من أوروبا إلى اليابان مرورا بالولاياتالمتحدة، الطاقة النووية تتراجع، والحكومات تتحرك نحو مصادر الطاقة المتجددة، والشركات النووية الرئيسية تواجه مشاكل مالية. فهل دخلت صناعة الطاقة النووية مرحلة الاحتضار؟ حتى بعض المتحمسين النوويين يعتقدون ذلك. محطات الطاقة النووية القائمة في جميع أنحاء الولاياتالمتحدة يجرى إغلاقها في وقت مبكر؛ وتصاميم المفاعلات الجديدة لا تستوفي القوانين المنظمة، ولا يزال الدعم العام في سقوط حر. في ضربة مذهلة لصناعة عالمية كان يتنبأ لها بمستقبل زاهر في سبعينيات القرن الماضي،تواجه الشركة الأمريكية النووية الرائدة، ويستنجهاوس – التي مقرها بيتسبرغ والتي لعدة عقود كانت أكبر مزود في العالم للتكنولوجيا النووية – احتمالية الإفلاس بعد تعرضها لمشاكل مالية كبيرة، حيث طلبت الشركة في أواخر مارس الماضي الحماية القضائية من الدائنين مع محاولتها احتواء خسائرها. ونتيجة لذلك، فإن شركتها الأم توشيبا اليابانية العملاقة في مجال الهندسة النووية، تعاني أيضا من أزمة مالية خطيرة تهدد قدرتها على الاستمرار. وفى الوقت نفسه، شركة كهرباء فرنسا المملوكة للدولة، وهى أكبر شركة بناء ومشغل لمحطات الطاقة النووية في أوروبا، تعانى من الديون بسبب إخفاقاتها التقنية. كما يمكن أن تصبح ضحية للسياسات الاقتصادية وسياسات الطاقة للرئيس الفرنسي الجديد، إيمانويل ماكرون. وتمثل هذه الشركات الثلاث أكثر من نصف مجموع حصة توليد الطاقة النووية في جميع أنحاء العالم. يقول مايكل شالنبرجر، رئيس منظمة Environmental" Progress" ، منظمة غير حكومية بحثية مؤيدة للطاقة النووية، إن "إفلاسهم الذي يلوح في الأفق أحدث سلسلة من ردود الفعل تهدد بقاء الطاقة النووية في الغرب". ومن جانبه، يقول تيد نوردهاوس من معهد "Breakthrough"، مركز بحثي اقتصادي مقره كاليفورنيا يدافع عن الطاقة النووية، "إن الصناعة النووية كما نعرفها تقترب من نهايتها". هل يمكن أن يكون هذا صحيحا؟ لا تزال الولاياتالمتحدة أكبر منتج للطاقة النووية في العالم، حيث تمتلك نحو 100 مفاعل تجاري. وفي الآونة الأخيرة، كانت هناك نهضة متعثرة من أجل بناء أربعة مفاعلات جديدة في جورجيا وولاية ساوث كارولينا بواسطة ويستنجهاوس. ولكن تلك المفاعلات اصطدمت بتأخيرات متعلقة باللوائح التنظيمية ومشاكل تقنية أدت إلى تجاوز التكاليف المقررة بما يقدر بنحو 13 مليار دولار. ومع دخول شركة ويستنجهاوس في انهيار مالي، فمن غير الواضح الآن أنه سيتم الانتهاء منهم في أي فترة قادمة. وفي الوقت نفسه، تم إغلاق 14 مفاعلا نوويا في الولاياتالمتحدة منذ عام 2012لعدم القدرة على التنافس على نحو متزايد مع الغاز الرخيص أو مع طاقة الرياح والطاقة الشمسية. هذا ليس اتجاه على المدى القصير. فبينما تقل تكلفة الغاز والطاقة المتجددة، فإن تكلفة الطاقة النووية ترتفع. ويعود ذلك في جزء كبير منه إلى المخاوف المتعلقة بالسلامة المرتبطة بكوارث المفاعلات السابقة مثل تشيرنوبيل وفوكوشيما وإلى المخاوف الأمنية بعد 11 سبتمبر. جاء الانهيار المالي لشركة ويستنجهاوس الأمريكية جزئيا بسبب أن تصميم أحدث مفاعلاتها " AP1000" لم يستوفي معايير اللجنة التنظيمية النووية الأمريكية للأمان والسلامة. كارثة فوكوشيما اليابانية: لقد كان لتداعيات الانهيار في محطة فوكوشيما النووية اليابانية بعد تسونامي عام 2011 تأثير شديد عالميا فيما يتعلق بالأمان النووي. بعد الحادث، أوقفت اليابان – التي كانت تعتمد في ذلك الوقت على الطاقة النووية لإنتاج 30 % من الكهرباء – جميع مفاعلاتها النووية العاملة ال 48 لإجراء فحوصات السلامة. وبعد مرور ست سنوات، لم يعد إلى العمل سوى خمسة فقط. وفي أجزاء كثيرة من البلاد، يرفض السياسيون المحليون السماح باستئناف عملهم. ألمانيا: كانت كارثة مفاعل فوكوشيما نقطة تحول في النقاش النووي الألماني الطويل الأمد والمرير. اقنع هذا الحادث المستشارة أنجيلا ميركل، التي كانت مؤيدة في السابق للطاقة النووية، بالتمهل. وفي غضون أسابيع من وقوع الحادث، حددت موعد نهائي عام 2022 لإغلاق جميع المفاعلات في البلاد، والتي كانت في ذلك الوقت تنتج 22 % من الكهرباء الألمانية. وقد تأكد العزم النهائي في قرار ألمانيا عندما أعلنت الشركات الهندسية العملاقة مثل شركة سيمنز عن خروجها من أعمال بناء المفاعلات النووية. فرنسا: كانت فرنسا