يبدو أن القيادة الحالية لأفريقيا الوسطى تعلمت الدرس جيداً، وأصبحت على يقين بأن المجتمع الدولي وتدخل قوات الأممالمتحدة في أزمة بلدهم لم يزيد الوضع إلا سوءاً، خاصة بعد اتهام القوات الفرنسية هناك بانتهاكات عديدة لحقوق الإنسان، بينها اغتصاب الأطفال والنساء. وأدركت القيادة الجديدة أن حل الأزمة لن يأتي إلا من داخل القارة السمراء، ومن أكبر دولة فيها، وهي جنوب إفريقيا، التي شاركت بقواتها لحفظ السلام، وفقدت داخل أراضي إفريقيا الوسطى 15 جندياً في العاصمة بانجي، حيث قتلوا على يد متمردي سيليكا قبل أربع سنوات. قال موقع إنستاتيو فور سيكيورتي ستاديز، إن جنوب إفريقيا شاركت في حل أزمة إفريقيا الوسطى بقوة قوامها نحو 225 جندياً لتعزيز باقي الجنود الموجودين هناك منذ عام 2006، وكانت مهمتهم ظاهريا تدريب الحرس الرئاسي للرئيس السابق، فرانسوا بوزيزي، لكن لم تستطع التعزيزات سوى إبطاء تقدم "سيليكا" الذي أطاح ببوزيزي بعد بضع ساعات، وبعد أربع سنوات، مازال وفاة 15 من جنود جنوب إفريقيا في جمهورية أفريقيا الوسطى، غير واضح. وأضاف الموقع أن الرئيس الحالي لإفريقيا الوسطى، ألتمس مساعدة جنوب إفريقيا، خاصة في تعزيز دولته ضد قوى الفوضى، بشكل مباشر وغير مباشر، وسعى للحصول على المساعدة أيضاً في تشجيع الاستثمار، لا سيما في البنية الأساسية التي تحتاج إليها بشدة، والنقل والتعدين والبناء، كما طلب المساعدة في تحسين القدرة التقنية للخدمة العامة في، بما فيها الدبلوماسيون والشرطة والجيش، وبالفعل، عقدت شراكات استثمارية مع شركات جنوب إفريقية. ولفت موقع أوول أفريكا، إلى قرارات مهمة ينبغي اتخاذها في مرحلة ما بعد الصراع الخاصة بكيفية تحقيق التوازن بين العفو والعدالة داخل جمهورية أفريقيا الوسطى وفي مختلف عناصر المجتمع الدولي، ولا يزال النقاش مستمرا حول الأزمة، وهناك تقارير عن انقسامات داخل دائرة الرئيس فوستن تواديرا، حول ما إذا كان ينبغي السماح للرئيس السابق بوزيزي المنفي بالعودة للعب دور في السياسة أم لا. وذكر الموقع أن جنوب إفريقيا تقف على أهبة الاستعداد لإرسال خبرائها لتقاسم خبراتهم في عملية المصالحة في إفريقيا الوسطى، كما فعلوا بالفعل مرات عديدة في بلدان أخرى بعد انتهاء الصراع، لكن يقول المسؤولون إن أهم مساعدة تنتظرها إفريقيا الوسطى من جنوب إفريقيا هي تدريب الجيش، وتدرك الأخيرة أن إنشاء جيش وطني محترف، واحتكار الحكومة لاستخدام القوة المشروعة، الهدف الحالي لحكومة تواديرا، خاصة أن الجماعات المتمردة ليست قاصرة على سيليكا وآنتي بالاكا فقط، بل لا تزال هناك قوات إرهابية ومتمردة أخرى كعمال المناجم غير القانونيين وبقايا جيش الرب للمقاومة الذين لا يزالون يلعبون بمقدرات البلاد، ولا تزال الميليشيات السابقة في سيليكا وميليشيات بالاكا هي المشكلة الرئيسية رغم ذلك، ومن المفروض أن يقدموا إلى نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج، على النحو المنصوص عليه في اتفاق تم التوصل إليه في أنجولا في ديسمبر الماضي. والجدير بالذكر أن جماعة سيليكا المسلمة بدأت بأحداث دموية، ما أدى إلى انتقام دموي مماثل من جماعة آنتي بالاكا الميليشيا المسيحية، ثم قامت القوات الإقليمية والفرنسية وأخيرا قوات الأممالمتحدة بقمع الميليشيات المتحاربة مما سمح بإجراء انتخابات سلمية نسبيا في فبراير من العام الماضي، إلا أن العنف ظل مستمر خاصة مع الانتهاكات التي قامت بها قوات الأممالمتحدة، ولم تستطع الحكومة الجديدة القضاء على سيليكا ولا الجبهة المناهضة للبالاكا، وعلى الرغم من وجودهما في ظاهرة ترويع الأفارقة البائسين في وسط إفريقيا وتهدد بإسقاط حكومة تواديرا الهشة، إلا أن الجهود الدولية مازالت ضعيفة للقضاء عليهما.