تشهد مدينة الحسيمة في المغرب تظاهرات واحتجاجات واسعة، تحولت في اليومين الماضين إلى اشتباكات وصدامات مع الشرطة، وذلك على خلفية مطالب فئوية واجتماعية ينادي بها المحتجون تشمل توفير فرص عمل لأهالي المدينة وتنمية المنطقة. والحسيمة هي مدينة ساحلية تقع في منتصف الشريط الساحلي المتوسطي المغربي، وهي من أهم حواضر منطقة الريف الكبرى وهي العاصمة الإدارية لإقليم الحسيمة ويبلغ عدد سكانها حوالي 400 ألف نسمة باحتساب المراكز الحضرية الناشئة المحيطة بها، ويعيش أغلبهم في ظروف معيشية صعبة. ومنذ أكتوبر الماضي، وتشهد الحسيمة الكثير من الاضطرابات والاحتجاجات بسبب وفاة بائع سمك سُحق داخل شاحنة قمامة أثناء محاولته استعادة أسماك صادرتها الشرطة منه، حيث خرج الآلاف من شباب المدينة حينها احتجاجا على الواقعة لكن الغضب سرعان ما تم احتوائه بعدما زار وزير الداخلية شخصيا المنطقة لتقديم واجب العزاء لذوي الراحل، وشدد على التزام الحكومة بمباشرة تحقيق قضائي دقيق، لتحديد ظروف وملابسات الحادث وتقديم الجناة للعدالة. لكن مع الوقت وخاصة بعد صدور محاكمات مخففة على المتهمين في مقتل بائع السمك، اتخذت المنطقة بعدًا اجتماعيا وسياسيا مع المطالبة بالتنمية والمساواة الاجتماعية، حيث أصدرت الغرفة الجنائية في محكمة الاستئناف بالحسيمة أحكاما برأت بعض المتهمين وأدانت آخرين، حكمت عليهم بعقوبات سجن تتراوح بين خمسة وثمانية أشهر وغرامات مالية بسيطة للغاية، ومع الصدمة التي وقعت على أهالي البلدة بمقتل بائع السمك، فإن الأحكام المخففة التي صدرت وكانت أقل بكثير من سقف ما كان منتظرا أحدثت صدمة أكبر لتتحول بعد ذلك إلى فيما يعرف بالحراك الريفي. وتزعم هذه الاحتجاجات شخص يدعى ناصر زفزافي، وعلى الرغم من أن هذه المظاهرات كانت إلى حد كبير سلمية وتحاول السلطات احتوائها، لكن في الفترة الأخيرة شهدت بعض الاحتكاكات لا سيما وصول الاحتجاج إلى ساحة المساجد، حيث قاطع زفزافي إمام إحدى المساجد أثناء إلقائه خطبة الجمعة، وهو ما أخذته الحكومة على المتظاهرين وزفزافي واعتبرت أن الاحتجاجات تثير الفتنة وسعت في الفترة الأخيرة للقبض على متزعم التظاهرات بتهمة تعطيله شعيرة دينية وهي جريمة تصل عقوبتها للسجن، لكنه يتوارى حاليا عن الأنظار منذ صدور مذكرة توقيف بحقه. وخلال يومي السبت والأحد وقعت صدامات قوية بين الشرطة والمتظاهرين في مدينة الحسيمة، وعلى وقع هتاف "يحيا الريف" و"كلنا زفزافي" حاولت مجموعات من عشرات الشباب التجمع في أزقة وسط المدينة غير أن عناصر الشرطة المنتشرين بكثافة في سائر أنحاء المدينة تدخلوا في الحال لتفريقهم بالهراوات، لكن شهدت مدن أخرى في الإقليم محاولات تظاهر مماثلة ولا سيما إمزورن، تصدت لها قوات الأمن بالقوة. وتتهم السلطات المغربية المحتجين بأنهم يتلقون تمويلا ودعما لوجستيا للقيام بالتظاهرات حيث قال النائب العام بمدينة الحسيمة إن السلطات المغربية اعتقلت 20 شخصا عقب وقوع اشتباكات عنيفة بين الشرطة ومحتجين في المدينة مساء الجمعة، مؤكدًا أن اعتقال هؤلاء الأشخاص جرى بسبب تهديدهم الأمن العام في المغرب، مضيفًا أن التحقيقات أثبتت حصول هؤلاء الأشخاص على تحويلات مالية ودعم لوجستي للقيام بأنشطة دعائية لتقويض وحدة أراضي المغرب ولتقويض ولاء المواطنين للدولة المغربية ومؤسساتها. لكن ينفي النشطاء في المدينة مزاعم السلطات ويؤكدون أنهم لهم مطالب حقوقية واقتصادية واجتماعية خالصة، خاصة فيما يتعلق بما تعرفه المنطقة من نسب بطالة مرتفعة، حيث يعاني أغلب الشباب الذين لا تتعدى أعمارهم أربعين سنة من البطالة بسبب انقطاعهم عن الدراسة أو أن الظروف لم تسعفهم في الحصول على شغل ثابت. وعلى الرغم من تدشين الملك المغربي محمد السادس بعض المشاريع المهيكلة في البنية التحتية والمدارس وقطاع الخدمات، لكن يشير المراقبون إلى أن المنطقة تفتقر إلى الرواج الاقتصادي الذي تعززه مشاريع تنموية منتجة تفرز فرص عمل، كما تفتقر المنطقة إلى مقومات الخدمات الاجتماعية الأساسية، ومع أن المنطقة تتميز بموقع يمنحها فرص في القطاع السياحي لأنها ساحلية إلا أن طبيعة الموقع الجيلية تؤدي إلى صعوبة انسيابية التنقل فيه وهو ما يؤثر على صناعة السياحة.