يومًا تلو الآخر تتسارع الأحداث والتطورات في شمال العراق وتحديدًا في إقليم كردستان، الذي يبعث برسائل عديدة في الآونة الأخيرة، بأنه على بعد شهور من تحديد مصيره والرغبة في الاستقلال عن العراق، ويظهر ذلك من تصريحات مسؤولي كردستان، وخاصة من ثقة رئيس الإقليم مسعود بارزاني، بأن هناك فرصة تاريخية لقيام أول دولة قومية للأكراد على جزء من الأراضي العراقية، في وقت تشهد فيه العراق انقسامًا في مكوناته ووضعًا أمنيًّا صعبًا على المستويات كافة. ويرى مراقبون أن التفسير الوحيد للتحركات السريعة لأكراد العراق وثقة الإقليم ورئيسه في نجاح الاستفتاء وتنظيمه، رغم الاعتراضات عليه من قوى إقليمية ومحلية، هو استناده لدعم خارجي قوي وتطمينات من قوى دولية كبرى، ولا يمكن تفسير ذلك بمعزل عن الولاياتالمتحدة، فرغم ما تظهره من غموض وبرود تجاه المساعي الكردية، إلَّا أن تلك الطريقة قد تكون مجرد تكتيك سياسي لا يعكس حقيقة الموقف الأمريكي تجاه القضية. هذا التكتيك ظهر أكثر في تأكيدات مستشار الرئيس الأمريكي لشؤون الشرق الأوسط في الحملة الانتخابية، وليد فارس، في تصريحات له لمواقع كردية، بأنه رغم أن أمريكا تدعم الحوار بين بغداد وأربيل إلَّا أنها ستدعم الاستفتاء وستقبل بنتائجه أي كانت، مضيفًا أن ترمب أكد في فترة حملته الانتخابية ضرورة دعم جميع الحلفاء، بالإضافة إلى عدم تهميش أي طرف، بشكل خاص الذين يحاربون داعش، وأشار إلى اسم الكورد بشكل خاص. وبعيدًا عن كل ذلك، لا يبدو من المنطقي أن يعطي الإقليم كل تلك الإشارات بالثقة في إحداث تغيير في خريطة الشرق الأوسط بمستوى إنشاء دولة جديدة، دون أن تكون قد حصلت على ضوء أخصر من القوى العالمية وخاصة الولاياتالمتحدةالأمريكية التي كانت أصلًا وراء رسم الخرائط الجديدة. البارزاني من ناحيته جدد التأكيد على عدم تنازله عن تنظيم الاستفتاء في موعده المحدد في الخامس والعشرين من سبتمبر المقبل، قائلًا في مقابلة مع وكالة رويترز، إن الجدول الزمني للاستقلال بعد الاستفتاء «مرن لكنه ليس بلا حدود»، متوقعًا التصويت ب«نعم» على الاستفتاء، موجهًا نقده للحكومة العراقية التي أكد أنها لم تلتزم باتفاق دستوري يسمح للأكراد بأن تكون لهم سلطات أكبر تحت مظلة دولة اتحادية بعد الغزو الذي قادته الولاياتالمتحدة وأطاح بصدام حسين عام 2003، وتابع: «لمدة 14 عامًا كنا ننتظر ونناقش هذه الشراكة، لكن دائمًا ما يتم إبلاغنا بأن الوقت ليس مناسبًا أو أن التوقيت غير مقبول وسؤالي: متى يكون الوقت مناسبًا؟». ويبدو أن الموقف الأمريكي غير المعلن مغاير لما تبديه الولاياتالمتحدة مع حلفائها المتضررين من هذا الاستفتاء، وعلى رأسها تركيا التي تواجه مساعي إنشاء دولة للأكراد باعتراض شديد، كما تقف إيران هي الأخرى في نفس الخط التركي وتطالب الإقليم بمراجعة قراره، وترفض هاتان الدولتان لأن القضية الكردية تشملهما بصفة خاصة، وتمتد خارطة كل منهما على أراض للأكراد ستكون مستقبلًا محل طمع قد تصل إلى المطالبة بإنشاء دولة كبرى تقتطع منهما أجزاءً يعيش عليها الأكراد الآن. وأعرب المرشد الأعلى للثورة الإيرانية علي خامنئي عن رفضه تنظيم استفتاء على استقلال كردستان العراق، وقال خامنئي لرئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي خلال لقاء جمعهما مؤخرًا: «إن الجمهورية الإسلامية الإيرانية تعارض الاستفتاء في العراق وتعتبر الساعين لهذا الأمر معارضين لاستقلال ووحدة العراق»، في إشارة إلى الأحزاب والشخصيات الكردية، وعلى رأسهم مسعود البارزاني، حاكم إقليم كردستان شمال العراق. وتبدو تركيا هي الأخرى صوتًا معارضًا قويًّا لإنشاء دولة للأكراد في الشرق الأوسط، حيث ستكون الأكثر تضررًا منها، لاسيما أنها فشلت على مدى تاريخها المعاصر في استيعاب أبناء القومية الكردية داخل مجتمعها وإقناعهم بالتعايش السلمي مع باقي أبنائه، كما أنها تخوض حربًا منذ عقود مع الأكراد، زاده تعقيدًا صعود الرئيس التركي الحالي رجب طيب أردوغان إلى الحكم. ورغم أن الإقليم يعتمد حكمًا ذاتيًّا منذ فترة إلَّا أنه يعول على الأوضاع الأمنية والسياسية التي تحدث بالمنطقة لتمرير ما يريده، فيما أثارت تلك التحركات جدلًا إقليميًّا واسعًا، على اعتبار أنها ستضر بوحدة الدول المحيطة، والتي تشهد استقرارًا نسبيًّا؛ كإيرانوتركيا. تضرر الدول الإقليمية يقابله غموض واسع من قِبَل القوى الدولية، خاصة الولاياتالمتحدة، التي لها دور واسع فيما حدث ويحدث بالعراق في السنوات الأخيرة، خاصة أنها غزت البلاد منذ نحو أربعة عشر عامًا، ولا تزال توابع هذا الغزو تؤثر في البلاد أمنيًّا وسياسيًّا واقتصاديًّا، إلَّا أن الغموض والصمت تجاه خطوات إقليم كردستان الداعية إلى الانفصال، يوضح ما وراءه من موقف حقيقي للولايات المتحدةالأمريكية.