"نحن أبناء الهامش، منه خرجنا، ومنه سنظل نخرج.. مستمرون في النشر عبر كافة المنصات المتاحة إلى جانب موقعنا الإلكتروني أيضًا، انتظروا صحافتنا كالمعتاد".. هكذا جاء تعليق إدارة موقع مدى مصر، مصحوبة بصورة كاريكاتورية ساخرة لمسؤول يرتدي بزة سوداء ويمسك في يديه مفتاحًا يسعى جاهدًا نحو إغلاق باب خشبي منصوبًا في قلب الصحراء والسماوات المفتوحة وسط علامات من التعجب. وجاء رد «مدى مصر» بعد ساعات من قرار الحكومة المفاجئ بحجب الموقع وحظر الدخول عليه في مصر ضمن 21 موقعًا مصريًا وعربيًا تم حجبهم أمس الأربعاء، تحت دعاوى نشر الأكاذيب، ودعم الإرهاب والتطرف والعنف والتحريض والترويج لجماعة الإخوان المسلمين. ويأتي على رأس المواقع الإلكترونية التي تم إغلاقها حتى إشعار آخر: "وكالة الأنباء القطرية، الجزيرة نت، وصحيفتي الوطن والعرب القطرية، وموقع جريدة المصريون، التي تصدر بترخيص مصري، وموقع بوابة القاهرة، وهافينجتون بوست عربي، وجريدة الشعب، والحرية بوست، وحماس أون لاين، ورصد، وإخوان أون لاين، والعربي الجديد، وعربي 21، ومدى مصر، وقناة الشرق وحسم ومكملين". موجة انتهاكات تزامن قرار السلطات المصرية بحجب 21 موقعًا إلكترونيًا مع ما اتخذته السعودية والإماراتية أمس من إغلاق الدخول إلى كافة المواقع الإعلامية القطرية التي تدعم "الإرهاب"، بحسب تعبيرهم، على خلفية تصريحات أمير قطر المناهضة لسياسات دول الخليج، برغم نفيها رسميا. التعليمات الأمنية المصرية الصادرة بحجب تلك المواقع، تأتي ضمن موجة عاتية من الانتهاكات والتجاوزات الممارسة ضد حرية الصحافة التي تجاوزت ال 78 انتهاكًا لحرية التعبير، حسبما أوردت مؤسسة حرية الفكر والتعبير في تقريرها ربع السنوي الصادر قبل أيام، وسط توقعات بحملة أكبر خلال الأيام المقبلة على مواقع التواصل الاجتماعي. وتصدرت وسائل الإعلام والمنصات الصحفية، بحسب التقرير الحقوقي، رأس قائمة المتعرضين للقمع ب56 انتهاكًا، تلاها حرية الإبداع ب11 انتهاكًا، بينما بلغ عدد الانتهاكات لحقوق وحريات الطلاب 6 حالات، أما حرية التعبير "الرقمي"، فجاء في نهاية القائمة ب 5 انتهاكات بحقّ ممارسيه. الحجب استبداد "الحجب استبداد وخوف وعودة للديكتاتورية والدولة البوليسية".. هذا ما أعلنه عدد كبير من الشخصيات الإعلامية والسياسية البارزة المتضامنة مع المواقع المحجوبة، التي دعت إلى مناقشات جادة حول سياسة الحجب المستمرة وتنظيم وقفات احتجاجية ضد محاولات إسكات الصحفيين وتكميم الأفواه ومصادرة الحق في التعبير، ما يهدد حرية المواطنين في المعرفة، للدفاع عن حرية الصحافة وحق المجتمع في صحافة حرة قبل حقوق الزمالة، مؤكدين: "لن تقبل بكتم صوتكم، فالصحافة ليست جريمة". وأدانت منظمات حقوقية عديدة ما أقدمت عليه الحكومة من حجب 21 موقع الكتروني مساء أمس، وهي اتهامات يصفونها بأن في ظاهرها الرحمة "مواجهة التطرف ومكافحة الإرهاب"، وفي باطنها العذاب والتغطية على عداء النظام الحاكم لحرية الصحافة والتعبير وملاحقته للمخالفين في الرأي. القمع دون حكم قضائي وأدان بيان صادر عن الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان ما حدث، ووصف مصر ب"سجن كبير"، جاء فيه: "أمسينا في سجن تزداد أسواره ارتفاعا يوما بعد يوم، فبعد قانون منع التظاهر، وملاحقة منظمات المجتمع المدني والمدافعين عن حقوق الإنسان، وحبس النشطاء السياسيين ونشطاء مواقع التواصل الاجتماعي، فوجئنا بقرار حجب 21 موقع إخباري دون حكم قضائي أو سابق إنذار من أي جهة قضائية أو حتى إدارية، الأمر الذي يعمل على ترسيخ دعائم حكم الفرد". ومن جانبه، أعلن المحامي الحقوقي جمال عيد، مدير الشبكة العربية لحقوق الإنسان، رفضه "الانتهاك الصارخ لحرية الصحافة"، بحسب وصفه، منتقدًا بسخرية غلق المنابر الإعلامية في عصر السماوات المفتوحة ووسائل التواصل الاجتماعي، قائلًا: "حجب المواقع سنة 2017، بتفكير وطريقة الستينات". وأضاف عيد ل"البديل" أن هذا الإجراء الأمني يعد الأول من نوعه، وهي خطوة لم يفعلها نظام مبارك سوى ساعات معدودة خلال أحداث ثورة 25 يناير 2011، مطالبًا السلطات المصرية بالتراجع عن قرار حجب المواقع والالتزام بالتعهدات الدولية الخاصة باحترام حرية الرأي والتعبير والتوقف عن ملاحقة المعارضين السياسيين وأصحاب الرأي. وتلجأ السلطة إلى سياسة حجب المواقع الإخبارية وقرارات حظر النشر، بحسب عيد؛ للحيلولة دون نشر أخبار الانتهاكات القانونية والحقوقية، حيث سبق أن حجبت العديد من المواقع التي تراقب العملية الانتخابية في يوم التصويت في الانتخابات البرلمانية في شهر نوفمبر 2010، وقطعت الاتصالات بشكل عام عن مصر يوم 28 يناير من عام 2011 بالتزامن مع تصاعد الاحتجاجات خلال ثورة يناير. نقيب الصحفيين يرحب بالقرار في المقابل، أعلن نقيب الصحفيين، عبد المحسن سلامة، تأييده لقرار حجب المواقع التي يصفها ب"الداعمة للإرهاب" لأنها بحسب تعبيره، تهدد الأمن القومي للبلاد وتنشر أخبارًا كاذبة دون تحري أو مصداقية كاملة. بأمر القضاء.. الحجب مرفوض خلال عام 2007، أصدرت محكمة القضاء الإداري حكمًا في الدعوى رقم 15575 لسنة 61 ق برفض ومنع حجب المواقع من الجهة الإدارية. وجاء في نص الحكم الصادر بتاريخ 29 ديسمبر 2007 أن حجب موقع بالصحافة الإلكترونية من ذات جنس حظر صحيفة مكتوبة، ما يعد بمثابة قيد على حرية التعبير وهو أمر محظور دستوريًا وتأخذ المحكمة في الاعتبار وبخصوص الحالة الماثلة أن المخالفات التي يأخذها المدعي على بعض المواقع بأنها تسببت في التعرض له بالإهانة، فإن ذلك يسوغ له ملاحقة مرتكبيها جنائيًا ومدنيًا، إلا أنها لا تبرر حجب هذه المواقع بالكامل لما تحتويه المواقع كما هو معلوم من آلاف المعلومات الأخرى التي يستفيد منها كل من يسعى إلى المعرفة ومن ثم يطولها عقاب الجهة الإدارية في حالة حجبها الموقع. فوضى إعلامية في سياق متصل، مازالت بعض القنوات والمنابر الإعلامية الأخرى تبث برامجها التي يتسم مضمونها بالفوضى ويحرض محتواها وإعلاميوها على العنف ضد أشخاص بعينهم على مدار اليوم دون أي تحذيرات أو تقارير لتقييم ورصد ودراسة وتحليل الأداء الإعلامي من قبل أعضاء الهيئة الوطنية للإعلام. "حرية معوجة".. هذا ما وصف به الدكتور صفوت العالم، أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة ورئيس لجنة رصد وتقييم الأداء الإعلامي السابق، حال القنوات والمنابر الإعلامية "الملاكي"، التي أحدثت فوضى عارمة في المشهد الإعلامي منذ ثورة 25 يناير 2011 حتى الآن، دون أن يقل لهم أحد بأن ما يفعلونه شيئًا مخجلًا وعارًا على الإعلام، على حد قوله. وأضاف العالم ل"البديل": هذه المرحلة التي تمر بها البلاد، مرحلة طوارئ، وملامح التقييد على حرية الرأي بارزة بصورة كبيرة للدخول في مرحلة اتجاه إعلامي أحادي الجانب وعصر الصوت الواحد في ظل أعضاء هيئة وطنية للإعلام أمضوا عقودًا من الزمن في خدمة النظام على حساب المهنية، ومن ثم لابد أن يشعر الجميع أن هناك صوتًا أكثر استقلالية ومهنية لمجالس تنظيم الإعلام في مصر حتى لا تتحول إلى مجرد كيانات وهمية. وطالب العالم، المجالس العليا والهيئات الوطنية للإعلام التي تم تشكيلها منذ أسابيع بالخروج بعيدًا عن مقراتهم ومكاتبهم وأن يكون لهم دور في تقنين الممارسات المهنية في مجال الإعلام لمواجهة حالة الفوضى الإعلامية الجارية، بالإضافة إلى الدفاع المستميت عن حرية الإعلام.