أثار إعلان حكومة المهندس شريف إسماعيل، رئيس مجلس الوزراء، الاستعانة بخبراء كوريين لزراعة 300 ألف فدان جنوب منخفض القطارة، حالة من الغضب لدى المتخصصين والزراعيين بمصر، معتبرين أن تلك التجربة تمثل مزيدًا من الفشل، وتجاهلًا للخبرات في أقدم دولة زراعية. كان المهندس شريف إسماعيل قد شهد توقيع بروتوكول بين هيئة التنمية الزراعية، التابعة لوزارة الزراعة، والجمعية الكورية، التابعة لكوريا الجنوبية؛ لإقامة مشروع مدينة زراعية نموذجية كورية على مساحة 300 ألف فدن بتكلفة قدرها 10 مليارات دولار، يتحمل منها الجانب الكوري المعدات والخبرات، بينما يتحمل الجانب المصري باقي التكاليف. قال الدكتور مصطفى محمد، أستاذ العلوم بجامعة قناة السويس: الاستعانة بكوريا الشمالية في استثمارات زراعية بمثابة كارثة جديدة نصنعها بأيدينا متجاهلين الخبرات كافة، خاصة أننا لن نجني من هذا المشروع إلَّا الخراب وضياع الوقت والأموال، فنحن نكرر تجارب فاشلة، لافتًا إلى أن التجارب السابقة المثيلة أكبر شاهد على ذلك، فقد تمت الاستعانة بخبرات يابانية في استصلاح وتنمية سيناء وإنشاء مزرعة يابانية خلال فترة حكم الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، إلَّا انها باءت بالفشل؛ نتيجة اختلاف التربة والظروف المناخية بين أرض مصر واليابان، ورغم خبراتهم الواسعة وعلمهم بهذا الاختلاف إلَّا أنهم لم يجنوا أي ثمار من تلك التجربة. وتأتي بعدها التجربة الفرنسية، حيث اشترى الوليد بن طلال مئات الأفدنة بمشروع توشكى في عهد الرئيس حسنى مبارك، وأحضر خبراء فرنسيين لاستصلاح هذه الأراضي زراعيًّا، إلَّا أنهم لم يجنوا أي ثمار، رغم توفير الدولة كل الخدمات، لكن اختلاف الأرض والطبيعة والنباتات كان لها تأثير سلبي على تلك التجربة، والغريب أن الأراضي التي استصلحها مزارعون بسطاء بجواره قد اتت بثمارها رغم الطرق البدائية التي استخدموها مقارنة بالطرق التي كان يستخدمها الخبراء الفرنسيون. واليوم نكرر نفس أخطاء الماضي بقرار الحكومة بالاستعانة بخبراء من كوريا الجنوبية لاستصلاح أرض جنوب منخفض القطارة، متجاهلين 18 كلية زراعة مصرية تضم نخبة من الأستاذة والخبراء في مجال الزراعة، بالإضافة إلى مركز البحوث الزراعية، الذي يعد أكبر مركز بحوث زراعية في الشرق الأوسط، ويضم أيضًا كوكبة من العلماء في مجال الزراعة رغم ضعف الإمكانيات، وتتم الاستعانة بهم بشكل دائم في العديد من الدول العربية والإفريقية، وأثبتت أبحاثهم الزراعية في تلك الدول مدى كفاءتهم في مجال الزراعة، وبسط غزوهم للدول الإفريقية سيطرة كبيرة على مجال الزراعة في القارة السمراء، والسيطرة على سلة الغذاء بها، وهو ما أقلق امريكا وبريطانيا ودفعهم إلى العمل بكل قوة لإسناد هذه المهمة لإسرائيل، عن طريق الأممالمتحدة، وتم إسناد الأمن الغذائي والمائي لها؛ لمعرفتة تلك الدولتين خطورة سيطرة مصر على إفريقيا، وتابع: هل نطيح بعلمائنا وأبحاثهم الزراعية التي يمكن أن يتم تطبيقها على أرض الواقع بأقل الإمكانيات، ونحولهم لسلعة للعرض والطلب لأي