دخلت فرنسا على خط الأزمة الخليجية، بعد فشل محاولات الوساطة الكويتية، للحلحلة، في خطوة يراها سياسيون أنها تهدف إلى تعزيز النفوذ الفرنسي في الشرق الأوسط على غرار الولاياتالمتحدة، أكثر من أنها تولي أهمية جدية لحل النزاع. وصل وزير الخارجية الفرنسي، جان إيف لودريان، إلى المملكة العربية السعودية أمس السبت، في محاولة لحلحلة الأزمة الخليجية، حيث أجرى عقب وصوله إلى مطار الملك عبد العزيز الدولي بجدة، مباحثات مع نظيره السعودي، عادل الجبير؛ لاستكمال المباحثات حول الأزمة، وقبلها بساعات، أجرى الوزير الفرنسي زيارة إلى قطر، في إطار جولة خليجية، تشمل قطر والسعودية والكويت والإمارات، وتهدف إلى تقريب وجهات النظر بين الجميع. لودريان في قطر أثناء وجود الوزير الفرنسي في الدوحة، شدد على ضرورة مواجهة تمويل الإرهاب، وإيجاد حل سريع للأزمة بين دول الخليج ورفع الإجراءات التي تنعكس على حياة المدنيين، وأكد خلال مؤتمر صحفي مع نظيره القطري، محمد بن عبد الرحمن آل ثاني في الدوحة، دعم باريس للوساطة الكويتية لحل الأزمة، وعبر لودريان عن قلق بلاده من التدهور السريع في العلاقات بين دول الخليج، مؤكدًا على ضرورة العمل بحزم لمكافحة الإرهاب، وأضاف أن قطر مستعدة للدخول في مباحثات مع جيرانها، لكن بشرط ألا تمس هذه المباحثات سيادتها الوطنية. وأعرب وزير الخارجية القطري، محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، عن ترحيب بلاده بالموقف الفرنسي الداعم للوساطة الكويتية، مشيرًا إلى بحثه مع نظيره الفرنسي جميع الإجراءات التي اتخذتها الدول المحاصرة وتمس كل المعاهدات الدولية وقواعد القانون الدولي، وأكد أن الهدف المشترك لجميع الدول هو مكافحة الإرهاب ومكافحة تمويله، مشيرًا إلى أن الإجراءات ضد بلاده تعطل مثل هذه الجهود. في السعودية وأشار بيان صادر عن السفارة الفرنسية في الرياض، إلى أن لودريان سيلتقي ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، بعد لقاء نظيره السعودي، عادل الجبير، في محاولة للتوصل إلى تهدئة سريعة للأزمة. وفي السياق، قال الجبير خلال مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره الفرنسي، إن الرياض ستقدم لباريس ملفًا كاملًا عن دعم قطر للإرهاب والتجاوزات التي ارتكبتها، وأكد على موقف المملكة الداعي لعدم دعم التطرف والإرهاب أو استضافة مطلوبين متهمين بالإرهاب، وأفاد بأنه ناقش مع الوزير الفرنسي الوضع في سوريا والعراق واليمن، بالإضافة إلى ملف الأزمة الخليجية مع قطر، مثمنًا موقف فرنسا إزاء قضايا المنطقة. ومن جهته، شدد وزير الخارجية الفرنسي على أهمية الالتزام بوقف تمويل الإرهاب وعدم دعمه، وأكد أن حل الأزمة القطرية يجب أن يتم بين دول الخليج، مشيرًا إلى أن باريس على اتصال مع الجهات المعنية بالأزمة في الخليج، وأنها تدعم الوساطة الكويتية وتريد لعب دورا داعما في ملف الأزمة لخفض التوتر ولإيجاد بيئة حوار مناسبة بين كل الأطراف. وأضاف الوزير الفرنسي أنه يأمل ألا تؤدي