زيارات ملغومة يقوم بها كل من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والملك الأردني عبد الله الثاني ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس للبيت الأبيض، حيث من المقرر أن يزور السيسي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في 3 إبريل، تتبعها زيارة لملك الأردن في 5 إبريل، على أن يزور أبو مازن واشنطن منتصف الشهر الجاري. بالنسبة للمملكة السعودية صحيح أنها كانت قد زارت البيت الأبيض منتصف الشهر الجاري، لكن هذا لا يعفيها من تحركات شهر إبريل، فمن ضمن مخرجات القمة العربية الأخيرة دعوة وجهها الملك السعودي، سلمان بن عبد العزيز، إلى الرئيس المصري لزيارة المملكة في شهر إبريل الجاري أيضًا، وهنا لا يمكن التغافل عن نقطة عودة الامتداد النفطية السعودية لمصر أثناء الزيارة السعودية لواشنطن. على جانب آخر سيحسم الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، مصيره السياسي وقدرته على تعزيز صلاحياته إذا ما استطاع تحويل نظام الحكم في تركيا من برلماني لرئاسي في استفتاء 16 إبريل، وهنا يجب التركيز على المشادات الكلامية التي نشأت مؤخرًا بين أنقرة وطهران. إبريل شهر التسويات بدايةً لا يمكن عند الحديث عن تسوية ما يدور في المنطقة إغفال ملفات مهمة كالسوري واليمني والعراقي والليبي، ولكن الأطراف التي أبدت نشاطًا إبريليًّا مؤخرًا، سواء الولاياتالمتحدة أو مصر أو الأردن أو السعودية أو تركيا، لا تحمل أجندة متوافقًا عليها في سوريا، فبين واشنطنوأنقرة ما صنع الحداد، ليس فقط من خلال النزاع الدائر بينهما بسبب توجه الإدارة الأمريكية نحو الأكراد وتخليها عن تركيا في التحضير لمعركة الرقة، بل لموقف أمريكا الجديد أيضًا أن مصير الرئيس السوري، بشار الأسد، يحدده الشعب السوري، وأن إسقاط نظامه لم يعد أولوية لواشنطن، والموقف الأمريكي الجديد يصطدم أيضًا بالموقف السعودي الذي ما فتئ يردد أن إسقاط الأسد أولوية سعودية، وعلى الرغم من وجود توافق سعودي أردني شبه مطلق فيما يخص الملف السوري، إلا أنه لا يوجد توافق مصري سعودي حول الأزمة السورية، كما أن هناك تباينات حول الملف اليمني، وهنا على القاهرة الأخذ في عين الاعتبار بالنشاط الملحوظ للدب الروسي في اليمن، في ظل علاقاتها مع موسكو. وبالنسبة للملف العراقي فكل من السعودية وتركيا يمنحان الأجندة المذهبية مرتبة عالية في موقفهما من الحكومة العراقية، بينما تتعامل القاهرة بجدية مع ملف الإرهاب والقضاء على داعش، بدعمها المطلق لتحركات الجيش العراقي. وفيما يخص الملف الليبي فلا توافقات حقيقية بين القاهرةوالرياض، وترامب لم يرسم بعد ملامح التواجد الأمريكي في ليبيا بشكل كامل. المعلن عنه في زيارات إبريل بعض الملفات جرى الإعلان عنها، والبعض الآخر لا يزال طي الكتمان. مصر بالنسبة لمصر جاء في بيان صدر الخميس عن البيت الأبيض بهذا الخصوص، أن الرئيسين، ترامب والسيسي، "سيبحثان دائرة واسعة من القضايا الثنائية والإقليمية، بما في ذلك محاربة تنظيم داعش ودعم السلام والاستقرار في المنطقة"، ومن المتوقع أن تتناول المحادثات أيضًا آفاق تعزيز العلاقات الثنائية بين الولاياتالمتحدة ومصر. الأردن أفادت وسائل إعلام أردنية بأن العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني سيزور البيت الأبيض، للمرة الثانية، منذ تولي ترامب رئاسة البيت الأبيض، وبحسب وكالة "فرانس برس" فإن زيارة الملك عبد الله تأتي في أعقاب القمة العربية التي عقدت مؤخرًا في العاصمة الأردنيةعمان، حيث سيطلع الملك عبد الله ترامب بنتائج القمة، وإمكانية الذهاب لسلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين. أبو مازن حول لقاء عباس بترامب، كشف الرئيس الفلسطيني محمود عباس عن عدم وجود "خطة سلام جديدة أو مبادرات"، وتمسكه "بتطبيق مبادرة السلام العربية دون تعديل"، ولكن مصادر إعلامية عربية أكدت أن الإدارة الأمريكية تطرح على القمة ثلاثة أمور أساسية هامة، هي استبدال عبارة "حل يتوصل