"الرجلان الأخطر في العالم".. دائماً ما كانت المواد الصحفية تعنون بمثل هذا النوع من "المانشيتات" عندما يلتقي قادة دول كبرى في لحظة حرجة من تاريخ العالم؛ ففي القرن الماضي لم يحظى بمثل هذا التفخيم المخيف سوى قلة معدودة من زعماء الدول، وعلى رأسهم -على سبيل المثال لا الحصر- أدولف هتلر وبينيتو موسوليني. وهو أمر بديهي أن يتم وصف هذان الرجلان لما تسببا فيه منذ صعودهما للحكم في ألمانيا وإيطاليا من خراب ودمار، لكن وقتها وقبيل تسببهم في اندلاع الحرب العالمية الثانية، وانتشار أفكارهما العنصرية والإرهابية، كان الوصف يأتي طبقاً لما يمتلكه الرجلين من مقدرات قوة مقرونة بأفكار متطرفة وقدرتهم على إقناع الملايين بها والعمل تحت شعارها. لكن ما داعي المقارنة وأوجه التشابه بين هتلر وموسوليني من جهة، وبين دونالد ترامب ومحمد بن سلمان؟.. قد تبدو المقارنة غير موفقه من زوايا كثيرة، حتى باختلاف الظروف التاريخية وأن مثلاً ترامب رئيس "انتخب ديمقراطياً" –مثل هتلر- لكن سلطته غير منفردة كما يليق ببلد "ديمقراطي" مثل الولاياتالمتحدة، التي دعمت "ديمقراطيتها" في الداخل بتدعيم ديكتاتوريات الخارج وفق مصالحها، وما تخلل ذلك من عشرات الحروب التي شنتها منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، والتي تركز معظمها من حيث المدى الزمني والمكاني في الشرق الأوسط. أما عن محمد بن سلمان فمن العبث أن يتم التطرق إلى مناقشة ديمقراطية غير موجودة في بلد تدار بنظام حكم أسري ينتمي للعصور الوسطى في القرن الحادي والعشرين، ووجه الشبه الوحيد بينهم وبين موسوليني وهتلر –بخلاف جنون العظمة والضلالات الفكرية العنصرية- هو براعتهم في تسكين الأزمات الداخلية عبر خلق عداء وهمي على أساس أفكار متطرفة مع طرف خارجي. إذن لماذا يوصف بن سلمان ومن قبله والده –قبل أن يتم حسم أنه لا حول ولا قوة له لعوامل صحية، ولنفوذ أبنه محمد عليه– وحالياً ترامب بهذا الوصف، هل لأفكارهم الخطيرة والمتطرفة التي تُحمل على قوة عسكرية واقتصادية ودعائية ضخمة قادرة على توظيف هذه الأفكار في السياسات الدولية والإقليمية؟ أم لأن كل ما يدركه هذان الرجلان من أفكار عنصرية ومتطرفة يوظفوا كل إمكانياتهم الاقتصادية والعسكرية والدعائية لتطبيقها –مثل هتلر وموسوليني- على أرض الواقع.. أي، كمثال، هل توظف السعودية الطائفية لحصد مكاسب سياسية أم أن كل السياسة السعودية هي وفقط نشر وتطبيق الأفكار المتطرفة والطائفية؟ وإذا ما كانت الإجابة بنعم فهل يعني ذلك أن لقاء ترامب وبن سلمان الوشيك يعد تحضير لحرب كبرى؟ يميل العديد من المعنيين بالسياسات السعودية في العِقد المنصرم أن الرياض لا توظف الطائفية ونشر التطرف من أجل أهداف بعينها سواء آنية مرحلية أو مستدامة، ولكن تسخر كل إمكانياتها من أجل تطبيق هذه الأفكار وسيادتها على مستوى المنطقة وحديثاً على مستوى العالم – تنفق المملكة مليارات الدولارات سنوياً من أجل نشر المذهب الوهابي في جميع أنحاء العالم بما في ذلك وسط أفريقيا وشرق آسيا وبالطبع أوربا وأميركا الشمالية وحديثاً أميركا الجنوبية- أي أن السياسة السعودية في أخر عشر سنوات قائمة وفقط على نشر الأفكار الطائفية والمتطرفة