لا يزال حلم الانفصال يراود شعب إقليم كتالونيا، ويؤرق الحكومة في مدريد، حيث تصاعدت حدة الاشتباكات والملاسنات بين رافضي الانفصال ومؤيديه، خاصة مع اقتراب موعد الاستفتاء المزمع عقده في الأول من أكتوبر المقبل، وفي الوقت نفسه تحاول مؤسسات السلطة الإسبانية بذل قصارى الجهود لمنع إجراء هذا الاستفتاء. مدريد تحاول السيطرة أسبوع واحد فقط بات يفصل إسبانيا عن تحديد مصيرها، إما اقتطاع جزء من أراضيها وانفصاله عنها أو بقاؤها موحدة، الأمر الذي دفع القيادات السياسية ومؤسسات الدولة إلى التحرك سريعًا باتجاه رفض الاستفتاء، حيث أصدرت المحكمة الدستورية في إسبانيا قبل أيام قرارًا بإلغاء قانونين انفصاليين بالكامل، وافق عليهما برلمان إقليم كتالونيا، الذاتي الحكم، في 6 و7 سبتمبر الجاري، وصدر القرار بإجماع أعضاء المحكمة الدستورية، على أن قانوني الاستفتاء وتأسيس جمهورية والانتقال القانوني، اللذين أقرهما البرلمان المحلي في كتالونيا يتعارضان مع الدستور الإسباني وباطلان تمامًا، الأمر الذي يسحب الشرعية من كل إجراءات سلطات الإقليم اللاحقة الرامية إلى تنظيم الاستفتاء، فيما هددت حكومة مدريد إدارة الإقليم الساعي للانفصال بأنه سيواجه تجميدًا لموارده المالية إذا لم تنصع الإدارة لطلباتها ضمن المهلة التي تم تحديدها في وقت سابق ب48 ساعه، وأوقفت إجراء الاستفتاء الذي وصفته بأنه غير قانوني. من جانبه أصدر رئيس الوزراء الإسباني، ماريانو راخوي، النداء وربما التحذير الأخير لحكومة إقليم كتالونيا، حيث حثها على التراجع عن إجراء استفتاء الانفصال، الذي ليس له أي شرعية، وأضاف راخوي: أدعوكم إلى العودة إلى الديمقراطية والقانون، وهناك وقت لمنع المزيد من الشرور، وتابع رئيس الوزراء: أوقفوا محاولاتكم ومواقفكم المتعلقة بالاستقلال، هذا الاستفتاء لم يكن في أي وقت من الأوقات شرعيًّا وقانونيًّا، وهذا ليس مطلبًا سياسيًّا، مشيرًا إلى أن إسبانيا دولة قانون، وتحركت في هذا الصدد، وستواصل ذلك. على جانب آخر تعاملت الشرطة الإسبانية مع المظاهرات المؤيدة للاستفتاء والرافضة لحكم المحكمة الدستورية بإلغاء قانوني تنظيم الاستفتاء، حيث شنت قوات الحرس المدني الإسباني حملة أمنية في كتالونيا، أجرت في إطارها 41 مداهمة، وأوقفت 14 شخصًا، وصادرت نحو 10 ملايين من أوراق الاقتراع للاستفتاء، واستهدفت في مداهماتها 9 مقرات لحكومة إقليم كتالونيا، فيما قررت سلطات إسبانيا إرسال تعزيزات أمنية إضافية إلى الإقليم، حيث قال وزير الداخلية الإسباني، خوان إغناسيو سويدو، إن أفراد الشرطة والحرس المدني سيقومون بالعمل سويًّا مع عناصر الشرطة الكتالونية، لمراقبة الوضع في الأماكن العامة ودعم النظام العام في الإقليم، مشيرًا إلى أنه في حال إجراء الاستفتاء المزمع في 1 أكتوبر القادم، ستضطر تلك القوات الأمنية إلى اتخاذ إجراءات مناسبة. إقليم كتالونيا.. محاولات انفصال تاريخية يقع إقليم كتالونيا في شمال شرق إسبانيا، ويأتي ترتيبه السابع من بين 17 إقليمًا يتمتع بحكم ذاتي في البلاد، ويبلغ عدد سكانه 7 ملايين و500 ألف نسمة، وتبلغ مساحة الإقليم 32.1 ألف كم مربع، ويضم 947 بلدية موزعة على 4 مقاطعات، هي: برشلونة، وجرندة، ولاردة، وطرغونة، ويُعد إقليم كتالونيا أحد أكثر الأقاليم الإسبانية ثراءً، حيث يتميز بأنه منطقة صناعية ذات نزعة استقلالية، وأغلب سكان الإقليم يعيشون في عاصمته برشلونة، التي تمثل مركزًا اقتصاديًّا وسياسيًّا مهمًّا، فضلًا عن أنها نقطة جذب سياحية تحظى بشعبية كبيرة. ترجع الرغبة الانفصالية إلى القرن التاسع عشر، حينما شعر الكاتالونيين برغبة في الاستقلال، وتحولت سريعًا إلى حملة من أجل الاستقلال السياسي وحتى الانفصال، وشهدت تلك الفترة مرحلة لإحياء الانتماء الكتالوني، وعندما أصبحت إسبانيا جمهورية في عام 1931، منحت كتالونيا حكمًا ذاتيًّا واسعًا خلال الحرب الأهلية الإسبانية، وكانت حينها معقلًا رئيسيًّا للجمهوريين، ومع ظهور الديمقراطية فى إسبانيا أصبح لإقليم كتالونيا البرلمان الخاص به مع حكم ذاتي واسع النطاق، وأدى تراجع الاقتصاد الإسباني في السنوات الأخيرة إلى تأجيج النزعة الانفصالية في كتالونيا، حيث يعتقد الكثيرون أن الإقليم يدفع أكثر مما ينبغي لمدريد. وأجرت الحكومة الإقليمية، التي تتولى السلطة منذ انتخابات نوفمبر 2012 والمدعومة من الحزبين الانفصاليين الرئيسيين، استفتاء غير ملزم على الاستقلال عام 2014، حيث صوت 80 في المائة ب "نعم"، فيما اعتبرت الحكومة الأسبانية أنه ليس من حق كتالونيا دستوريًّا الانفصال، ليعود تنظيم الاستفتاء من جديد في أكتوبر القادم. على الرغم من محاولات سلطات مدريد الحثيثة منع الاستفتاء ووأد الرغبة الانفصالية لدى سكان الإقيلم، إلا أن حكومة الإقليم الذي يتمتع بالحكم الذاتي تُصر على حقها في تنظيم الاستفتاء، حيث دعت مؤخرًا منظمات مدنية في الإقليم، منها "جمعية كتالونيا الوطنية" و"Omnium Cultural" السكان في كتالونيا إلى التعبئة المستمرة، وأوضحت الاستطلاعات أن 80% من سكان الإقليم يؤيدون إجراء الاستفتاء.