صوتت القاهرة، يوم الأربعاء، لصالح مشروع القرار الفرنسي الأمريكي البريطاني، الذي يحمل السلطات في دمشق المسؤولية عن الهجوم الكيميائي المزعوم في خان شيخون، وتعكس آلية مصر في التصويت على قرارات مجلس الأمن، خاصة المتعلقة بالملف السوري، التخبط الدبلوماسي المصري في أروقة هذا المجلس الأممي. التخبط المصري: قبل الحديث عن الخطأ الكارثي الذي وقعت فيه مصر، من خلال تصويتها للمشروع الأمريكي ضد سوريا وجيشها، يجب التطرق إلى الطبيعة المتناقضة لآلية التصويت المصري، فالقرار الأمريكي ضد سوريا الذي تم إسقاطه عبر الفيتو الروسي، ويهدف لتحميل الحكومة السورية مسؤولية هجوم خان شيخون الكيماوي، بلا أي أدلة أو براهين في متنه تجعل منه قرارًا ذا قيمة لينأى بنفسه عن التسيس، خاصة أن واشنطن استبقت أي نتائج لأي تحقيقات ووجهت ضربة لسوريا، وبالتالي تصويت مصر عليه، بالرغم من كل هذا، يجعلها في موقف محرج، فقبل أقل من شهرين امتنعت مصر عن التصويت بخصوص قرار لمجلس الأمن الدولي بفرض عقوبات على الحكومة السورية، لاستخدام جيشها السلاح الكيماوي ضد المدنيين، وقتها قال مندوب مصر الدائم لدى الأممالمتحدة، عمرو أبو العطا: القاهرة لم تدعم مشروع قرار مجلس الأمن الدولي بفرض عقوبات على دمشق؛ لأنه خال من الأدلة الحقيقية ويوجه «اتهامات جزافية»، وهو الأمر الذي لا يختلف في مشروع القرار الأخير من حيث انعدام الأدلة. ويبدو أن مصر ونتيجة لموقفها غير المؤثر في معظم ملفات المنطقة، تتعامل بشيء من عدم الجدية مع قرارات المجلس، وهو الأمر الذي يشير إليه تصويتها لمشروعين متعارضين في مجلس الأمن حول حلب في أكتوبر من العام الماضي. كانت القاهرة قادرة على إمساك العصا من المنتصف بالامتناع عن التصويت، خاصة أن القرار حول خان شيخزن يحظى بحالة من الاستقطاب بين موسكووواشنطن، وكلا الطرفين تربطهما مصالح مع القاهرة، خاصة مع الجانب الروسي الذي يتقاطع برؤيته مع موقف القاهرة بضرورة الحفاظ على المؤسسة العسكرية، وأن مصير الرئيس السوري بشار الأسد يقرره الشعب السوري. موقف القاهرة من القرار الأخير قد يطيل أمد الأزمة السياحية فيها، فموسكو قد تؤجل تدفق سياحها إلى مصر، فلموسكو نفس حقوق الرياض، فالأخيرة قررت وقف إمداداتها النفطية لمصر بسبب تأييد القاهرة لقرار روسي في مجلس الأمن حول حلب. الاستشكال الذي أوقعت مصر نفسها فيه مع موسكو غير مفهوم، خاصة أن موقف روسيا الممانع للقرار الأمريكي يصب في صالح مصر، فجلسة التصويت على القرار الأخير سبقها اتهامات روسية للغرب، خاصة بريطانيا بعرقلة العملية السياسية في سوريا ودعم الإرهاب، وقال المندوب الروسي في مجلس الأمن، فلاديمير سافرونكوف: بريطانيا تدعم الإرهاب في مصر وأنها خلف تفجير الكنيستين في طنطا والإسكندرية، وبغض النظر عن صحة الاتهامات الروسية لبريطانيا من عدمها نجد أن القاهرة تقع في دائرة اهتمامات موسكو. مصر والتصويت ضد جيشها الأول من غير المقبول أن نجد مصر تصوت لصالح إسرائيل «عدوها الأزلي» في مجلس الأمن وتوافق على انضمام الكيان الصهيوني لعضوية لجنة الاستخدامات السلمية للفضاء، أو أن نجدها تسحب مشروع قرار ضد الاستيطان الإسرائيلي في هذا المجلس، وفي المقابل تقوم بالتصويت لصالح قرارات ضد سوريا، ومن ورائها المؤسسة العسكرية المتمثلة بالجيش العربي السوري الذي شاركها حروبها في الماضي ضد العدو الإسرائيلي، وعلى قاعدة كليلة ودمنة «أكلنا يوم أكل الثور الأبيض»، فعلى مصر أن تعني أن التحركات الأمريكية تجاه الجيش السوري، لا تختلف عن تحركاتها تجاه الجيش العراقي، والذي تم تدميره بالكامل بحجة أسلحة الدمار الشامل. ومصر تعلم أكثر من غيرها المراوغة الأمريكية حول أسلحة الدمار الشامل، خاصة أن طرفًا مصريًّا كان مسؤولًا عن التفتيش في العراق وهو رئيس وكالة الطاقة الذرية السابق، محمد البرادعي، والذي قال في أحدث تصريحاته حول هذا الموضوع: حتى يومنا هذا لم نجد أي دليل على أن العراق أعاد، برنامجه للأسلحة النووية، ولا نرى أي خطر ولا حالي ولا غير حالي، وكلنا يعلم أن الولاياتالمتحدة لم تدر بالًا لاستخدام الرئيس العراقي الأسبق، صدام حسين، للأسلحة الكيماوية في مجزرة حلبجة التي حدثت في الأيام الأخيرة للحرب العراقية الإيرانية مارس 1988، والتي راح ضحيتها أكثر من 5500 من الأكراد العراقيين من أهالي المدينة في ذلك الحين، وبالتالي التلاعب الأمريكي بالملف الكيماوي وأسلحة الدمار الشامل يخضع للمزاج الأمريكي بالطريقة التي يحقق من خلالها مصالحه ومصالح العدو الإسرائيلي، مع الأخذ بالاعتبار أن أمريكا هي الدولة الوحيد التي استخدمت الأسلحة النووية ضد اليابان وراح ضحيتها مئات الآلاف. ويرى مراقبون أن تصويت مصر لقرارات ضد سوريا في هذا التوقيت، أوقعها في فخ التناقض فمن جهة تقول مصر، إنها تكافح الإرهاب، ومن جهة أخرى تدعم الجهات الغربية التي تعمل على تعطيل المؤسسات الفاعلة في مكافحة الإرهاب، فالجيش السوري معروف بأنه يشكل جبهة قوية لمكافحة الإرهاب، خاصة تنظيمي داعش والنصرة الإرهابيين، وتمرير مثل هكذا قرار، والذي يلوح باللجوء إلى الفصل السابع من ميثاق الأممالمتحدة في حال ثبت تورط النظام السوري بالهجوم بالدلائل أو فبركتها كما حدث في العراق، من شأنه أن يقوض التحركات الجادة في مكافحة الإرهاب. ويرى أخرون بأن التصويت المصري الأخير لصالح المشروع الأمريكي لا يمكن فصله عن سياقه الزماني، فقبل أيام كان الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي في زيارة لواشنطن طلب فيها زيادة المعونات الأمريكية لمصر، وخلال هذه الزيارة تجاهل الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، ملف حقوق الإنسان في مصر، وسبق هذه الزيارة إجراء سعودي تمثل بإعادة شحناتها النفطية التي كانت قد أوقفتها إلى القاهرة.