إعلامياً وفكرياً وجعلها ايدولوجية سياسية، وحتى عسكرياً منذ ثمانينيات القرن الماضي في أفغانستان، التي كانت التجربة الأولى التي عُممت وعولمة على مدار السنوات التالية حتى وصلت إلى قمتها في سورياوالعراق وظهور تنظيمات "القاعدة" و"داعش" والإرهاب الأصولي المعولم المحلق في مدار السياسات السعودية سواء الفكرية مثل الفتاوى والتعاليم الدينية لعلماء المملكة، أو الاقتصادية عبر تمويل الإرهاب ورعايته –قانون جاستا أوضح مثال- أو العسكرية في سورياوالعراق وأخيراً وبشكل مباشر في اليمن، التي شنت المملكة حرباً على شعبه أفقر الشعوب العربية وتحاصره وتجوعه وتمارس الإرهاب ضده فقط لأن أمراء آل سعود رأوا فيه مهرب آمن للأمام من أزماتهم الداخلية وصراعاتهم على الحكم. في هذا السياق، الكاتب الصحفي والمحلل السياسي المختص بشئون الشرق الأوسط، باتريك كوكبيرن، رأى في تحليل أخير له نشرته صحيفة «الإندبندنت» البريطانية معنون ب«ترامب وبن سلمان الرجلان الأخطر في العالم يلتقيان الأسبوع القادم» أن "ترامب الذي هو أخطر رجل في العالم يسافر الأسبوع القادم ليلتقي رجلاً ينازعه في اللقب نفسه، ولي ولي العهد في السعودية، الأمير محمد بن سلمان، هذا الرجل مصدر للقلاقل وعدم الاستقرار". ويدلل كوكبيرن على وصفه لبن سلمان ب"المقامر" من من نفس المدخل المذكور أعلاه الخاص بتحول الضلالات الطائفية وأفكاره المتطرفة إلى سياسة، قائلاً: ولي ولي العهد لم يتحول فقط إلى مقامر، ولكنه أيضاً من نوع المقامرين الذي يزيد رهانه بلامبالاة عندما يقع في ورطة. والدليل على هذا ما جاء في مقابلة استثنائية له في وقت سابق من هذا الشهر بثت على قناة العربية السعودية، هدد فيها بالتدخل العسكري في إيران. حيث قال أنه لن ينتظر حتى تأتي المعركة إلى السعودية وأنه سوف ينقلها إلى إيران، فهو يزعم أن القادة الشيعة في إيران يخططون للاستيلاء على مكة وأن يحكموا جميع المسلمين حول العالم البالغ عددهم 1.6 مليار نسمة. خطاب بن سلمان الهجائي ضد الشيعة عموما وليس ضد الإيرانيين فحسب، وهو يثير على الأغلب مخاوف الشيعة في العراق ولبنان وباكستان والسعودية نفسها، حيث يشكلون حوالي 10% من السكان هناك، وسيكونون ضحايا الحملة الدينية-العسكرية المناهضة للشيعة (..) سيكون من السخف أن نتخيل أن أربع أو خمس دول بها شيعة لديهم القدرة أو الطموح على أكثر من 50 دولة بها سُنة، وذلك على الرغم من أن السلفيين في دول مثل مصر وتونس واندونيسيا يعتقدون أن الأقليات الشيعية الضئيلة تسعى لذلك. لكن يبدو أن الأمير محمد بن سلمان يؤمن بنظرية مؤامرة كبيرة معادية للسُنة مدبرة من جانب إيران، فقال أنه منذ الثورة الإيرانية 1979 تحاول إيران السيطرة على المسلمين في العالم ونشر المذهب الجعفري الإثنى عشري حتى يأتي الإمام المهدي". واعتبر الكاتب الأيرلندي أن خطاب بن سلمان وسياساته تهدف لتأجيج المشاعر الدينية والمذهبية والقومية لصالح تأمين الحكم لأسرته وله بشكل خاص داخل آل سعود، على الرغم من سلسلة الفشل المتسمر على صعيد سياساته الخارجية، فيذكر كوكبيرن أن "في ربيع 2015 في سوريا قدمت السعودية الدعم لما يسمى بجيش الفتح، الذي يتألف أساسا من جبهة النصرة التابعة