دولة تريد الاستفادة من خبراتهم الزراعية؟! وأكد أستاذ العلوم بجامعة قناة السويس فشل المشروع قبل أن يبدأ؛ لاختلاف طبيعة الأرض الكورية والأرض المصرية، فهى بلاد باردة غزيرة الأمطار طوال العام على عكس بلادنا تمامًا، فمهما بلغت خبراتهم وعلومهم لن تتناسب مع طبيعة المناخ والأراضي المصرية، ورغم تاكدهم من تلك المعلومة إلَّا أنهم يغامرون بالتجربة التي لن يخسروا فيها أي شيء بل يتقاضون بالعملة الصعبة، وسيعمل المصريون مساعدين لهم بأسعار مختلفة، وفي النهاية نحن من سيجني ثمار الفشل والتعنت في الرأي غير المدروس، مطالبًا بتدخل كليات الزراعة ومعهد الأبحاث الزراعية لوقف ما أسماه بالمهزلة. وقال سمير بيومي، أستاذ الاقتصاد بجامعة قناة السويس: الجدوى الاقتصادية من المشروع لم تدرس بشكل جيد، حيث إن هناك عددًا من المشروعات التي تم اقتراحها من قبل فى هذه المنطقة ولها عائد وجدوى اقتصادية أكبر بكثير من مشروع لم ندرسه بالشكل المناسب اقتصاديًّا، ولنا مثل في مشروع توشكى، وبدلًا من استصلاح أراض جديدة علينا أولًا حل المشكلات في المشروعات الزراعية القديمة والمتعثرة، والتي تحل بمبالغ أقل بكثير من المبلغ المرصود لاستصلاح 300 ألف فدان على يد الكوريين بتكلفة 10 مليارات دولار. وتابع أن منخفض القطارة يبلغ 134 مترًا تحت سطح البحر ويمتد من الشرق للغرب في الصحراء الغربية بمرسى مطروح حتى منطقة العلمين، وقد حاول العديد من الخبراء استغلال هذا التفاوت في الارتفاع بمشروع جيد، كتحويل مجرى النيل إلى منخفض القطارة والاستفادة من المياه المهدرة في البحر المتوسط لتكوين بحيرة عذبة ضخمة تكون بمثابة مخزون مائي استراتيجي مصري، ثم مشروع شق مجري مائي بين البحر المتوسط ومنخفض القطارة لتحويله إلى بحيرة مالحة نستفيد منها في توليد الطاقة الكهربائية، بالإضافة إلى الاستفادة السياحية والاستزراع السمكي، وكلها مشروعات مفيدة وتكلفتها أقل بكثير من تكلفة المشروع المعلن عنه. وأكد أنها مشروعات أكثر جدوى ونفعًا بتكاليف أقل وعائد كبير، ويمكننا توجية باقي المبلغ لإزالة العقبات أمام المشروعات الضخمة المقامة بالفعل قبل التفكير في مشروعلت جديدة، مطالبًا بضرورة الاستعانة بخبرائنا في مجالات البحوث الزراعية، الذين تجاهلتهم الحكومات على مر الأجيال، وفتح الملفات لمشروعات منخفض القطارة واختيار المناسب منها لتنفيذه. وقال أحمد سميح، مهندس زراعي بالإدارة الزراعية برفح، إنهم يزرعون ويستصلحون الأراضي الصحراوية بأقل الإمكانيات، والاستعانة بمياه السيول والمياه الجوفية، ويعرفون جيدًا كيف يتعاملون مع التربة بدون كيماويات وهرمونات ونوعية النباتات التي تصلح للزراعة بها، والتي يمكن أن تختلف من مكان لآخر، حتى ولو كانت متجاورة ولا يفصلها شيء. وتابع أن هناك خبراء أجانب جاءوا إلى صحراء سيناء ليستفيد المزارعون والأهالي هناك من خبراتهم، لكن دائمًا ما يحدث العكس، حيث يستفيد الخبراء بل ويحترمون ثقافة وخبرات المزارعين هناك في كيفية تعاملهم مع أراضيهم واستصلاحها، مضيفًا: «كل أرض شعبها أدرى بها».