تناقش اللجنة التشريعية بمجلس النواب، خلال هذه الأيام، تعديل قانون الإجراءات الجنائية، بناء على المقترح التي تقدمت به الحكومة، ومن بين المواد التي تناقشها اللجنة مقترح بتعديل المادة 286 من القانون، التي تنص على "حظر نقل وقائع المحاكمة، أو بثها بأي طريقة كانت، إلا بموافقة كتابية من رئيس الدائرة القضائية، وعدم جواز نشر أخبار أو معلومات أو إدارة حوارات أو مناقشات عن وقائع الجلسات أو ما دار بها على نحو غير أمين، أو من شأنه التأثير على حسن سير العدالة". عدد من المختصين، أكدوا أن مقترح التعديل يتعارض مع مبادئ المحاكمة العادلة التي من بين قواعدها المحاكمة العلانية وأن الأصل في القانون هو أن "المحاكمة علانية"، كما أنه يتعارض مع حق المواطن في المعرفة، وأن وضع تقييد الحق في نقل الجلسات في يد رئيس الدائرة أمر يتعارض مع المادة 187 من الدستور التي تنص على أن "جلسات المحاكم علنية، إلا إذا قررت المحكمة سريتها مراعاة للنظام العام، أو الآداب، وفى جميع الأحوال يكون النطق بالحكم في جلسة علنية". وقال المستشار عادل فرغلي، نائب رئيس مجلس الدولة الأسبق، إن الأصل في المحاكمة هو العلانية حسبما ينص الدستور، وحضور الجلسات ونقل أخبارها سواء من جانب أهالي المتهمين أو المواطنين العاديين أو وسائل الإعلام حق أصيل من حقوق الرأي العام، مؤكدا أن الحصول على الحقوق لا يتقيد بشروط أو بإذن كتابي، مشيرا إلى أن هذه التعديلات إذا اقرها البرلمان بهذا الشكل ستكون مهددة بعدم الدستورية. وأضاف فرغلي، أن التعديل المقترح يعكس الوضع، فبعد أن كان الأصل هو العلانية وأنه يحق للقاضي أن يجعل بعض الجلسات سرية لأسباب تتعلق بالأمن القومي أو بعض الاعتبارات التي يراها القاضي قد تؤثر بالسلب علي سير القضية، أصبحت الجلسات سرية ويجوز أن تكون علانية بموافقة رئيس الدائرة، وهذا يتعارض مع الدستور ومع كل الأعراف القضائية. وقال الحقوقي ناصر أمين، مدير مركز استقلال القضاء، وعضو المجلس القومي لحقوق الإنسان، إن المشرع الحكومي الذي أعد هذا المقترح يرغب في مصادرة حق المعرفة وحق المواطن والمجتمع في أن يراقب السلطة القضائية ضمانا لشفافية المحاكمات، مشيرا إلى أن التعديل هو تحول قوي يعكس رؤية الحكومة في مصادرة الحقوق والحريات حتي أبسط تلك الحقوق وهو الحق في المعرفة، حيث ترغب الحكومة في أن تجعله منحة منها تعطيه متى نشاء وتمنعه متى تشاء. وأضاف أمين ل"البديل"، أن جعل علانية المحاكمات مرتبط بشرط أو بإذن من رئيس الدائرة كارثة بكل المقاييس وانتهاك جديد في مجال الحقوق والحريات، "فلا يحدث أن قدم أي من الأنظمة السابقة مقترحا بهذه الفجاجة والتوغل على حقوق المحاكمات، مشيرا إلى أن هذا المقترح يدخل القضاء في صراع مع وسائل الإعلام ومع المجتمع، لذلك لابد أن يكون هناك وقف لهذه المهزلة، وأن يدرك صناع القرار خطورة هذه التشريعات التي تتعارض مع كافة القوانين والدساتير التي تضمن محاكمة عادلة. وقال: وسائل الإعلام سواء كانت صحافة أو قنوات تلفزيونية هي الوسيلة الرئيسية لإعلام المواطنين بما يحدث في المحاكمة ونزع هذا الحق يدخلنا في مشاكل كثيرة نحن في غنى عنها لأن الأصل في المحاكمة هو العلانية ويجب أن يدرك البرلمان أن هذا يعد انتهاكا للحقوق، وغير دستوري وبناءً عليه يرفض هذا المقترح.