هناك رؤية مضادة لأحلام الناس البسطاء العلاوة لا تتواكب مع زيادة الأسعار أزمة المصانع المغلقة لها علاقة بالتوجهات الاقتصادية للدولة أكد كمال أبو عيطة، وزير القوى العاملة الأسبق والقيادي العمالي، أنه لا يوجد عيد عمال في مصر حاليًّا؛ لأن عيد العمال أساسه أن تكون هناك إنجازات تحقق للعمال المصري كي يتم الاحتفال به، وأوضح أن قرار تعويم الجنيه في نوفمبر الماضي أضر بالعامل المصري أكثر من أي شخص؛ بسبب ما نتج عنه من زيادة ضخمة في الأسعار. وإلى نص الحوار.. كيف ترى وضع العمال بمصر الآن بعد ما يقرب من ست سنوات من ثورة يناير؟ رأيي أنه لا يوجد عيد عمال في مصر، في عيد العمال زمان كنا نصحو على إنجازات ومكاسب جديدة، وكان الرئيس جمال عبد الناصر يذيعها على المصريين كل عيد عمال. ولا أجد الآن ما يرتقي للاحتفال بعيد العمال. لا يوجد أصلًا أي تقدم في ملف العمال، وأتمنى أن نجد في العام القادم ما يستدعي الاحتفال بعيد العمال. ألا يُعتبر قرار مجلس الوزراء الأخير بإعطاء العمال علاوة 10% إنجازًا أو تقدمًا في ملف العمال؟ حينما نتكلم عن العلاوة لا بد أن نعرف حجم التضخم. للأسف دخول العمال تناقصت بشكل كبير بعد تعويم الجنيه، وأنا كعامل مستحيل أفرح بزيادة 10% وهناك تضخم في الأسعار، كنا زمان حينما يعطوننا العلاوة الدورية وكانت قيمتها 2 جنيه، نقول لهم "مش عاوزين العلاوة في مقابل عدم زيادة الأسعار". لكن ماذا تفعل العلاوة والأسعار كل يوم تزيد؟! أنا أعتبر العلاوة لا تتواكب مع زيادة الأسعار، وبالتالي تم انتقاص أجور العمال. ما هي حزمة السلع والخدمات التي يحتاجها العامل وأسرته؟ وكم التكلفة المادية التي تجعل العامل يشتري مأكلًا وملبسًا وعلاجًا له ولأسرته؟ لو أصبحت هذه الحزمة تكلفتها مثلًا ألفي جنيه والحكومة تزيد العامل 10%، فهي بهذا تنقص من راتب العامل. ليس بعدد الورق الذي يقبضه العامل، ولكن بقدرته الشرائية، وطالما أنه نفس الأجر الذي كان يتقاضاه العامل العام الماضي وسيزيد 10%، فلن يستطيع أن يشتري نصف السلع التي كان يشتريها العام الماضي، فالمحصلة أنه لم تحدث زيادة في راتب العامل. هل هناك آثار سلبية حدثت للعمال بعد تعويم الجنيه غير ارتفاع الأسعار؟ هناك مشاكل أخرى للعمال، مثل غياب قانون منظم للعمل النقابي، والتفاف الحكومات المتعاقبة بما فيها الحكومة الحالية على قانون حق التنظيم النقابي للعمال وعدم إصداره. عدم وجود قانون عمل عادل يحفظ حقوق الطرف الضعيف في علاقات العمل، وهو العامل، حيث إن الأغلبية العظمى من قوة العمل تذهب إلى القطاع الخاص، بحكم التوجهات الاقتصادية للدولة، وعدم وجود تأمين صحي وتأمين اجتماعي، وعدم وجود أجر عادل وحد أدنى للأجور في القطاع الخاص، كل هذا جعل وضع العمال ينهار، وحتى من يتم تعينهم وتشغيلهم لديهم مشاكل، وهذا انتقاص من قوة العمل. بمعني أن عاملًا اشتغل لمدة 10 سنوات، فزاد أجره بشكل طبيعي، ونتيجة للوضع الاقتصادي اضطر صاحب العمل لفصل العامل واستبدال اتنين أو ثلاثة عمال مكانه براتب أقل، معتقدًا أنه بهذا قدم حلولًا للعجز الذي لديه، لكنه في النهاية فصل عاملًا، وهناك ألاف من العمال يقعون في هذه المشكلة. قانون تنظيم النقابية العمالية وقانون العمل اللذان يناقشان في البرلمان، هل يمكن أن يحسنا من أوضاع العمال؟ الاتنان صدرا في غيبة الأطراف التي لها علاقة بالعمل، هذا النوع من التشريعات نسميه تشريعات اجتماعية. الأمر يستلزم قبل إعداد المشروع أن يكون هناك حوار مجتمعي بين أطراف العمل، من ضمنهم ممثلو العمال وممثلو اتحادات أصحاب العمل وممثلو الحكومة. لكن للأسف المشروع ظهر منفردًا من الحكومة، وبالتالي لا يوجد حوار مجتمعي حقيقي، وفي بعض الأحيان يعملون حوارًا مجتمعيًّا هزليًّا، يمعنى أن الحكومة تجتمع بعمالها أو من لهم ولاء لها مع أصحاب العمل، ويصبح قرارًا حكوميًّا، وهذا ما حدث في قانون النقابات العمالة وقانون العمل الجديد. معنى هذا أن اتحاد عمال مصر المشارك في إعداد هذا المشروع لا يمثل العمال؟ لا يوجد اتحاد عام لعمال مصر منتخب من القاعدة للقمة، حاليًّا توجد مجموعة مسؤولة عن إدارة الاتحاد بشكل مؤقت لحين صدور قانون الانتخابات أو إجراء انتخابات للاتحاد. النقابي ينتخب من القاعدة الموجودة لجنة إدارية تدير الأمور مؤقتًا منذ أربع سنوات، لا القانون صدر ولا الانتخابات تمت، وهذه لجنة إدارية، ولا توجد اتحادات عمال في مصر. لا بد أن يكون هناك تنسيق كامل وحوار مجتمعي مع العمال قبل تشريع هذا القانون، أطراف العمل النقابي المشتبكة الآن لا بد أن تكون طرفًا في الحوار، وأيضًا أصحاب العمل. هل هناك اعتراضات على مواد قانون النقابات العمالية التي يناقشها البرلمان؟ القانون أصلًا سوف يمنع التنظيم النقابي عن 90% من مجتمع العمل، لأنه اشترط في احدى مواده أن يكون الحد الأدنى لتشكيل اللجنة النقابية 100 عامل، علمًا بأن 90% من منشآت العمل في مصر تحتوي على أقل من مائة عامل. للأسف سيحرم وجود لجان نقابية بسبب الحد الأدنى الذي وضعه، لن تكون هناك نقابات أصلًا لا مساندة ولا معارضة. وطالما لا توجد نقابة تراعي مصالح العمال، أول شيء سيفكرون فيه الإضراب في العمل النقابي، رغم أنه آخر وسيلة وليس أولها، ولكن ظاهرة الإضرابات في مصر مرتفعة، وتزيد مع ارتفاع الأسعار. هل هناك من يمثل العمال في البرلمان؟ لا يوجد للأسف، فاللجنة الإدارية من خلال دعم مصر أو دعم بعض دخلت و"بقت ماسكة" لجنة القوى العاملة في البرلمان، لكن لا يوجد ممثلو عمال منتخبون في البرلمان. باعتبارك وزيرًا سابقًا للقوى العاملة، هل تواصل معك أحد من البرلمان أو الحكومة لمناقشة القانونين؟ لم يتواصل أحد معي، ولا أريد أن يتواصل أحد منهم معي. بالنسبة لملف الحريات وتأثيره على وضع العمال في مصر، كيف ترى هذه القضية؟ اليوم ونحن نتحدث هناك عمال قُبض عليهم، وقبلها عمال النقل العام وعمال الترسانة البحرية. وضع الحريات سيكون أفضل لو أصبح هناك تنظيم نقابي قوي قادر على حماية أعضائه، والمطالبة بحقوق جمعياته العمومية، وتبني مطالب العمال وحلها بالتفاوض لا الإضراب. للأسف غيبة التنظيم النقابي ستؤدي إلى الإضراب مباشرة كما قلت من قبل. لا بد أن يكون هناك تشريع يضمن تنظيمًا نقابيًّا قويًّا، كان عندنا تشريع 35 لسنة 76 ينظم عمل النقابات العمالية، وهو لا يصلح للأسف، لأن المحكمة الدستورية ألغت 12 مادة منه، وهناك 4 مواد معروضة عليها أيضًا للإلغاء، وهذه المواد تؤثر على القانون بشكل كبير، لا يوجد قانون، فهذا القانون لم ينتج تنظيمًا نقابيًّا قادرًا على الدفاع عن حقوق عمال مصر، الذين خرجوا للمعاش المبكر، وتخصصخت مصانعهم بتراب الفلوس، لا يوجد تنظيم نقابي قادر على الدفاع عن هذا الأمر. ما كان موجودًا للأسف جمعية أصدقاء الشرطة، وهم ليسوا ممثلين للعمال، كان منهم من طالب بمد الفترة النقابية سنة أخرى وقت انتخابات الرئاسة 2006؛ لدعم مبارك في الانتخابات. ألم تكن هناك مبادرات من نقابات مستقلة للتواصل مع الحكومة والبرلمان لوضع اقتراحات للقوانين الجديدة؟ هناك نقابات حاولت، ولم يسمع لهم أحد، وقدموا اقتراحات، لكن الحكومة تنفذ ما تريد، القوى العاملة ورئيس اتحاد عمال مصر. بالنسبة للمصانع المغلقة والمتعثرة، كيف نحل هذه الأزمة؟ المصانع مغلقة عمدًا، وقتما توليت الوزارة كانت 4 آلاف و603 مصانع مغلقة، وأعتقد أن الرقم زاد بكثافة، هذه الأزمة لها علاقة بالتوجهات الاقتصادية للحكومة الحالية، التي لا تركز إلا على الاستثمار الخارجي، معتقدين أن الاستثمار هو فلوس أجنبية فقط، لا يفقهون أن قوى الإنتاج في الاقتصاد هي قوى مؤثرة ومهمة، وأحيانًا يكون تأثيرها أقوى من الفلوس. فالاستثمار المحلي من خلال القطاع العام والحكومي هو الضامن لوجود سلعة في متناول أيدينا، وتوفير عملة صعبة من خلال التصدير، ويمكن تعديل ميزان المدفوعات وإيقاف الاستيراد. المنتج الوطني له دور في ضبط السوق، فلا يستطيع مسؤول أن يحد من ارتفاع الأسعار؛ لأنه لا توجد أدوات لضبط السوق، أحمد عز مثلًا بينتج حديد الطن ب 10 آلاف جنيه، لكن مصنع الحديد والصلب في حلوان يمكن أن يبيع الطن ب 5 آلاف، ها هو ضبط السوق أن تجبر عز أو غيره على تقليل سعر منتجه، والمحلة تنتج ملابس تغنيني عن شراء ملابس تركية. قبلت منصب وزير قوى عاملة بشرط تشغيل المصانع المغلقة، ولم يتم تشغيل مصنع واحد، وهذا نتيجة السياسات الاقتصادية الضارة، والتي جربت من قبل، وأدت لثورتين، والآن انحيازات النظام واضحة. وقت الببلاوي حاولوا فرض ضريبة على الأرباح الرأسمالية، وضغط أصحاب المصالح، وأوقفوا هذه الضريبة، والنظام لا يقدر على الوقوف أمامهم. وما رأيك في المشاريع القومية التي يتبناها النظام الحالي؟ هذه المشاريع لا تعود بقرش واحد على الاقتصاد المصري، هذه المشاريع معناها مزيد من الاستدانة ومزيد من ارتفاع فوائد الديون، وبالتالي مزيد من الزحف على بند الأجور وبند الاستثمار وبند الدعم. لاحظ أن الميزانيات القادمة سيتناقص فيها بند الأجور وبند الدعم، وهذا ما يطبق عمليًّا على أرض الواقع، يعني مزيدًا من ارتفاع الأسعار على البسطاء ومزيدًا من انهيار وسحق الطبفة الوسطى. هل هناك حل آخر لتقليل عجز الموازنة؟ هناك حلول كثيرة من بينها تشغيل مصانعنا، وتشجيع الصناعات كثيفة العمالة، وتشجيع الزراعة والاهتمام بها وحل مشاكل الفلاح المصري الذي يعاني منذ أكثر من 45 سنة، والتوسع الزراعي، خاصة أن أغلب صناعاتنا تقوم على الإنتاج الزراعي، ثم تطوير الصناعة، هذا هو باب الخروج من الأزمة الاقتصادية الطاحنة، وباب الخروج من ارتفاع الأسعار. هذا يعني أن هناك انعدام رؤية لدى يعض المسؤولين في الدولة؟ لا، وأنا في الوزراة كنت أقول إننا ليس لدينا رؤية، لكن الآن من يديرون الأمور لديهم رؤية مضادة، اتضح الآن بما لا يدع مجالًا للشك أن هناك رؤية مضادة لأحلام الناس البسطاء وللثورتين اللتين قامتا.