تتصاعد التوترات السياسية والدبلوماسية بين تركياوألمانيا التي طالما انتقدت سياسات أنقرة خاصة بعد إجراء الاستفتاء على التعديل الدستوري الذي يعزز صلاحيات الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، حيث تصاعدت المناوشات الكلامية بين الطرفين، ما يمكن أن تهدد مستقبل التواجد الألماني العسكري في تركيا. منعت أنقرة نوابًا ألمان من زيارة قاعدة "إنجرليك" التابعة لحلف شمال الأطلسي في تركيا، والواقعة في جنوب البلاد بمدينة "أضنة"، والتي تستخدم في عمليات التحالف الدولي بقيادة أمريكا ضد تنظيم داعش في سوريا، حيث رفضت السلطات التركية إعطاء وفد يضم رئيس لجنة الدفاع في البرلمان الألماني، فولفغانغ هيلميش، وأعضاء اللجنة، إذنًا لزيارة القاعدة أمس الثلاثاء، حيث تنشر ألمانيا حوالي 250 عسكريًا في القاعدة التي تنطلق منها طائراتها من طراز "تورنيدو" في مهمات استطلاع فوق سوريا أو لتقديم الإمداد لطائرات الدول المشاركة في التحالف ضد تنظيم داعش. بررت وزارة الخارجية التركية قرار منع زيارة البرلمانيين الألمان إلى قاعدة إنجرليك الجوية، بأن "الزيارات في المرحلة الراهنة غير ملائمة"، الأمر الذي لاقى ضجة وتنديدًا واسعًا من برلين، حيث حذرت لأول مرة صراحة من أنها قد تسحب قواتها لنشرها في مكان آخر، ووصفت وزارة الخارجية الألمانية منع تركيا النواب من زيارة قاعدة انجرليك ب"غير المقبول"، وقال الناطق باسم الخارجية الألمانية، مارتن شايفر، إن غضب أنقرة قد يكون سببه قرارات فردية من سلطات ألمانية مستقلة وعلى صلة بأفراد الجيش التركي. واعتبرت المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، أن الموقف التركي مؤسف، وأن ألمانيا ستستمر في مناقشة الأمر لحل المسألة، إلا أنها ستبحث عن بدائل لقاعدة انجرليك في هذه الأثناء، في إشارة إلى الأردن، وأكدت ميركل: من الضروري بشكل مطلق أن يتمكن النواب من زيارة جنودنا، بما أن مهمات الجيش الألماني دائمًا تتطلب تفويضًا برلمانيًا. وأشار المتحدث باسم وزارة الدفاع الألمانية، إلى أن الأردن قدم أفضل ظروف بعدما كانت برلين درست احتمال نقلهم إلى الكويت أو قبرص كبدائل عقب منع أنقرة النواب الألمان من إجراء زيارات من هذا النوع لعدة أشهر العام الماضي، ولكن المتحدث حذر من أن أي عملية انسحاب ستتطلب نقل مئات حاويات العتاد ما قد يطول لعدة أشهر. فيما دعا وزير الخارجية الألماني، زيغمار جابريل، تركيا إلى التنازل في الخلاف حول حظر زيارة نواب من البرلمان الألماني للقوات الألمانية، قائلا: ليس بوسعي سوى أن آمل أن تغير الحكومة التركية رأيها خلال الأيام المقبلة، وإلا لن يسمح البرلمان الألماني بالتأكيد بتواجد الجنود في تركيا، وذكر جابريل أنه عندما يُسجن مواطنون ألمان بصورة متكررة في تركيا لاتهامات لا يمكن تفهمها، ولا يُسمح لمواطنين ألمان بمغادرة تركيا، ويتم الآن ابتزاز البرلمان الألماني، فإن القدرة على التحمل تبلغ بذلك حدها الأقصى. الجدير بالذكر أن هذه ليست المرة الأولى التي تمنع فيها تركيا نوابًا ألمان من زيارة قواتهم في قاعدة إنجرليك، ففي يوليو عام 2016، ألغى وزير الدولة للدفاع ونواب ألمان زيارة إلى تركيا بعد أن رفضتها أنقرة بسبب التوتر بين الجانبين بعد اعتراف البرلمان الألماني في يونيو من نفس العام بإبادة الأرمن على يد الدولة العثمانية منذ قرن مضى، الأمر الذي أثار غضب تركيا وتوعد الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، حينها بالرد، وفي نوفمبر الماضي صادق البرلمان الألماني على تمديد تواجد قواته في القاعدة التركية إلى ديسمبر من العام الجاري. يبدو أن الخطوة التركية الأخيرة جاءت للرد أيضًا على خطوات اتخذتها برلين مؤخرًا واعتبرتها أنقرة استفزازية ومرفوضة، وعلى رأسها منح عسكريين أتراك تتهمهم السلطات التركية بالتورط في الانقلاب الفاشل الذي وقع في يوليو الماضي، حق اللجوء السياسي في ألمانيا، حيث قدم ما يقرب من 414 شخصًا من الدبلوماسيين والعسكريين وعائلاتهم طلبات لجوء في ألمانيا منذ الانقلاب التركي وحملات الاعتقال والقمع التي تعرض لها آلاف الموظفين والعسكريين والصحفيين في الدولة التركية، الأمر الذي أثار غضب وسخط السلطات التركية التي طالبت ألمانيا برفض الطلبات وتسليم هؤلاء من أسمتهم "الانقلابين". التوترات الأخيرة المتعلقة بقاعدة "إنجرليك" فتحت من جديد ملف اللجوء السياسي لبعض العسكريين الأتراك في ألمانيا، حيث دعا رئيس وزراء تركيا، بن علي يلديريم، أمس الثلاثاء، ألمانيا إلى أن تختار بين صداقتها مع أنقرة أو الانقلابيين المزعومين، بحسب تعبيره، قائلا: على ألمانيا أن تقرر بشأن أمر واحد إذا أرادت تحسين علاقاتها مع تركيا، فعليها إذن أن تلتفت نحو الجمهورية التركية، وليس مؤيدي الداعية "فتح الله جولن" المقيم في الولاياتالمتحدة وتتهمه أنقرة بتدبير محاولة الانقلاب، واتهم برلين بأنها تسببت في تدهور جديد للعلاقات من خلال منح عسكريين فروا إلى الخارج حق اللجوء بعد الانقلاب الفاشل. تأتي هذه الخلافات الجديدة لتضيف المزيد من التوترات على العلاقات التركية الأوروبية عامة والألمانية على وجه التحديد، حيث تشوب الأزمات الدبلوماسية والتوترات السياسية أجواء العلاقات بين الطرفين، خاصة بعد الاستفتاء التركي الأخير على تعديل الدستور وقلب نظام الحكم من برلماني إلى رئاسي، حيث منعت حينها عدة دول أوروبية وعلى رأسها ألمانيا عدد كبير من اجتماعات الدعم للاستفتاء الدستوري، الأمر الذي دفع تركيا إلى اتهام بعض الدول بالنازية وأخرى بالفاشية، وثالثة بزعزعة استقرار الدولة التركية.