم السيناريوهات المطروحة لمستبقل "داعش" تمثل خطرا على تلك الدول، لا سيما مع عودة مقاتلي التنظيم إلى الدول التي جاءوا منها، والتي قد تدفعهم إلى القيام بأعمال إرهابية منفردة خاصةً في دول أوربا التي شهدت في الآونة الأخيرة هجمات أوقعت العديد من الضحايا في بريطانيا وفرنسا. مستقبل داعش المستبقل ليس مجهولا لأنه يعيش في رحم الحاضر، كما يقال، وبالنظر إلى حاضر "داعش" فإنه سيحاول إعادة بناء نفسه في المناطق التي مازال بها بعض عناصره، أو التنظيمات التي تناصره وبايعته من قبل مثل تنظيم بيت المقدس في سيناء، وجماعة بوكو حرام في نيجيريا، وحركة طالبان في أفغانستان. ليبيا تشير بعض التقارير إلى أن التنظيم يحاول تجميع عناصره في مدينة صبراتة بوسط ليبيا، وقال الناطق باسم الجيش الليبي أحمد المسماري، في مقابلة تليفزيونية، إن هناك تقارير استخباراتية تؤكد انتقال عناصر داعش من سورياوالعراق إلى ليبيا بمساعدة استخبارات دول أجنبية، وأضاف: المهمة بالتالي ستكون كبيرة وخطيرة جدًا، الجيش سيعمل على تأمين المنطقة بالكامل من خطر الإرهاب والجريمة المنظمة مثل الهجرة غير الشرعية وتهريب المخدرات. وتشكل ليبيا خلال الفترة الراهنة واحدة من نقاط تمركز تنظيم داعش، ومع فرار المئات من عناصر التنظيم إليها قد تصبح مستقبلا قاعدة انطلاق للتنظيم في منطقة الشرق الأوسط، لا سيما في ظل الأوضاع المضطربة أمنيا وسياسيا، الأمر الذي يسهم في تنامي نفوذ التنظيم ويعزز تمدده داخل الأراضي الليبية. سيناء منذ إعلان جماعة أنصار بيت المقدس مبايعتها لتنظيم داعش في عام 2014، ازداد نشاط الجماعة وخاضت هجمات كثيرة ضد الجيش المصري والشرطة والمدنيين قتلت خلالها المئات وأوقعت إصابات بالآلاف، كان آخرها تفيجر مسجد الروضة الذي راح ضحيته أكثر من 300 شهيد بينهم أطفال، و127 مصابا. اكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أعلن، منذ أيام، أن عناصر داعش الفارين من مدينة الرقة السورية توجهوا إلى سيناء لاستئناف نشاطهم الإرهابي في دول القارة الإفريقية، مما يؤكد أن سيناء تتعرض لمخاطر واسعة مع عودة الكثير من العناصر الفارة من سورياوالعراق. نيجيريا بايعت جماعة بوكوحرام النيجيرية تنظيم داعش في عام 2015 وتغير اسمها إلى ولاية غرب إفريقيا، ومن المتوقع أن يحاول التنظيم الاستعانة بها لتقوية مركزه وإعادة إنتاج نفسه، خاصة أن نيجيريا تشكل بيئة خصبة لانتشار التطرف والعنف العرقي والطائفي، نظرا لحالة الفقر التي يعيش فيها أغلب السكان البالغ عددهم 150 مليون نسمة واحتكار السلطة والثروة في يد فئة قليلة. وخلال الفترة الماضية تمددت عمليات بوكوحرام من نيجيريا إلى كينيا والصومال، ما يعني احتمال توسع نفوذ التنظيم مستقبلا في منطقة غرب إفريقيا على وجه التحديد، وهو ما يفرض تحديات عسكرية كبيرة على هذه الدول، خاصة وأن معظمها لا يمتلك سوى قدرات عسكرية ضعيفة في مواجهة الإرهاب. الحدود التونسية االجزائرية منطقة الحدود التونسية الجزائرية تعتبر مقرا محتملا لهذه الجماعة الإرهابية، نظرًا لما تتمتع به المنطقة من طبيعة جبلية تمثل مرتكزا مثاليًا للتنظيم، وكان بعض المراقبين قد كشفوا عن نية داعش تشكيل فرع لها في المغرب العربي يسمى "دامس". أفغانستان يتواجد تنظيم داعش في أفغانستان منذ عام 2015 تحت اسم "ولاية خراسان" ويتمركز في ولاية ننكرهار في الشمال على الحدود مع باكستان، وذكرت مصادر أفغانية مطلعة أن عددا من مسلحي تنظيم داعش الإرهابي بينهم فرنسيون وجزائريون انتقلوا إلى أفغانستان بعد الهزيمة التي لحقت بالتنظيم في سوريا، كما أن مساندة حركة "طالبان باكستان" للتنظيم سيكون لها دور كبير، خاصة أنها سبق وأعلنت مبايعتها للتنظيم في عام 2014.