الإجراءات ضد قطر إلى التأثير على المدنيين، وتابع: نأمل أن نتعاون مع السعودية في تنفيذ رؤية 2030، مشيرًا إلى أن اللجنة المشتركة بين فرنسا والسعودية ستعقد قبل نهاية العام الجاري في باريس وتشمل المجالين السياسي والعسكري، وأعلن وزير الخارجية الفرنسي "اتفقنا مع ولي العهد السعودي على تفعيل اللجنة المشتركة بين باريسوالرياض". على غرار أمريكا وتأتي الجولة الفرنسية بعد أيام قليلة من جولة مماثلة لوزير الخارجية الأمريكي، ريكس تيلرسون، استغرقت أربعة أيام، زار خلالها السعودية والكويت وقطر مرتين، وأجرى مباحثات مع قادة هذه الدول، لكن يبدو أنها فشلت في حلحلة الأزمة الخليجية، حيث لا توجد أي مؤشرات نحو أفق لحل النزاع في المستقبل القريب، خاصة مع انقسام وتعارض الآراء داخل الإدارة الأمريكية نفسها، ووجود خلافات بين تيلرسون وترامب، بشأن طريقة التعاطي مع الأزمة الخليجية وهو ما يظهر في تصريحات الطرفين، وأكده مؤخرًا الرئيس الأمريكي بقوله: إن ريكس يقوم بعمل رائع، لكن لدينا معه اختلاف صغير من وجهة نظر اللهجة. تعزيز النفوذ يرى بعض المراقبين أن الجولة الفرنسية لا تهدف إلى حل الأزمة الخليجية بقدر ما أنها تهدف إلى تعزيز دور ونفوذ فرنسا في منطقة الشرق الأوسط، ما دفع القيادة الفرنسية إلى الدخول على خط جميع الأزمات تقريبًا، سواء الخليجية أو السورية أو حتى أزمة اتفاق المناخ مع أمريكا. فرنسا في عهد الرئيس إيمانويل ماكرون، تسعى إلى تعزيز نفوذها الدولي والانفتاح على العلاقات الدولية، خاصة في منطقة الشرق الأوسط، في محاولة للتزاحم مع أمريكا في سباق الهيمنة الذي تقوده الولاياتالمتحدة، ما يفسر النشاط الدبلوماسي الأخير للمسؤولين الفرنسيين سواء في أوروبا أو الشرق الأوسط، ومحاولات التقرب والتودد الفرنسي لإدارة البيت الأبيض، حيث دعي ترامب وحده من بين قادة العالم إلى حضور احتفالات يوم سقوط الباستيل في باريس قبل أيام، في محاولة منه لإعلاء أهمية فرنسا في المحافل الدولية مستقبلًا، وفي الوقت نفسه إثبات أن فرنسا ستلعب الدور الرئيسي والأكبر في العلاقات بين ضفتي الأطلسي وليست ألمانيا، مستغلًا في ذلك تدهور العلاقات الأمريكية الألمانية حاليًا. محاولات ماكرون وضع نفسه كزعيم فرنسي مع زعماء العالم النافذين لم يقتصر على طريقة تعامله مع ترامب فقط، بل انخرط سريعًا في تعزيز العلاقات مع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، أيضًا متخذًا من الأزمة السورية سبيلًا إلى ذلك، حيث طرح الرئيس الفرنسي مبادرة جديدة لتسوية النزاع في سوريا، يركز فيها على مكافحة الإرهاب والتفاوض حول الانتقال إلى النظام البرلماني بدلاً من النظام الرئاسي الحالي، مع ضمان مركزية الدولة السورية، وهو ما يؤدي إلى تقليص صلاحيات الرئيس الأسد دون اشتراط رحيله، كما تنص المبادرة وفق تقارير سياسية على دمج جميع الفصائل في الجيش السوري لمحاربة تنظيم داعش والنصرة، إضافة إلى الحفاظ على مؤسسات الدولة السورية وإصلاح قوانين الانتخابات والأحزاب.