أثير كثير من اللغط، حول مشاركة وفد الحكومة السورية في مفاوضات جنيف8، التي انطلقت فعالياتها أمس الثلاثاء، حيث بدا الاستياء الحكومي واضحًا، بعد بيان الهيئة العليا للتفاوض للمعارضة السورية في الرياض2، الذي انطوى على اشتراطات مسبقة، منها تنحي الرئيس السوري، بشار الأسد، على غير ما ينص القرار 2254 الذي بات مرجعية التفاوض، الأمر الذي دفع الوفد الحكومي السوري لإرجاء سفره بالأمس. وبعد تطمينات من مبعوث الأممالمتحدة إلى سوريا، استيفان دي ميستورا، للوفد الحكومي، بأن ما أعلنه البيان الختامي لاجتماع الرياض2، لن يكون ضمن برنامج المحادثات في جنيف، قرر الوفد الحكومي المشاركة، خاصة أن دي مستورا، أكد سابقًا أن الأممالمتحدة لن تقبل أي شرط مسبق للمحادثات، كما أن مشاركة الوفد الحكومي في جنيف، جاء أيضًا بعد الاتصالات المكثفة التي جرت خلال اليومين الماضيين بين الجانبين السوري والروسي، وقررت دمشق المشاركة في الحوار بوفد يرأسه مندوب سوريا الدائم لدى الأممالمتحدة، بشار الجعفري، وأعلنت وزارة الخارجية، أن وفد الحكومة سيصل اليوم الأربعاء؛ للمشاركة في "جنيف8" الأخيرة برعاية الأممالمتحدة. وفي جنيف، عقد المبعوث الأممي اجتماعًا مع مندوبي الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي، قبيل محادثاته في وقت لاحق مع الوفد الموحد لجماعات المعارضة المنبثقة عن اجتماع الرياض2، وتزامن ذلك مع تلقي رئيس الوفد التفاوضي المعارض، نصر الحريري، اتصالين من معاوني وزيري الخارجية البريطاني والأمريكي، جرى خلالهما الحديث عن استعدادات وفد المعارضة وجدول أعماله في المحادثات المرتقبة مع وفد الحكومة السورية إلى محادثات السلام في جنيف. وأشار المبعوث الأممي، إلى أنه سيتاح للوفدين الحكومي والمعارض، فرصة إجراء محادثات مباشرة للمرة الأولى، فجنيف شهدت حتى الآن سبعة جولات من الحوار السوري غير المباشر؛ آخرها كان في 14 يوليو الماضي. ورغم السقف المرتفع لوفد المعارضة قبيل انطلاق مفاوضات جنيف الأخيرة، لكنه يبدو أضعف بكثير من المظهر الخشن الذي يحاول الإيحاء به، فجولة جنيف الثامنة حول الأزمة السورية، انطلقت بسلة مزدحمة بالملفات وآمال محدودة ومعطيات جديدة على أرض الواقع في الميدان السوري، كما أن الموقف السياسي للمعارضة السورية لا يقل تدهورًا عن موقفها العسكري على الأرض بعد النجاحات الأخيرة التي حققها الجيش السوري بدعم حلفائه الروس والإيرانيين، بالإضافة إلى حزب الله في البوكمال وغيرها على امتداد الحغرافية السورية. وبجانب الضعف العسكري الذي يعتري جسد المعارضة، يوجد شرخ سياسي آخر، يكمن في الاستقالات الجماعية من الهيئة العليا للمفاوضات، التي لم تأت من فراغ، بعد لغة التخوين المنتشرة بين صفوف المعارضة، فبالأمس وصف المعارض السوري، بسام جعارة، وفد هيئة المفاوضات وأمام المتحدث باسمه، يحيى العريضي، في أحد القنوات الفضائية، بأنه "قطيع غنم"، ونعته بالخائن لأنه قبل بنسف هيئة الحكم الانتقالي وقبل بمناقشة السلال الأربع في جنيف7، وقَبِل بوجود منصة موسكو والقاهرة. وفي الشكل السياسي أيضًا للمعارضة، هناك خطأ فادح انتجه مؤتمر الرياض2، فصحيح أن الرياض استطاعت تجميع المعارضة في وفود واحد، لكنها لم تنجح في توحيد الأهداف والمصالح المتضاربة في المنصات الثلاث "الرياضوموسكو والقاهرة". أيضا، الدول التي تندرج تحت ما يسمى ب"أصدقاء سوريا"، ويقصد بها الدول الداعمة للمعارضة، أصبحت تتخلى تدريجيًا بما فيها واشنطن وباريس عن فكرة رحيل الرئيس السوري، الأمر الذي دفع المبعوث الأممي إلى الإعلان صراحةً عن أنه لا مجال لأي شروط مسبقة في المفاوضات، في إشارة لمطلب المعارضة بضرورة رحيل الأسد. في المقابل، يبدو فريق الحكومة السورية أكثر قوة وتماسكا، بفضل الدعم الروسي والإيراني، على عكس الأطراف الداعمة للمعارضة كواشنطنوالرياض، فما زال مشهد العناق الحميم بين بوتين والأسد في موسكو قبل أسبوع عالقًا بالأذهان، وهنا نجد أن مجريات الملف السوري لا تدار من جنيف، فأي تقدم في الملف السوري فعليًا يكون من خلال مؤتمرات المحور المنتصر في سوريا؛ فجولات "أستانة وسوتشي"، هي التي أوجدت ما يسمى بمناطق خفض التصعيد، ومهدت أرضية للحوار من خلال وقف إطلاق النار ودعوة الفصائل السورية للحوار. ويبدو أن موسكو تعكف حاليًا على إطلاق منصة حوار من سوتشي، فالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، قال في ختام قمة سوتشي 22 نوفمبر الجاري، التي جمعته بنظيريه التركي رجب طيب أردوغان، والإيراني حسن روحاني، إن المؤتمر السوري للحوار الوطني سيفضي إلى مشروع دستور تقام على أساسه انتخابات حرة في سوريا. وكانت روسيا أرجأت مؤتمر الحوار السوري الذي كانت تعتزم تنظيمه هذه الأيام إلى فبراير المقبل، وبدا أن رفض جماعات سورية معارضة المشاركة فيه وتزامنه مع مفاوضات جنيف كانا من أسباب تأجيله.