ينقسم شارع المعز لدين الله الفاطمي إلى قسمين، أحداهما يقع في المنطقة الممتدة من باب الفتوح وحتى شارع الأزهر وهو الجزء الذي تم ترميمه وتطويره وتحول لأحد أبرز معالم القاهرة السياحية ضمن حي الجمالية، أما الجزء الآخر وهو الممتد من شارع الأزهر وصولًا لباب زويلة أو بوابة "المتولي" المسمى الأكثر شيوعًا بين سكان الحي؛ فهو الجزء المهمل حيث يقع في نطاق منطقة الغورية ويقتظ الشارع بمئات المحال التجارية المتخصصة في الملابس والأقمشة. يقع مسجد المؤيد شيخ في الجزء المهمل من شارع المعز وتحديدًا بجوار باب زويلة، يتطلب دخول المسجد صعود سلم رخامي مكون من أحد عشرة درجة، وبمجرد عبور البوابة الضخمة للمسجد، يُوجد على اليسار باب خشبي كبير وخلفه يوجد مقام "المؤيد شيخ"، وعلى اليمين يوجد ممر متعرج طوله حوالي عشرة أمتار يفضي إلى ساحة المسجد الكبيرة، تنقسم الساحة إلى جزئيين أحدهما مسقوف وهو المخصص للصلاة، والآخر مفتوح على السماء وتتوسطه ميضأة دائرية كبيرة تم تشييدها على ثمانية أعمدة رخامية تأثرًا بالآية القرآنية "ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية". رحلة المؤيد السلطان أبي النصر المؤيد شيخ المحمودي أحد أشهرحكام مصر في العصر المملوكي، وُلد في وسط آسيا واختطف من أهله الجراكسة، وبيع في سوق الرقيق حتي استقر به المقام في مصر، تعلم أصول الفروسية وفنون القتال، وقد أعتقه السلطان "الظاهر برقوق" وعينه في الحرس السلطاني، لكن هذا الحال لم يدم طويلًا؛ ففي ظل الفتن والصراعات الكبيرة التي شهدتها فترة حكم المماليك، تم سجن المؤيد الشيخ، خلال فتنة "منطاش"، حيث نزل الأمير "منطاش" بجنوده من الشام إلى مصر كي يخلع السلطان برقوق، وفي بداية حملته نجح في فرض سيطرته والقبض على عشرات القادة من المماليك التابعين للسطان برقوق، كان من بينهم المؤيد شيخ، وهناك رواية أخرى تُشير إلى أن السبب في سجن المؤيد، هو تعرضه لوشاية من بعض منافسيه تتحدث عن محاولته للإنقلاب على السطان برقوق. سجن المؤيد شيخ في "خزانة شمائل" وتعرض لتعذيب نفسي وجسدي كبير، وبعد خروجه من السجن استطاع الوصول لحكم مصر، وخلال فترة حكمه واجه المؤيد العديد من التحديات من أبرزها مرض الطاعون وانخفاض منسوب النيل، وتروى عن المؤيد العديد من القصص المثيرة بعضها يشير لمواظبته على الخروج للصحراء للتضرع إلى الله، وقصص أخرى تتحدث عن مسيرات كان يقودها مع رجال الدين المسيحي واليهودي ومشايخ الملسمين من أجل الدعاء برفع هذا البلاء، وقصص تتحدث عن قتله لابنه إبراهيم بعد خوفه من قيامه بالإستيلاء على الحكم. ومن ضمن هذه القصص الغرائبية قصة بناء جامع ومدرسة "المؤيد" ففي عامه الثالث من الحكم بدء في بناء جامع كبير بجوار باب زويلة على أنقاض سجن خزانة شمائل، استغرق بناءه خمسة أعوام وتطلب كمية كبيرة من الحجارة والرخام، فما كان منه الا أن بعث برجاله يأخدون الرخام غصبًا من بيوت