للقاعدة وحليفتها أحرار الشام. ونجحوا في تحقيق عدد من الانتصارات على قوات الأسد في محافظة إدلب، لكن نجاحهم أدى لتدخل عسكري روسي في وقت لاحق من العام نفسه، والذي كان نقطة تحول في الحرب تم على أثرها تهميش النفوذ السعودي، وهو الأمر الذي يلقى بن سلمان اللوم به على الرئيس السابق باراك أوباما، فعلى حد تعبيره (أهدر أوباما الكثير من الفرص الهامة التي كانت من الممكن أن تحقق تغيير كبير في سوريا)، لكن في الواقع أن السعودية تأمل تدخل عسكري أميركي لتغيير النظام بالقوة في سوريا على غرار العراق في 2003 أو ليبيا 2011 عندما كان أوباما ينتقد أفعال السعودية وسلوك مؤسسات واشنطن الخارجية الداعمة تقليدياً للسعودية". وعن تقاطع كل من ترامب وبن سلمان يقول الكاتب الأيرلندي: "طلب ترامب بالفعل دعما أمريكيا أكبر للمجهود الحربي السعودي في اليمن، إلا أن ولي ولي العهد سيبحث في المقام الأول دعم الولاياتالمتحدة لمواجهته مع إيران. وتتحول الكلمات بالفعل إلى خطة عمل مع تقارير من الولاياتالمتحدة والسعودية تفيد بأن هناك تخطيط لإثارة التمرد المناهض للحكومة بين الأقليات في إيران مثل البلوشيين في الجنوب الشرقي، وهو ما تم القيام به من قبل ولكن مع تأثير محدود (..)شعر قادة السعودية بسعادة غامرة بانتخاب ترامب الذي يرونه متعاطفين معهم ولقادة الخليج الذين سيلتقون بهم بعد وصوله إلى السعودية في 19 مايو قبل أن يتوجه إلى إسرائيل. إنه تقدير حار لغريزة الاستبداد في نفسية ترامب بحتمية أن تكون زيارته الخارجية الأولى كرئيس لآخر الملكيات المستبدة على وجه الأرض ودولة لا يسمح فيها للمرأة بقيادة السيارة. وفيما يتعلق بمسألة مواجهة إيران، من غير المرجح أن يقيد ترامب من جانب كل من وزير الدفاع جيمس ماتيس ومستشار الأمن القومي هربرت ماكمستر- وكليهما جنرال سابق في العراق- فهما أيضاً يعتبران إيران العدو الرئيسي". ويختتم كوكبيرن تحليله بطرح مشتركات بين ترامب وبن سلمان فيما يخص أزماتهم الداخلية والهروب منها عبر خوض حروب خارجية تزيد من شعبيتهم في الداخل على أسس دعائية عنصرية وطائفية متطرفة ويضيف: "لو التقت مساعي ترامب الفاشلة مع الإخفاقات التي قام بها بن سلمان فإن هذا بمثابة مزيج متفجر يهدد المنطقة الأكثر عنفاً على وجه الكوكب، فإن الخصال المشتركة بينهما أن بن سلمان لم يتعلم من أخطاءه أو حتى يدرك أنه ارتكبها (..) فالأمير الذي يبلغ من العمر 31 عام، بمثابة الحاكم فعلي للمملكة منذ سنتين ونصف تحصل خلالهما على سمعته من خلال التهور والعدوان وسوء التقدير. ففي وقت مبكر صعد الدور السعودي في سوريا مما حفز روسيا على التدخل هناك، وشن حرباً على اليمن لا زالت مستمرة ونتج عنها وقوف 17 مليون إنسان على حافة المجاعة (..) 3.3مليون من الأمهات الحوامل والمرضعات والأطفال، وحوالي 462 ألفا دون سن الخامسة جوعا. ومن المتوقع أن تهاجم القوات المدعومة من السعودية ميناء الحديدة على البحر الأحمر، الذي يأتي من خلاله 80 في المائة من واردات اليمن التي تشكل معظم إمداداتها الغذائية. وفي حالة إغلاق الميناء، سيواجه اليمنيون أسوأ مجاعة من صنع الإنسان منذ المجاعة الصينية الكبرى في ستينيات القرن الماضي".