له الطرفان" مكان "حل الدولتين"، والحديث مجددًا عن "مفاوضات مفتوحة" دون سقف زمني ولا رعاية دولية، وثالثًا الضغط باتجاه "مؤتمر إقليمي يطلق المفاوضات مجددًا" بدلًا من مرجعية المبادرة العربية. تل أبيب والرابط المشترك يبدو أن الأطراف الأربعة والتي يدور حولها الجدل في شهر إبريل الجاري، وهي الولاياتالمتحدةالأمريكية، مصر، السعودية، الأردن، فلسطين، بالإضافة لتركيا، يوجد بينها توافقات حول ملفين مهمين: الفلسطينيوالإيراني، وكلا الملفين لا تغيب البصمات الصهيونية عنهما. فبالنسبة للقضية الفلسطينية الأطراف العربية والإسلامية النشطة في شهر إبريل كلها تقيم علاقات مع تل أبيب، إما عبر اتفاقيات سلام، أو وجود علاقات دافئة معها، مع التركيز على أن صحفًا عبرية كشفت عن لقاء سري في العقبة جمع السيسي وعبد الله الثاني ومحمود عباس مع رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، بحضور جون كيري وزير خارجية أمريكا السابق مطلع العام الماضي. وهنا نجد أنه لا خيارات تفاوضية كبيرة في جعبة أبو مازن مع ترامب، خاصة أن الرباعية العربية، وهي مصر والأردن والسعودية والإمارات، لوحت منذ وقت مبكر بالبديل السياسي لعباس، متمثلًا في محمد دحلان، كما أن هناك ضغوطًا مالية من قبل الرياض مورست على حكومة أبو مازن، وبالتالي عباس، والمستعد بالفطرة للتسوية مع الكيان الصهيوني في ظل تنسيقه الأمني مع تل أبيب الذي أسفر مؤخرًا عن استشهاد باسل الأعرج، سيذهب دون غطاء عربي له. صحيفة جيروزاليم بوست كشفت نقلًا عن مصادر إسرائيلية أنهم يبحثون في الإدارة الأمريكية إمكانية استضافة مؤتمر بارز خلال الصيف، يجمع قادة من دول الخليج ورئيس السلطة الفلسطينية ونتنياهو، على منصة واحدة لأول مرة، وبحسب الصحيفة العبرية يعتقد المسؤولون الإسرائيليون أن المشاركة العامة مع الرياض وحلفائها الإقليميين ستكون إنجازًا دبلوماسيًّا كبيرًا لإسرائيل. ما كشفته جيروزاليم بوست يتقاطع مع ما علمت به صحيفة معاريف أيضًا، من أن فرضية العمل في محيط الرئيس ترامب هي أن لنتنياهو خيارات تسمح له بالسير في خطوة سياسية كبيرة، وذلك عبر توسيع الحكومة وتحقيق الخطة الاحتياطية القديمة التي بحثها نتنياهو السنة الماضية مع إسحاق هرتسوغ، والتي تعني الاستعداد لحضور مؤتمر إقليمي بمشاركة دول عربية. ويبدو أن الصمت الخليجي والعربي عن تصريحات نتنياهو والتي قال فيها إن هناك دولًا سنّية لا تعتبر إسرائيل عدوة، وعدم انتقادها لهذه التصريحات، يسيران باتجاه هذا التقارب العربي الصهيوني، الذي سيكون ضد القضايا العادلة للقضية الفلسطينية. ومن هنا يمكن التعريج على الملف الإيراني، فإبراز دول الخليج لإيران وكأنها الخطر المحدق للمنطقة يأتي لمحاولة إلهاء الشعوب العربية والإسلامية عن تقاربها مع العدو الصهيوني، فالخليج يتذرع بوجود مواقف مشتركة مع تل أبيب ضد إيران، كالملف النووي الإيراني، يبرر من خلالها أي تقارب مستقبلي مع هذا العدو الصهيوني. حيث كشفت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية أنّ إدارة ترامب تجري محادثات مع عدد من حلفاء واشنطن العرب؛ لتشكيل تحالف ضد إيران، سيتبادل معلومات استخباراتية مع الكيان الصهيوني، دون أن تكون جزءًا منه، لافتةً إلى أنّ الولاياتالمتحدة ستؤمن له دعمًا استخباراتيًّا وعسكريًّا يتخطى الذي توفره للتحالف العربي بقيادة السعودية في اليمن. وفي تقريرها نقلت الصحيفة عن 5 مسؤولين عرب قولهم إنّ التحالف سيضم السعودية والإمارات العربية المتحدة ومصر والأردن، مشيرةً إلى إمكانية مشاركة بلدان عربية أخرى فيه، وموضحةً أنّ الدول المذكورة ستخضع لبند دفاعي شبيه بذلك المطبّق في إطار حلف شمال الأطلسي أو "الناتو"، والذي يعتبر بموجبه الهجوم على عضو واحد هجومًا على كل الأعضاء. ويرى مراقبون أنه لا يمكن التنبؤ بما قد يحدث في الساحة العالمية، فالولاياتالمتحدة لم تعد اللاعب الأوحد في الكرة الأرضية، فموسكو وبكين حاضرتان بقوة على صعيد الساحة السياسية والعسكرية الدولية.