المصريين، وأخذت أيصًا بوابة جامع السلطان لتوضع كبوابة للجامع، وتم بناء مئذنتي الجامع على أطراف باب زويلة لنقص مواد البناء، وفي النهاية خرج المسجد كتحفه معمارية فريدة، ويقول عنه المقريزي "فهو الجامع لمحاسن البنيان، الشاهد بفخامة أركانه، وضخامة بنيانه أن منشئه سيد ملوك الزمان، يحتقر الناظر له عند مشاهدته عرش بلقيس وإيوان كسرى أنوشروان، ويستصغر من تأمل بديع أسطوانه الخورنق وقصر غمدان". هندسة الجامع يتكون الجامع والمدرسة من صحن أوسط تُحيط به 4 إيوانات أكبرها إيوان القبلة، ويتألف من ثلاثة أروقة، بينما تتألف الثلاثة إيوانات الأخرى من رواقين فقط، وله أربعة حدود، الحد الجنوبي الشرقي، يطل على شارع المعز لدين الله، وبه الواجهة الرئيسية والباب الرئيسي، والحد الشمالي الشرقي يطل على حارة الأشرفية، التي كانت تؤدي إلى باب الفرج. والحد الشمالي الغربي به الحمام والميضأة ومساكن طلبة المدرسة، فيما يطل الحد الجنوبي الغربي على شارع "تحت الربع"، والزاوية الجنوبية للجامع متداخلة مع البرج الغربي لباب زويلة الشهير. يتميز الجامع بصحن داخلي ضخم نصفه مسقوف وهو بجوار المحراب والمنبر ويقع أمام المنبر جزء منه مرتفع عن الأرض كان يقف عليه "المبلغ" وذلك للترديد وراء الإمام في الصلوات لكي يسمعه الناس على امتداد الجامع، ويتميز الجامع بقبة داخلية ضخمة يبلغ ارتفاعها تقريبا أربعون مترا، وكان للجامع " ثلاثة مآذن، اثنان فوق باب زويلة واللتان تشكلان الآن أبرز معالم البوابة، ومئذنة ثالثة مختلفة الشكل قرب المدخل الغربي ولكنها اختفت في القرن التاسع عشر، وتتميز بوابة جامع المؤيد بتصمميها الفريد وقد إنتزعت من جامع السلطان حسن، وقد كان في الجامع خزانة كتب كبير تحوي كتبًا في مختلف العلوم والفنون. تعرض جامع المؤيد خلال فترة حكم الدولة العثمانية، لهدم ثلاثة أروقة، ومؤخرا قامت وزارة الثقافة بترميم المسجد وإعداده للزيارة السياحية بتكلفة 12 مليون جنيه في إطار المشروع القومي لإنقاذ آثار القاهرة التاريخية وتضمن ترميم الأجزاء الأصلية خاصة إيوان القبلة والمداخل والقباب والمدرسة بالإضافة الي احياء العناصر المندثرة من المسجد وفي مقدمتها بناء الإيوانات الثلاثة المكملة للجامع. وتم افتتاحه بعد تجديده في يوليو 2007، ويعتبر جامع المؤيد من الجوامع المعلقة حيث بنى بإرتفاع كبير عن سطح الأرض، وكانت تستغل المساحة أسفل المسجد كحواصل يُنفق ريعها علي المسجد بالكامل. ورغم ترميم الجامع إلا أنه تعرض لإهمال كبير خلال السنوات الماضية، فالمحلات التجارية المقامة أسفله تتسبب في تشويه واجهته، وبوابته الشهيرة تعرض جزء منها للتلف، وساحة المسجد مهملة وتتراكم فيها الأتربة، وكذلك الجزء المخصص للصلاة يبدو مهجور وبلا أدني رعاية، ورغم كل ذلك تبقى تجربة زيارة مسجد المؤيد حالة فريدة وممتعة، كبوابة رئيسية للعبور لدولة المماليك والتعرف على طبقات من تاريخ القاهرة القديم.