مسلمو الروهينجا يذبحون في صمت دون محاسبة أو ملاحقة مرتكبي هذه الجرائم من الجيش الميانماري، بين الحين والآخر، يطل علينا مسؤول أممي أو أمريكي يندد بانتهاكات الجيش الميانماري، لكن دون اتخاذ إجراءات رادعة. بالأمس، دعت منظمة العفو الدولية (أمنستي) إلى وقف التعاون العسكري مع بورما (ميانمار) وفرض حظر على توريد الأسلحة إليها جراء حملة القمع والاضطهاد العرقي الذي تمارسه بحق أقلية الروهينجا المسلمة، وقالت أمنستي إنها حصلت -استنادا إلى إفادات ناجين وصور التقطتها أقمار اصطناعية- على عناصر جديدة "تؤكد حصول جرائم ضد الإنسانية ممنهجة تهدف إلى ترويع الروهينجا وطردهم". وعلى موقعها الإلكتروني، قالت أمنستي "اكتبوا إلى مين أونج هلينج، القائد الأعلى لجيش ميانمار والرجل الذي يملك سلطة وقف التطهير العرقي الوحشي في ولاية أراكان، نريد منه أن يأمر قواته بالتوقف عن حملة العنف المروعة"، ويبدو أن المنظمة الدولية لا تملك أكثر من هذه العبارات لتقدمها لعذبات الشعب الروهينجي. في حين، اقتصر دور منظمة الأممالمتحدة على مطالبة مسؤولين كبيرين في بورما (ميانمار) باتخاذ إجراءات فورية لوقف ما وصفاه بالجرائم الفظيعة ضد الروهينجا، مع تذكيرهما حكومة ميانمار بأنها مسؤولة بموجب القانون الدولي عن حماية السكان الروهينجا، وقالا إن المجتمع الدولي أخفق في تحّمل مسؤولياته. الدور القاصر للأمم المتحدة قد يعطي ضوءًا أخضر لاستمرار الجرائم الميانمارية ضد الأقلية المسلمة فيها، ويتمثل هذا الدور الضعيف في تصريحات جيوتي سانجيرا، مسؤولة آسيا والمحيط الهادي في مكتب المفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان، أمس الأربعاء، التي قالت فيها "إن المنظمة لم تقرر بعد ما إذا كان العنف ضد الروهينجا المسلمين في ميانمار إبادة جماعية". المفارقة تكمن في الموقف الأمريكي من الجرائم البورمية، فترامب الذي لم ينتظر حتى نتائج التحقيقيات في سوريا فيما إذا كانت حكوماتها متورطة في استخدام السلاح الكيميائي في إدلب من عدمه، حتى استهدف بصواريخه قاعدة الشعيرات التابعة للجيش السوري، لكن يبدو أنه حينما يتعلق الأمر بالجيش الميانماري والذي لا يمس مصالح واشنطن ولا يتقاطع مع أهدافها في شيء، فإن غض الطرف قد يكون أمرًا مناسبًا للسياسة الأمريكية، التي مازالت تتعامل مع كارثة الروهينجا بكثير من المماطلة واللامبالاة، فبالأمس، قرابة أربعين نائب أمريكي، مازالوا يفكرون في اتخاذ إجراءات لا تسمن ولا تغني من جوع في حال تم إقرارها، باتجاه حكومة ميانمار، كإعادة فرض حظر سفر على قادة جيش ميانمار، وتجهيز عقوبات محددة على المسؤولين عن الحملة ضد أقلية الروهينجا في البلاد. واشنطن التي لم تترد في فرض عقوبات اقتصادية وسياسية تجاه الدول التي تريد تركيعها مثل روسيا وكوريا الشمالية وإيران وسوريا، مازالت في طور التفكير فيما إذا كانت ستقدم على خطوة عقابية أم لا تجاه حكومة ميانمار، فأعضاء مجلس النواب من الجمهوريين والديمقراطيين خلال خطاب لوزير الخارجية الأمريكي، ريكس تيلرسون، دعوه إلى "خطوات ذات معنى" ضد جيش ميانمار وآخرين ارتكبوا انتهاكات لحقوق الإنسان. ولا يبدو أن تيلرسون تفاعل حتى مع الدعوات الهزيلة للكونجرس، فردة فعله اقتصرت على تصريحات قال فيها إن الولاياتالمتحدة تشعر ب"قلق شديد" بسبب ما يحدث لأقلية الروهينجا في ميانمار، وتُحمل قادة جيش ميانمار المسؤولية. كما تقتصر التحركات الدولية حول هذه الكارثة الإنسانية على حدود الدعوات، حيث دعا سفير المملكة المتحدة لدى الأممالمتحدة، ماثيو رايكروفت، إلى محاسبة المسؤولين عن المآسي التي وقعت في ولاية أراكان (راخين). من جانبه، قال الأمين العام السابق للأمم المتحدة، كوفي أنان، الذي يرأس لجنة شكّلتها سو تشي لإيجاد حلول لولاية أراكان، إن مشكلة المسلمين الروهينجا يجب أن تعالج "قبل أن تتعفن وتحمل معها تداعيات خطيرة". حالة الصمت الدولية مكّنت الجيش الميانماري من التهرب من جرائمه، حيث يكتفي بإخفاء انتهاكاته الفاضحة تحت السجادة، بإعلانه شكليا عن فتح تحقيق داخلي مرة تلو الأخرى، كما ترفض حكومة بورما، التي يهيمن عليها البوذيون، الاعتراف بالروهينجا كمجموعة عرقية، وتعتبرهم مهاجرين غير شرعيين قدموا من بنجلاديش، كما أنها ترفض أيضًا السماح بدخول لجنة من الأممالمتحدة مكلفة بالتحقيق في اتهامات بارتكاب انتهاكات في حق الروهينجا. وعن الوضع المأساوي للروهينجا، أعربت أمس مفوضية الأممالمتحدة السامية لشؤون اللاجئين عن قلقها إزاء الأوضاع الإنسانية لآلاف الوافدين الجدد من الروهينجا العالقين قرب الحدود البنغالية مع ميانمار، وقال المتحدث باسم المفوضية، أندريه ماهيسيتش، إن عدد اللاجئين الروهينجا في بنجلاديش وصل إلى 582 ألف شخص، ويمثل الأطفال حوالي 60% من الفارين منذ 25 أغسطس، بالإضافة إلى الآلاف الذين يعبرون أسبوعيا، بحسب منظمة اليونيسف. وحذرت "اليونيسف" من أن الاحتياجات المتزايدة تتجاوز الموارد المتاحة، فقد تلقت المنظمة حتى اليوم 7% فقط من 76 مليون دولار مطلوبة لتوفير الدعم في حالات الطوارئ للأطفال على مدى الأشهر الستة المقبلة. ولم تقتصر جرائم الجيش الميانماري على التهجير، فطبقا لتقرير منظمة العفو الدولية، فإن هذه الجرائم تتم على نطاق واسع، وتشمل التعذيب والقتل والطرد والاضطهاد والتجويع، كما شملت الاعتداءات التي أوردها التقرير الاغتصاب الجماعي للنساء، وأنواعا أخرى من الاستغلال الجنسي والبدني، وهي اعتداءات لا تسلم منها حتى الهاربات في رحلة اللجوء نحو بنجلاديش.