تغير واضح في اللهجة الأمريكية طرأ مؤخرًا على حديث السياسيين الأمريكيين، حيث خرج وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون، وسفيرة الولاياتالمتحدة في الأممالمتحدة نيكي هيلي، ليؤكدا على عدم الاهتمام بمسألة رحيل الأسد من عدمه، لتصبح اللهجة الأمريكية أكثر اقترابًا من نظيرتها الروسية. كشفت سفيرة الولاياتالمتحدةالأمريكية لدى الأممالمتحدة نيكي هيلي، عن أن سياسة بلادها في سوريا لم تعد تركز على إزاحة الرئيس السوري بشار الأسد، حيث قالت السفيرة: يختار المرء المعركة التي يريد خوضها، وعندما ننظر إلى هذا الأمر نجد أنه يتعلق بتغيير الأولويات، أولويتنا لم تعد الجلوس والتركيز على طرد الأسد، أولويتنا هي كيفية إنجاز الأمور ومن نحتاج للعمل معه لإحداث تغيير حقيقي للناس في سوريا. وعن التغير في رؤية الإدارة الأمريكية الجديدة، قالت هيلي: لا يمكننا بالضرورة التركيز على الأسد بالطريقة التي فعلتها الإدارة السابقة. يبدو أن تصريحات السفيرة الأمريكية لدى الأممالمتحدة قد أثارت غضب المعارضة السورية المدعومة من واشنطن، التي تجتمع في جنيف في الوقت الحالي لبحث الأزمة السورية، حيث ردت الأخيرة على هذه التصريحات بقولها: إنه من المؤسف سماع رسائل متضاربة من أمريكا بشأن سوريا، وحثّت واشنطن على الاضطلاع بدور قيادي، وألا تركز فقط على قتال داعش، وقال أحد المتحدثين باسم الهيئة العليا للمفاوضات، منذر ماخوس: لا يمكن أن تقبل المعارضة بأي دور لبشار الأسد في أي مرحلة من المراحل المقبلة، وليس هناك أي تغيير في موقفنا. تصريحات هيلي، جاءت بعد ساعات قليلة من تصريحات مماثلة أطلقها وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون، عقب لقاء جمعه مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ورئيس الوزراء التركي بن علي يلديريم، في أنقرة، حيث قال إن مصير الرئيس السوري بشار الأسد، يحدده الشعب السوري. وقد جاءت تصريحات تيلرسون، في الوقت الذي زار فيه تركيا ليكون أول مسؤول أمريكي رفيع المستوى يزور أنقرة بعد تنصيب الرئيس ترامب، وهي الزيارة التي جاءت أيضًا عشية إعلان أنقرة انتهاء عملية "درع الفرات" التي كانت قد أطلقتها القوات التركية في أغسطس الماضي، واستولت خلالها على مدن سورية منها "جرابلس والراعي ودابق والباب" وكانت تنوي دخول معارك جديدة للاستيلاء على مدينة الرقة. المتابعون لاستراتيجية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بشأن الأزمة السورية يعرفون جيدًا أنه لم يظهر معاداته للرئيس السوري، بشار الأسد، منذ أن كان مرشحًا للرئاسة، حيث سبق أن أكد ترامب خلال حملته الانتخابية أن استهداف بلاده النظام السوري أو دعمها المعارضة السورية المسلحة قد ينتهي بمواجهة روسيا، وشدد ترامب حينها على أنه "يجب التركيز أكثر من قبل على قتال تنظيم داعش في سوريا بدلًا من التركيز على إزاحة الأسد من السلطة"، لكن الجديد في تصريحات سفير أمريكا في الأممالمتحدة ووزير الخارجية الأمريكي، يكمن في إعلان واشنطن صراحة عن هذه السياسة المغايرة تمامًا لسياسة الرئيس السابق باراك أوباما، الذي انصبت جهوده طوال 6 سنوات من عمر الأزمة السورية، على خروج "الأسد" من السلطة. سبق أن ظهرت هذه الاستراتيجية أيضًا في زيارة عضوة مجلس الشيوخ ولجنة الشؤون الخارجية الأمريكية تولسي غابارد، إلى سوريا سرًا في يناير الماضي، عقب تولي الرئيس ترامب، مهام منصبه، حيث التقت بالرئيس السوري بشار الأسد، وبعدما انكشف أمر الزيارة دافعت غابارد، عن موقفها بقولها: "أجل لقد التقيت بالرئيس السوري، والسبب الرئيس الذي دفعني لزيارة سوريا هو معاناة الناس التي كانت تُثقل قلبي، وقد أردت البحث عن طريقة للتعبير عن حب واهتمام الأمريكيين بالشعب السوري، كما رغبت أن أرى بنفسي ما يحصل هناك"، وبينت أنها لم تكن تخطط في البداية للقاء الأسد، ولكن "عندما سنحت الفرصة قابلته لأنني شعرت أنه إذا كان المرء مهتمًا فعلا بالشعب السوري ومعاناته فيجب أن يكون قادرًا على مقابلة أي شخص يمكن أن يكون للقاء معه فرصة لتحقيق السلام، وهذا بالضبط ما تحدثنا عنه"، وأضافت غابارد حينها: مهما كان رأي المرء بالرئيس الأسد فالواقع يبقى أنه رئيس سوريا، وأي اتفاق سلام سيتطلب إجراء مباحثات معه، الشعب السوري سيحدد مستقبله ومستقبل حكومته ولكن المهم هو مصلحة الناس. وفي ذات الإطار، قالت المسؤولة الأمريكية: قابلت الناس في شوارع دمشق وحلب وقد تساءلوا عن سبب دعم أمريكا وحلفائها وتقديم الأسلحة لداعش والنصرة وأحرار الشام والتنظيمات الإرهابية التي تقتل السوريين وأنا لم يكن لدي رد، وختمت بالقول: التنظيمات الأقوى على الأرض هي داعش والنصرة، والناس في سوريا يعرفون أنه حال سقوط الأسد فإن التنظيمات مثل داعش والنصرة التي تقتل المسيحين وتقتل الناس التي ترفض أعمالهما الإرهابية ستحكم سوريا. ربما تكون هذه التصريحات والخطوات الأمريكية الأخيرة بداية لفتح قنوات اتصال دبلوماسية بين القيادة الأمريكية ونظيرتها السورية المتمثلة في الرئيس بشار الأسد، وربما أيضًا تكون مقدمة للتعاون بين القوات الأمريكية والروسية في المعركة المرتقبة والتي تعتبر الأكبر والأهم في مدينة الرقة السورية، لكن الأيام المقبلة ستكشف حقيقة التغير الجذري الأمريكي تجاه سوريا، وهل هذه التصريحات الأمريكية هي مجرد مناورة هدفها التقارب مع روسيا لفترة أو هدف معين؟، أم أنها تغير حقيقي سيتبعه تعاون روسي أمريكي سوري قريب؟.