كان الترقب سيد الموقف في الأيام التي سبقت إدلاء جيمس كومي، المدير المُقال من مكتب التحقيقات الفدرالي «إف بي أي»، بشهادته أمام أعضاء الكونجرس بشأن ما بات يعرف بقضية التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، ومازال الترقب قائمًا، صحيح أن كومي أوضح بعض الأمور، لكنه ترك بعض جوانب الأزمة دون إجابة حاسمة، في جميع الأحوال قد تمثل تلك الشهادة نقطة تحول تهدد مصير الوافد الجديد للبيت الأبيض دونالد ترامب، فلم يستند البعض إلى أسباب مقنعة في تسفيه شهادة كومي وعدم قدرتها على الإطاحة بترامب. شهادة كومي تبدأ المشكلة حين قرر الرئيس ترامب طرد مدير ال«إف بي أي» جيمس كومي بداية مايو الماضي، ويشك بعض الأمريكيين في أن عملية الطرد لم تكن إجرائية فقط بل شابها نوع من الانتقام، فكومي كان الرجل الذي يشرف على تحقيقيات الإف بي أي ودور موسكو في قرصنة المواقع الأمريكية، وهو المسؤول أيضًا عن التحقيقات بشأن علاقة مساعدي ترامب بالروس، وأدت تلك التحقيقات حتى الآن إلى طرد مدير حملة ترامب، بول مانافورت، واستقالة مستشار الرئيس الأمريكي للأمن القومي في البيت الأبيض الجنرال، مايكل فلين، ففي شهادة كومي بالأمس حول فلين قال «كان الجنرال فلين في موقف صعب، وكنا نحقق في علاقته وتصريحاته بشأن الروس، هذا كان تقييمنا، ولا يمكنني القول هنا إن المحادثات مع الرئيس ترامب كانت محاولة منه لمنع التحقيق، هذا أمر مقلق لكن ذلك من صميم عمل لجنة التحقيق». وأكد كومي أن ترامب طلب منه في إحدى المناسبات على انفراد وقف التحقيقيات في حق الجنرال فلين، وقال كومي، إنه دوّن تفاصيل لقاءاته التسعة كافة مع الرئيس الأمريكي الجديد. غير أن كومي امتنع على مدى ثلاث ساعات عن منح أي معلومات إضافية سرية، مفضلًا الإجابات في جلسات سرية مستقبلًا، وشدد مدير الأف بي أي سابقًا على مدى خطورة عملية قرصنة الروس، والتي راقبتها الأجهزة الأمنية الأمريكية بالقول: «هذه ليست قضية الحزب الجمهوري أو الديمقراطي، إنها قضية أمريكا، سيعود القراصنة لاستهداف أي حزب، إذ إنهم لا ولاء لهم وهم وراء مصالحهم فقط، لكن الروس سيعودون للقرصنة». ويعتبر بعض المراقبين الآن في واشنطن أن تلك التحقيقات لن تتوقف وستخنق الفترة الرئاسية الحالية، حيث يعتقدون أن الرئيس ترامب أمام سيل التحقيقيات سيكون رئيسًا ضعيفًا لن يتمكن من تطبيق برامجه وسياسته، هذا إن لم تؤد تلك التحقيقات إلى إزاحته من على رأس البيت الأبيض، وهو احتمال متداول في الأوساط السياسية الأمريكية، حتى وإن بدا للبعض أنه ذلك غير قابلٍ للحدوث، حيث وجَّه رئيس مجلس النواب الأميركي بول راين أمس انتقادًا نادرًا لحليفه ترامب؛ بسبب طلبه من كومي «الولاء»، وكان كومي قد قدم الأربعاء الماضي عريضة للجنة الاستخبارات في الكونغرس، في خطوة إجرائية سبقت الإدلاء بشهادته العلنية أمام اللجنة أمس الخميس. واختار راين تصديق ما ورد في عريضة كومي، وقال في مقابلة مع محطة «أم إس إن بي سي» الأربعاء: طلب الرئيس الولاء من كومي لم يكن لائقًا، مضيفًا: من المهم جدًّا أن يكون الإف بي آي ورئيسه مستقلين، ولا يخضعان لأي سلطة من البيت الأبيض. فيما يرى آخرون أن تلك الشهادة العلنية لا تحمل قيمة حقيقية، فكلام كومي كان أقرب للمرسل منه إلى التوثيق، فتصريحاته كانت من دون أدلة، وأكد محامي ترامب، مارك كاسويتز، أن شهادة كومي تصب في مصلحة الرئيس الأمريكي وتبرئه، مؤكدًا أن ترامب ليس هدفًا لتحقيقات في إمكانية تدخل روسيا في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، وأنه لم يطلب من كومي إيقاف التحقيق الذي يطال الجنرال فلين، وذهب محامي ترامب إلى أبعد من ذلك في محاولة لقلب الطاولة على كومي، حيث اعتبر كاسويتز أن المدير السابق للأإف بي أي مسرب لمعلومات سرية للحكومة الأمريكية بعد اعترافه بتقديم شهاداته للصحافة. وبالنسبة لطلب ترامب من كومي الولاء له، قال كاسويتز: «بالتأكيد يحق للرئيس توقع الولاء من العاملين في إدارته»، كلام محامي ترامب يتقف مع بعض محللي السياسة الأمريكية، كون شهادة كومي لن تأثر على الوضع السياسي لترامب، فخبير شؤون السياسية الأمريكية، هاردنغ لانغ، يقول: الأهم الآن هو أن هذه القرصنة لم تؤثر بعد على ديناميكية الحياة السياسية، ومازال الجمهوريون في أنحاء البلاد وفي الكونجرس يدعمون الرئيس، ولا يقلقهم أمر قرصنة روسيا». من جهتها اعتبرت قنوات إخبارية روسية أن تصريحات كومي حول التدخلات الروسية في الانتخابات الأمريكية محض خيال، وأنه عاطفي جدًّا خلال شهادته ليثير الرأي العام وهو لا يحمل أي دليل، وهو ما يتفق مع كلام سابق للرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، الذي وصف من خلاله تلك الاتهامات بالكذب والفبركات والخيال، وقال الرئيس الروسي، خلال لقاء مع الإعلام لدى افتتاح اللقاء السنوي لأوساط الأعمال الروسية: قد يظهر قراصنة في أي بلد كان، إن كانوا يتمتعون بحس وطني، فسيساهمون بما يفيد روسيا، مضيفًا: نحن لا ندعم هذا النوع من الأنشطة على مستوى الدولة، ولا نية لدينا في فعل ذلك مستقبلًا، بل على العكس، نحن نكافحه. ويرى البعض أن استجلاب ترامب صفقات بقيمة قاربت 500 مليار دولار من الجيب السعودي لصالح الشعب الأمريكي، بالإضافة لتبنيه سياسات تدعم الاقتصاد الأمريكي، كالانسحاب من اتفاقية المناخ، ومطالبته الدول الأوروبية لدفع حصصها للناتو، بالإضافة لتشدده فيما يتعلق بالمسألة الهجرة، قد تحسن موقف ترامب أمام الرأي العام الأمريكي، الأمر الذي قد يمهد الطريق أمامه لاستكمال فترته الرئاسية.