تظاهر عشرات من العاملين بمستشفى العباسية للصحة النفسية، أمام العيادات الخارجية بالمستشفى، أمس الأحد، ردا على ما وصفوه بمحاولات محافظة القاهرة الاستيلاء على أجزاء مِن أرض المستشفى المقامة على مساحة 58 فدان واستغلالها، مؤكدين أن هناك أطماعا قديمة فى بيع أرض المستشفى وإخلاء المرضى والعاملين منها، ونقلهم إلى أطراف العاصمة، وتحويل المكان إلى مشروع استثمارى. كانت محافظة القاهرة قد أعطت الضوء الأخضر لإحدى شبكات المحمول لإقامة برج تقوية داخل حديقة العروبة التابعة للمستشفى، وبدأت الشركة بإجراءات البناء فعليًا وأعمال الحفر، لإنشاء محطة تقوية المحمول على شكل نخلة صناعية داخل حديقة العروبة، التي تقع ضمن حرم المستشفى وتبلغ مساحتها نحو 54 ألف متر مربع (13 فدانا)، وتُخصص الحديقة كمتنفس طبيعي لمدينة القاهرة ومرضى المستشفى الذين يتألمون في صمت خلال رحلتهم الطويلة للعلاج داخل عنابر الصحة النفسية. قبل ما يقرب من 24 عامًا، وافقت وزارة الصحة على تخصيص جزء من حديقة مستشفى العباسية للصحة النفسية، لإنشاء حديقة عامة عليها بمعرفة محافظة القاهرة مع بقاء ملكية الأرض تابعة للمستشفى، وتم تنفيذ القرار قبل نهاية العام ذاته وتم اعتبار حديقة المستشفى جزءا من الرئة الخضراء والمتنفس الطبيعي لمدينة القاهرة التي تحتاج للمزيد من المساحات الخضراء وليس الحد منها وطرحها للبيع أو الاستثمار والربح. ومن جانبها تسلمت الهيئة العامة للنظافة والتجميل التابعة لمحافظة القاهرة حديقة العروبة المطلة على صلاح سالم من المستشفى بدعوى تجميلها وتنسيقها مع تعهدها في مخاطبات عديدة للمسؤولين بوزارة الصحة بملكية المستشفى للحديقة، إلا أن هذا الأمر كان لغرض تأمين المواكب الرئاسية وكبار المسؤولين، بحسب تأكيد أحد القائمين على المستشفى في ذلك الوقت. انتفاضة ضد الهدم بداية الأزمة كما يروي الدكتور أحمد حسين، منسق جبهة الدفاع عن مستشفى العباسية للصحة النفسية، وعضو مجلس النقابة العامة للأطباء، كانت في أكتوبر 2010 حين صدرت تعليمات من قبل الدكتور حاتم الجبلي، وزير الصحة السابق في عهد مبارك، بإخلاء المرضى جزئيًا من المستشفى، تمهيدا لنقلها بالكامل إلى مدينة بدر من أجل إقامة مشروع استثماري في المنطقة. في المقابل توحدت جبهات الدفاع عن حقوق المرضى من العاملين بالمستشفى مع عدد من منظمات المجتمع المدني ووسائل الإعلام حتى تحولت القضية إلى قضية رأي عام ونجحت في إجهاض تلك المحاولات، مما جعل الرئيس الأسبق حسني مبارك، يصدر توجيهات بعدم المساس بالمستشفى. في أعقاب ثورة 25 يناير 2011 وافقت محافظة القاهرة على إقامة برج تقوية تابع لإحدى شبكات الاتصالات في المنطقة المحيطة بحمام السباحة الصغير الملاصق للمستشفى، ولكن العاملين بالمستشفى تصدوا لعمليات الحفر والبناء التي كانت قد بدأت، وتم تحرير محضر إداري بقسم مدينة نصر ضد ما وصفوه ب"مخطط بيع أرض المستشفى". لم تتوقف محاولات المحافظة السيطرة على أرض المستشفى، فقامت بتأجير حديقة العروبة إلى متعهد كافيتريات لإقامة حفلات وفرض رسوم على دخول الحديقة فضلًا عن تخصيص إعلانات دعائية بالخارج"out door" كاشفة عن هدفها الحقيقي وهو الربح، وليس بغرض تجميل الحديقة كما يدعون، بحسب الدكتور أحمد حسين، ورفضت المحافظة تسليم الحديقة إلى المستشفى رغم مطالبات عديدة من قبل الإدارة ووزارة الصحة واحتجاجها على ذلك حتى رفع وزير الصحة الأسبق الدكتور فؤاد النواوي، دعوى ضد المحافظة أمام لجنة فض المنازعات بمجلس الدولة، مازالت قائمة حتى تاريخه. برج المحمول ستارة للبيع وفيما يبدو أنه محاولات من بعض الجهات لاستقطاع مساحات كبيرة من أرض الصحة النفسية كانت مخصصة لإقامة مركز لعلاج الإدمان، فوجئ العاملون بالمستشفى بأعمال حفر وصب ونقل الخشب داخل الحديقة تمهيدًا لتنفيذ المخطط القديم بإقامة برج تقوية لإحدى شبكات المحمول، فيما أصدرت وزارة الصحة بيانا، أمس السبت، ورد فيه أنه لا مساس نهائيا بأرض المستشفى إلا لتطوير خدمات الصحة النفسية، حيث تضع الوزارة حقوق المريض النفسي على رأس أولوياتها". ضوء أخضر من "الصحة" عدد من الخطابات والمراسلات الرسمية التي حصلنا على صورة ضوئية منها بين وزارة الصحة ومحافظة القاهرة تثبت سعي الأخيرة للاستيلاء على أجزاء من أرض المستشفى، ومن ذلك الخطاب الموجه من اللواء سيد الشاهد، مساعد وزير الصحة للشؤون المالية والإدارية، الصادر بتاريخ 19 مارس الماضي إلى إدارة مستشفى العباسية للصحة النفسية يطالبها بالسماح لمندوبي محافظة القاهرة، بالدخول لحرم المستشفى لعمل بعض المعاينات اللازمة لعملهم. وفي الثاني من الشهر الجاري صدر خطاب موجه من الشاهد، إلى كل من رئيس الإدارة المركزية لحماية أملاك الدولة، ومدير مديرية الإسكان، ورئيس حي غرب مدينة نصر بمحافظة القاهرة، بطلب إرسال مرشحين من تلك الجهات للجنة المختصة بمعاينة المكان الواقع بحرم مستشفى الصحة النفسية بالعباسية يوم الأحد الموافق 7 مايو بمقر المستشفى، مزيلا خطابه بأن الأمر هام وعاجل. تأتي تلك المخاطبات الرسمية رغم علم قيادات وزارة الصحة بمحاولات محافظة القاهرة المستمرة الإستيلاء على مواقع جديدة داخل حرم المستشفى في ظل خضوع مستشفيات الصحة النفسية لقانون رعاية المريض النفسي رقم 71 لسنة 2009 .