أدى الرئيس المنتخب لكوريا الجنوبية، مون جاي إن، اليمين الدستورية اليوم الأربعاء كرئيس للبلاد، خلفًا للرئيسة المقالة على خلفية قضايا فساد، بارك كون هاي، في مارس الماضي، حيث حصل "مون جاه إن" على 41.4% من التأييد مقابل 23.3% حصل عليها منافسه "هونغ جون بيو" عن حزب كوريا للحرية المحافظ، فيما حصل المرشح عن حزب الشعب "آن تشول سو" على 21.8%، لينهي "مون" بهذا الفوز عشر سنوات من حكم المحافظين. بداية جريئة ورسائل سياسية بعد دقائق من تأدية الرئيس الكوري الجنوبي اليمين الدستورية، أطلق "مون جاي إن" تصريحات جريئة، أثارت جدلًا سياسيًّا كبيرًا، حيث قال الرئيس إنه مستعد لزيارة كوريا الشمالية، وأضاف "إذا احتاج الأمر، فسأتوجه إلى واشنطن، وسأتوجه إلى بكين وطوكيو أيضًا، وحتى إلى بيوينج يانج إذا توافرت الظروف". وأكد الرئيس الكوري الجنوبي أنه سيجري مفاوضات جدية مع الولاياتالمتحدةوالصين بشأن نشر الدرع الأمريكية المضادة للصواريخ "ثاد". الرئيس "مون جاي إن" بدأ مهامه الرئاسية سريعًا بعد تأديته اليمين الدستورية، حيث بحث مع رئيس أركان الجيش الكوري الجنوبي، لي سون جين، الأحداث المتعلقة بكوريا الشمالية في مكالمة هاتفية، وقال رئيس أركان الجيش، خلال المكالمة للرئيس الكوري، إن الجيش مستعد للتحرك في أي لحظة إذا قام العدو باستفزازات، فيما أكدت مصادر قريبة من الرئيس الجديد أنه عيّن حاكم إقليم جيولا "لي ناك يون"، رئيسًا للوزراء، وذلك في خطوة سريعة من أجل تعريف الداخل والخارج بانطلاق الحكومة الجديدة. من هو الرئيس الكوري الجديد؟ "مون جاي إن" من عائلة بسيطة متواضعة، فهو ابن لاجئين من كوريا الشمالية، حيث هرب والدا "مون" من كوريا الشمالية إبان الحرب الكورية بين عامي 1950 و1953، وعندما ولد "مون" كان الأبوان يقيمان في جزيرة غيوجي الجنوبية، وكانت أمه في هذا الوقت تمتهن بيع البيض من أجل كسب لقمة العيش، فيما كان والده يعمل في معسكر لأسرى الحرب. في عام 1972 التحق "مون" بكلية القانون، لكنه لم يُمضِ فيها وقتًا طويلًا، حيث اعتقل لقيادته احتجاجات ضد حكم "بارك تشونغ هي" التسلطي، وحكم عليه بالسجن، وأثناء وجوده في السجن أكمل "مون" دراسته، وتمكن من التخرج في الكلية، وأصبح محاميًا. وفي عام 1976 بدأ "مون" الخدمة الإجبارية في الجيش الكوري الجنوبي، وشارك في العملية التي نفذتها القوات ردًّا على قيام كوريا الشمالية بقتل ضابطين أمريكيين؛ لتشذيبهما شجرة تقع على الحدود بين الكوريتين، في عام 1982 افتتح "مون" وصديقه "رو مو هيون"، مكتبًا للمحاماة في بوسان، ركزا من خلاله على القضايا والدعاوى المتعلقة بحقوق الإنسان والحقوق المدنية، ويقول أحد زملائه إن "مون" كان يقضي ساعات وساعات في إعداد الدعاوى قبل المرافعات. وفي عام 1987 دخل "مون" الحياة السياسية بعد أن أصبح اسمه بارزًا في الحركة الديمقراطية التي اجتاحت كوريا الجنوبية، وأدت في نهاية المطاف إلى إجراء أول انتخابات ديمقراطية في البلاد، في عام 2003 انتخب رفيق "مون" في مشواره السياسي "رو مو هيون" رئيسًا لكوريا الجنوبية، وأصبح "مون" واحدًا من كبار مستشاريه، مكتسبًا بذلك لقب "ظل رو". طالت الانتقادات السياسية الرئيس "رو" وحكومته ومستشاريه، حيث وُجهت انتقادات للحكومة في عام 2007، بزعم أنها استشارت كوريا الشمالية قبل امتناعها عن التصويت في الأممالمتحدة على قرار يدين انتهاكات حقوق الإنسان في الشمال، وهو ما نفاه "مون" مرارًا، وفي عام 2009 ترك الرئيس "رو" منصبه، بعد أن خضع للتحقيق في ادعاءات بتقاضي رشاوى قيمتها 6 ملايين دولار، الأمر الذي دفعه إلى الإقدام على الانتحار. على الرغم من تأثر "مون" كثيرًا بموت صديقة، إلا أنه قرر أن يكمل مسيرته في الرئاسة، حيث ترشح للرئاسة للمرة الأولى في عام 2012، لكنه خسر أمام "بارك" بفارق ضئيل، فيما فاز بمقعد ميناء بوسان في البرلمان الكوري الجنوبي، وفي التاسع من مايو الجاري انتخب "مون" المنتمي للحزب الديموقراطي رئيسًا للبلاد ممثلًا للتيار اليساري الوسطي. ماذا عن العلاقات الكورية الجنوبية؟ إنهاء حكم المحافظين الذي استمر لمدة عشر سنوات، ووصول "مون" إلى الرئاسة، يمكن أن يؤدي إلى تغيير كبير في السياسة الكورية الجنوبية حيال العديد من الدول، خاصة جارتها الشمالية والولاياتالمتحدةوبكين، وهو ما ظهر في تصريحات الرئيس الكوري الجديد قبل وبعد التنصيب، حيث كشف "مون"، في كتاب نشره في وقت سابق هذا العام، عن أنه يحلم بالعودة إلى قرية هونغنام التي ينحدر منها والداه في كوريا الشمالية، وقال في الكتاب "أفكر في قضاء ما تبقى من حياتي هناك في هونغنام، أمارس عملًا دون أجر، عندما تتوحد الكوريتان سلميًّا، أول شيء أرغب في عمله هو اصطحاب والدتي البالغة من العمر 90 عامًا إلى مسقط رأسها". من جانبها هنأت الولاياتالمتحدة، أمس الثلاثاء، "مون جاي إن"، إثر فوزه في الانتخابات الرئاسية، معربة عن الأمل في مواصلة العمل من أجل تعزيز التحالف بين الدولتين، وقال المتحدث باسم السلطة التنفيذية، شون سبايسر، نقلًا عن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، "نهنئ الرئيس المنتخب مون جاي إن، وننضم إلى الشعب الكوري الجنوبي في الاحتفال بانتقال سياسي سلمي وديمقراطي"، وأضاف: نتطلع إلى العمل مع الرئيس المنتخب لتعزيز التحالف بين الولاياتالمتحدة وجمهورية كوريا وتعميق صداقتنا والشراكة بين بلدينا بشكل دائم. بعيدًا عن التهنئة الرسمية وبالنظر إلى تصريحات الرئيس الكوري الجنوبي قبل انتخابه وسياساته التي أظهرها مرارًا، رجح بعض المراقبين ألا يسير "جاي إن" على أهواء الرئيس "ترامب" كليًّا، فيبدو أن الرئيس الجديد يفضل لغة الحوار والتفاهمات والمفاوضات على لغة التهديدات والتصعيدات التي لا جدوى منها، وهي اللغة التي يتقنها الرئيس الأمريكي، الأمر الذي قد يجعل سيئول وواشنطن يقفان في مفترق طرق، يعترض فيه كل منهما على سياسة الآخر، خاصة أن أمريكا تعتبر كوريا الجنوبية حليفتها الوثيقة في مواجهة جارتها الشمالية، وتتوقع منها العمل بحزم في هذه المسألة، فيما تتجه سيئول إلى الحوار مع جارتها الشمالية؛ بهدف نزع فتيل التوتر ودفعها إلى طاولة المفاوضات. الأجواء التي تدل على أن الجمهورية الكورية الجنوبية لن تكون على وفاق كامل مع حليفتها الأمريكية، تجعلنا ننظر بالنتيجة إلى منظومة "ثاد" الأمريكية التي أثارت قلقًا وتوترات كبيرة خلال الفترة الأخيرة منذ إعلان واشنطن نشرها في سيئول، حيث أثارت هذه المنظومة غضب الصين التي تعتبرها تهديدًا لقدرات الردع التي تملكها وللأمن الإقليمي، فيما أثارت غضب كوريا الجنوبية نفسها عندما أعلن "ترامب" أنه على سيئول دفع نفقات نشر الدرع الصاروخية التي تبلغ مليار دولار. كل هذا يدفع نحو التساؤل، هل كوريا الجنوبية في ظل سياسات رئيسها الجديد ستتجه نحو إرضاء الصين والدخول في مفاوضات مع جارتها الشمالية لتحفظ أمنها الإقليمي على حساب أمريكا، خاصة أن الصين تعتبر أكبر شريك تجاري لكوريا الجنوبية، لكن العلاقات بينهما توترت إثر دخول أمريكا على خط العلاقات بينهما بدرعها الصاروخية، الأمر الذي دفع بكين إلى اتخاذ إجراءات ضد الشركات الكورية الجنوبية، اعتبرتها سيئول تدابير انتقامية اقتصادية.