منذ فترة طويلة الدولة النووية الأكثر حماسا في أوروبا. ولكن هي أيضا أصبحت ذات قدمين باردتين في هذا المجال. في أعقاب فوكوشيما، التزم الرئيس فرانسوا هولاند بخفض حصة الطاقة النووية من 75٪ إلى 50٪ بحلول عام 2025، مع سد الفجوة بالطاقة المتجددة. وقبل انتصاره الانتخابي هذا الشهر، تعهد ماكرون بالالتزام بتلك الخطة. في الوقت الحالي يتحول الاهتمام، كما هو الحال في ألمانيا، إلى تكلفة إيقاف تشغيل محطات توليد الطاقة التي من المحتمل أن تخرج عن الخط بحلول عام 2025. في فبراير، رفض تقرير برلماني فرنسي ادعاء شركة "إدف" بأنه يمكن القيام بذلك مقابل 370 مليون دولار لكل مفاعل، حيث أن هذا كان نحو ثلث التقديرات التي أدلى بها مشغلي محطات مماثلة في الولاياتالمتحدةوألمانيا. بريطانيا: آخر تحمس صامد للطاقة النووية في الغرب هو بريطانيا، حيث يريد الوزراء إنشاء ما يصل إلى عشر محطات نووية جديدة. لكن رياح الصناعة العالمية تجعل من الصعب العثور على أي جهة تتولى البناء. لم يعد هناك بناة محليون، وقد تقاعد جيل من العلماء والمهندسين النوويين البريطانيين. لذلك تسعى بريطانيا لاستقدام بناة أجانب. لكن خطط بريطانيا للتعاقد مع توشيبا اليابانية لبناء مجمع ضخم من ثلاثة مفاعلات في شمال غرب انجلترا تبدو محكوم عليها بالفشل بسبب الأزمة المالية للشركة. وطلبت الحكومة مؤخرا من شركة كيبكو النووية العملاقة في كوريا الجنوبية تولي المشروع، ربما باستخدام التصميم الخاص بها APR1400. آسيا.. رغبة الهيمنة في مواجهة رياح معاكسة: أيضا من الدول الحريصة على اقتحام سوق محطات الطاقة النووية هي شركة "الصين العامة النووية"، وهي شركة مملوكة للدولة. في نهاية العام الماضي، قالت الوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة، إن آسيا أصبحت محركا للتنمية النووية العالمية. وقد تكون علامة على العصر الذي كانت فيه بريطانيا التي افتتحت قبل 61 عاما أول محطة للطاقة النووية المدنية في العالم، قد لا تملك قريبا أي طاقة نووية أو ستعتمد بشكل كبير على المصنعين الكوريين والصينيين. كوريا الجنوبية لديها 25 مفاعلا عاملا يولد الطاقة. وتقوم الصين ببناء مفاعلات جديدة بمعدل 8 مفاعلات سنويا. وتتطلع كلا البلدين بشكل متزايد إلى فرص التصدير الناجمة عن انهيار النظام القديم في الولاياتالمتحدةوفرنساواليابان. لكن هذه الرغبة لغزو السوق النووي لا تزال غير متوفرة. فهذه الشركات النووية تعمل في مواجهة الرياح السياسية المعاكسة التي تهب من جميع أنحاء بحر اليابان. القلق من مخاوف الجمهور بعد فوكوشيما جعل رئيس كوريا الجنوبية المنتخب حديثا مون جاي يدعو خلال حملته الانتخابية إلى التحول في الطاقة في البلاد من النووية إلى مصادر الطاقة المتجددة. كما أن معظم البيئيين معارضون للصناعة النووية بسبب بواعث قلق كبيرة أهمها هو ضعف سجل السلامة. وهناك آخرون يرفضونها بسبب الروابط التكنولوجية التي لا مفر منها بينها وبين إنتاج الأسلحة النووية. كذلك هناك العديد من المشاكل النووية التي لم تحل بعد كالتخلص من النفايات وإيقاف التشغيل عند الحاجة؛ كما أنهم يروون الطاقة النووية باعتبارها منافسا للاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة، التي تعتبر اختيارهم المفضل لمستقبل منخفض الكربون، لذلك هم سيكونوا سعداء برؤية الطاقة النووية تذهب إلى مزبلة التاريخ. ولكن ليس جميعهم يأخذون نفس الخط. تحدث جون فينيجان، ممثل صندوق الدفاع البيئي، مؤخرا عن لماذا نحن مازلنا بحاجة إلى محطات الطاقة النووية الأمريكية على الأقل في الوقت الراهن، مشيرا إلى أن الطاقة النووية يجب أن تظل مصدرا حيويا للطاقة في الولاياتالمتحدة، خاصة عندما يكون الإغلاق المبكر لمحطة نووية من شأنه أن يعزز حرق الغاز الطبيعي. ودعا إلى تأجيل مواعيد تقاعد المحطات النووية إلى أن يحل محلها مصادر الطاقة المتجددة. وجادل البعض أن الطاقة النووية ستكون نسخة احتياطية جيدة ويعتمد عليها في فترات تقطع الطاقة المتجددة. ورغم الإقرار بضرورة إيجاد مصدر احتياطي للطاقة، فإن هذا أقرب إلى الخطأ، كما يقول يوخن فلاسبارث، رئيس الهيئة الاتحادية للبيئة في ألمانيا، لأن المصدر الاحتياطي يحتاج إلى أن يتسم بالقدرة على تشغيله أو إيقافه في وقت قصير. لكن لا يمكن أبدا فعل ذلك مع المحطات النووية. المقال من المصدر: اضغط هنا