بدا واضحًا في الأونة الأخيرة تحول مخيمات اللاجئيين السوريين في لبنان إلى قنابل موقوتة، بعد تحولها إلى بؤر من التوترات الأمنية، لا سيما بعد التفجيرات التي وقعت الجمعة في مخيمين بمنطقة عرسال على الحدود مع سوريا. وأقدم خمسة إرهابين ينتمون لجبهة فتح الشام (النصرة سابقًا) على تنفيذ عملية انتحارية خلال مداهمة أمنية نفذها الجيش اللبناني لمخيمين للاجئين السوريين، فيما ألقى متشدد سادس قنبلة يدوية على دورية، الأمر الذي عمق من الهواجس الأمنية في لبنان، وأعطى حُجة قوية لرافضي النزوح السوري للضغط على الدولة اللبنانية في هذا الاتجاه. شن الجيش اللبناني مؤخرًا عملية أمنية أطلق عليها «قض المضاجع»، تستهدف تطهير المخيمات من العناصر الإرهابية التي تختبئ فيها، حيث نفذ الجيش أكثر من مداهمة خلال الفترة الأخيرة، كان أبرزها على مخيمات النور، ورعد والقارية، إلا أن عناصر إرهابية تابعة لجبهة فتح الشام وتنظيم داعش اشتبكت مع الجيش اللبناني لفترة وجيزة، قبل أن يعمد عناصر منهم إلى تنفيذ عمليات انتحارية. وتحتوى منطقة عرسال اللبنانية الحدودية مع سوريا على الكثير من مخيمات اللاجئيين السوريين، والتي يقول مراقبون إن التنظيمات المتطرفة كجبهة النصرة وداعش تستخدمها لإقامة قواعد وإيواء لعناصرهم وخلاياهم، لإعادة تنظيمهم للدخول مرة أخرى في سوريا، أو لتنفيذ عمليات في الداخل اللبناني، كما ظهر من خلال التفجيرات الانتحارية التي واجهت بها التنظيمات الإرهابية قوات الجيش اللبناني أمس. وظهرت في الفترة الأخيرة حركات غريبة تجرى في المخيمات، تشير إلى احتمال أن تكون مصدر عمليات إرهابية في الداخل اللبناني، فثمة معلومات تؤكد أن مخيم القارية المتواجد في عرسال يتمركز فيه عناصر من تنظيم داعش الإرهابي، حيث أكدت قوات الجيش اللبناني أن معظم موقوفي مخيم القارية هم من إرهابيي داعش، ومن بينهم مسؤولون كبار في التنظيم المذكور، فيما تتخذ جبهة النصرة التي تعرف الآن بفتح الشام من مخيم النور مقرًّا لها. ويقول مقربون من الدولة اللبنانية إنه عندما توافرت معلومات لدى البعض بأن مخيم "النور والقارية" للاجئين أصبح تهديدًا حقيقيًّا للتحضير للقيام بعمليات إرهابية، تحركت قوة من الجيش اللبناني تحديدًا من فوج المجوقل في عملية استباقية منظمة، أدت إلى اعتقال 350 إرهابيًّا داخل المخيمين شرق عرسال، ورغم أن هذه العملية سلطت الضوء على الحرب الاستباقية التي يخوضها الجيش اللبناني، إلا انها أعادت طرح السؤال عن مشكلة مخيمات اللاجئين في المنطقة، والتي اتضح وفق مراقيون سياسيين متابعين في المنطقة، أن التنظيمين الإرهابيين يستخدمان المخيمين كقواعد ونقاط انطلاق نحو عرسال ومناطق لبنانية أخرى، وباتجاه الداخل السوري، لتنفيذ عمليات مسلحة. وأصبحت المخيمات السورية في لبنان عبئًا كبيرًا على كاهل الدولة ومؤسستها، لا سيما وأنها اصبحت بؤرة يتجمع فيها الإرهابيون، فعلى الرغم من كثرة المداهمات الأمنية للجيش اللبناني لاحتواء الوضع الأمني في المخيمات، إلا أنه بعد المداهمات في كل مرة يعيد التنظيمان (داعش والنصرة) تجميع عناصرهما، لدرجة أن جزءًا كبيرًا من المساعدات الدولية التي تقدم للاجئين يصادره التنظيمان لمصلحتهما، خصوصًا أن السيطرة لبنانية مباشرة على المخيمين اللذين يعدان من أكبر مخيمات اللاجئين المنتشرة عشوائيًّا في لبنان. وبحسب المراقبين فإن القادم في هذه المخيمات يوحي بوضع أمني أكثر صعوبة، يظهر فيه تصاعد الأعمال الإرهابية، لا سيما مع قرب القضاء على التنظيمات الإرهابية في سوريا والعراق وحصارها في ليبيا، الأمر الذي سيؤثر بلا شك على الخلايا النائمة للتنظيمين التي تشعر بالضيق وبضرورة فتح جبهات أمنية جديدة، تخفف الحصار الذي يشتد عليهما من إدلب إلى البادية السورية والغرب العراقي. وفيما يخص المفاوضات مع الجماعات الإسلامية، التي كانت وسيطًا في هذه المخيمات مع العناصر الأكثر تشددًا، أصبح التوافق عليها هو الآخر صعبًا، فبالإضافة إلى رفض المؤسسات اللبنانية إقامة مفاوضات مع تلك الجماعات، يمكن القول إن هذه المفاوضات لن تكون حاليًّا لمصلحة «النصرة» أو «داعش»، فبالنسبة إلى مقاتلي «داعش»، لا مكان متاح للخروج من جرود عرسال، وبالنسبة إلى «النصرة» التي تملك خيارًا محدودًا بإمكانية الخروج إلى إدلب، يبدو أن هذا الأمر لم يعد مشجعًا الآن، لا سيما بعد التفاهم الروسي التركي الإيراني على إبعاد «النصرة» من المحافظة السورية الشمالية.