تكتسب محافظة درعا السورية أهميتها من كونها منفذا جنوبيا لسوريا يطل على الأردن، حيث تواجد عسكري أمريكي شرع في التزايد مؤخرا بشكل تدريجي، بدأ منذ فشل وانهيار مشروع إسقاط الدولة السورية بيد داعش وجبهة النصرة في صدارته مضافةً إليهما باقي الفصائل الإرهابية، كما كانت درعا ولا تزل ميدانا قريبا لغرفة عمليات "الموك" الواقعة في الأردن، والتي تم توجيه عمل الإرهابيين في الجنوب السوري منها طوال سنوات الحرب السورية، وتديرها المخابرات الأمريكية بوضوح وبشكل معلَن بالشراكة مع النظام الأردني، أيضاً من درعا جائت أوائل الفبركات الإعلامية التي اتضح زيفها فيما بعد والتي ساهمت وقت ظهورها في تحول تحرك مطلبي عفوي لقطاعات من الشعب السوري إلى مشروع لإسقاط الدولة هناك، وخلال الأسبوعين الماضيين دخلت الدولة السورية في مفاوضات مع الطرف الأردني بخصوص وقف إطلاق النار في درعا استغرق ثمانِ وأربعين ساعة، بينما امتنعت ما يُطلق عليها "غرفة عمليات البنيان المرصوص" التي تضم الفصائل الإرهابية العاملة في المحافظة عن الإلتزام الكامل بالوقف رغم انخفاض مُعدل وحدّة القتال، وعلى جانبِ آخر أسقط الجيش السوري طائرتان أردنيتان بدون طيار فوق درعا بموازاة عملية التفاوض ومحاولات تحقيق مصالحات مع الفصائل، في إشارة إلى جهوزيته لتحقيق إرادته التي دفعته للتفاوض وهي إعادة سيطرة قوات حرس الحدود السورية على معبر نصيب الحدودي مع الأردن. في أعقاب الهدنة غير المستقرة تجددت الاشتباكات وكانت اللجنة الروسية التركية المشتركة للرقابة على الهدنة قد رصدت ما تم من خروقات لها من الفصائل المسلحة، مما يُعد خرقا في الأساس للاتفاق الأسبق المَعني بمناطق وقف التصعيد التي تُعَد درعا أحد مناطقه الأربعة مع إدلب والغوطة الشرقيةبدمشق وقطاع من شمال حمص، مع تجدد القتال قام الجيش العربي السوري بقصف كثيف لمواقع الفصائل الإرهابية في محيط معبر النصيب الذي يستهدف السيطرة عليه، وكانت الفصائل قد حشدت قواها حوله في محاولة لوقف التراجع المتسارع في موقفها الميداني العسكري، تراجُع تزامَن مع شروع القوى الضامنة لاتفاق مناطق وقف التصعيد في رسم تلك المناطق بالتحديد، ومع تركّز لسيطرة الجيش العربي السوري داخل درعا التي يشهد موقفه العسكري فيها تحسنا مستمرا منذ أشهر ومن قبل اتفاق مناطق خفض التصعيد، بشكل كفل امتداد ذراع السيطرة السوري ليقسم مساحة المحافظة طوليا وصولا إلى المعبر الحدودي الذي يقع في أقصى جنوبها. على أي حال أعاد الطيران السوري شن غاراته على مرتكزات الإرهابيين في مجمل المحافظة، بالتوازي مع اجتماع أمني عُقد الأربعاء الماضي في ريف درعا وضم قيادات أمنية سورية وممثلين عن الفصائل، في محاولة لتفعيل "سلاح المصالحة" التي برعت الإدارة السورية في استخدامه لتصفية أوضاع العديد من الفصائل التي طلما سيطرت على العديد من البلدات والقرى والمدن، والحقيقة أن المصالحات لطالما برزت إلى السطح خلال سنوات الحرب السورية في أعقاب موجات من الانتصارات السورية كنتيجة لها، وكتعبير عن عجز الفصائل على تنوعها عن حسم الموقف العسكري في عموم سوريا لصالحها، كذلك يمكن فهم طرح السوريين للمصالحة في إطار سعيهم العاجل للوصول إلى معبر نصيب الحدودي مع الأردن، مما سيفتح الباب لتأمين الدولة لعموم الجنوب السوري بما يتعرض له من تواجد عسكري واستخباري أمريكي، ورغبتهم في التركيز على المعارك الأصعب والأكثر مفصلية الدائرة في شرق حمص وجنوب دير الزور وجنوب الرقة، فضلا عن المكسب الوطني البديهي الذي ستمثله عودة اللاجئين السوريين في الأردن إلى وطنهم وهي سياسة سورية ثابتة منذ توالي انتصارات الدولة هناك. على الأرض، شرع الجيش السوري في مواصلة تقدمه معمّقا الفالق الذي يقسم مساحة سيطرة الفصائل مستعيدا قاعدة كتيبة الدفاع الجوي المتاخمة للحدود مع الأردن بدرعا، التي لم يلبث أن انسحب منها تحت ضغط قتالي مكثّف شهد تكتلا من كافة الفصائل بقيادة هيئة تحرير الشام – جبهة النصرة، إلا أنه تمكن بمساعدة القوة الجوية السورية وبتكثيفها من غاراتها على خط الحدود من الوصول إلى الحدود بريا، وقطع طريق الإمداد القادم للفصائل المسلحة من الأردن، وشهد أمس السبت تكثيفا قتاليا كبيرا من قبل الجيش السوري استخدم فيه الراجمات والمدفعية الثقيلة في مواجهة تمركزات المسلحين بالتوازي مع استمرار القصف الجوي والمروحي، فلم يزل أمام الجيش مهمة لم تُنجَز منذ أن احتلت الفصائل درعا وهي تحرير أحياء المنشية ودرعا البلد، اللذين تكفل السيطرة عليهما حسما أكبر للموقف العسكري في المحافظة بصرف النظر عن ريفها وخطها الحدودي مع الأردن، في الوقت الذي صرّحت فيه دمشق أنه ليس هناك اتصال حكومي رسمي مع الأردن لوضع ترتيبات معبر نصيب ومن المبكر الحديث عن هذه الاتصالات. وعن اتفاق مناطق وقف التصعيد وثيق الصلة بدرعا كغيرها من المناطق الأربعة، ذكر مصدر مقرب من مفاوضات التسوية السورية أن القائمين على رسم حدود مناطق وقف التصعيد في سوريا اتفقوا على الحدود التفصيلية لمنطقتين من أصل أربع، وأكد المتحدث الرسمي للرئاسة التركية أن محافظة إدلب ستكون مراقبة وقف التصعيد فيها تركية تحت إشراف روسي وعلى شكل قوات حفظ سلام، على أي حال تم تأجيل التصور النهائي والعملي لاتفاق وخطة وقف التصعيد إلى مفاوضات أستانة القادمة التي ستنعقد في الرابع من يوليو القادم، إلا أنه من الثابت أن منطقة دمشق في الاتفاق ستكون تحت مراقبة إيرانية وروسية، بينما يتراوح وضع درعا بين النفوذين الأمريكي والأردني من ناحية وبين إرادة الدولة السورية في تأمين منفذها الرئيسي من الجنوب من ناحية أخرى.