فشل مجلس الأمن الدولي، خلال جلسة تشاور طارئة، أمس، في الإجماع على ما إذا كانت التجربة التي أجرتها إيران على صاروخ بالستي متوسط المدى، تعتبر انتهاكًا للقرارات الدولية، ولا سيما القرار 2231 أم لا، وعُقدت الجلسة بطلب أمريكي وبخلفية إسرائيلية، بعدما طالب السفير الإسرائيلي في الأممالمتحدة، داني دانون، مجلس الأمن بالتحرك ردًا على هذه التجربة الصاروخية الإيرانية. هدف جلسة مجلس الأمن: أجرت الجمهورية الإسلامية الإيرانية تجربة على صاروخ بالسيتي متوسط المدى، تضاف إلى تجاربها الصاروخية السابقة خلال الأشهر الأخيرة، وكان البيت الأبيض بَيَّنَ الاثنين، أن إيران اختبرت الأحد الماضي صاروخا بالستيا، انفجر على مسافة 630 ميلا، بعد أن أطلق من موقع قرب "سيمنان"، مشيرا إلى أن آخر تجربة أجريت على هذا النوع من الصواريخ كانت في يونيو 2016. وعلى الرغم من أن طهران لم تؤكد ولم تنف إطلاق صاروخ بالستي، إلا أن هذه التجربة في حال ثبوتها، تعد الأولى لإيران في عهد الرئيس الأمريكي الجديد، دونالد ترامب، الذي يبيت في نفسه نوايا عدوانية تجاه طهران وملفها النووي، فلقد وصف ترامب أثناء حملته الانتخابية الاتفاق الإيراني ب"الكارثي"، وقال عنه إنه "الاتفاق الأسوأ الذي جرى التفاوض عليه حتى تاريخه"، وأبلغ الناخبين بأنه إما سيلغيه أو سيسعى لإبرام اتفاق أفضل، وقد وافق على مناقشته مع المعارِض الأقوى للاتفاق، رئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، فور تسلّمه مهامه في البيت الأبيض، وبالتالي تحاول واشنطن الالتفاف على الاتفاق النووي من خلال البالستي الإيراني، والذي زعمت واشنطن أنه ينتهك التزامات طهران بموجب الاتفاق النووي 2015، إلا أن إيران دافعت عن نفسها بأن التجارب الصاروخية لا تخترق الاتفاق النووي فصواريخها دفاعية وغير قادرة على حمل رؤوس نووية. واقع جديد: في يوليو 2015 توصلت مجموعة الخمسة زائد واحد، التي تضم كلًا من الولاياتالمتحدةالأمريكية، بريطانيا، فرنسا، روسيا، الصين بالإضافة إلى ألمانيا، إلى اتفاق نووي مع إيران، يتم بموجبه رفع العقوبات المفروضة على طهران منذ عقود، ويسمح لها بتصدير واستيراد أسلحة، مقابل منعها من تطوير صواريخ نووية، وقبولها زيارة مواقعها النووية، الأمر الذي أغضب كلًا من تل أبيب والرياض، خاصة أن القرار جاء بمباركة الرئيس الأمريكي السابق، باراك أوباما. وفي ظل احتدام الصراع الرئاسي على البيت الأبيض بين ترامب والمرشحة الديمقراطية، هيلاري كلينتون، حاول ترامب كسب أصوات اللوبي الصهيوني في أمريكا بمنحهم بعض الوعود في حال فوزه، كنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس وتهديد الاتفاق النووي الإيراني، وجلسة مجلس الأمن الطارئة بالأمس تسير في محاولة تنفيذ هذه الوعود، ولكن هناك واقعا جديدا بدأ يتشكل حول الاتفاق النووي قد يفضي بمعادلة جديدة طرفاها كل من إيران، روسيا، الصين، فرنسا، بريطانيا، بالإضافة لألمانيا، مقابل موقف الولاياتالمتحدةالأمريكية، فباستعراض سريع لمواقف الدول الراعية للاتفاق النووي يتبين ذلك، وبغض النظر عن إعراب هذه الدول عن قلقها من تطور القدرات الصاروخية لإيران، إلا أنها أبدت تمسكًا ملموسًا بالاتفاق النووي. فرنسا: اختتم أمس وزير الخارجية الفرنسي جان مارك إيرولت، زيارة إلى العاصمة الإيرانية استمرت ليومين، تزامنت مع وقت تشهد فيه العلاقات بين طهران والقيادة الأميركية الجديدة توترا بسبب الملف النووي والقرارات المتعلقة بالهجرة، والتي وصفها الوزير الفرنسي بأنها "خطيرة" وقال إنه يجب التراجع عنها. وفي رسالة فرنسية مباشرة إلى ترامب لا تقبل التأويل تظهر تمسك باريس بالاتفاق النووي، قال إيرولت "إن فرنسا ترفض أي مبادرة تتعارض مع الاتفاق النووي، وتعارض مفاوضات جديدة بشأن ذلك، ويساورنا بعض القلق حيال بعض مواقف الرئيس الأمريكي"، كما تعهدت فرنسا بالدفاع عن الاتفاق النووي مع إيران. ويبدو أن هناك إرادة باريسية لتعزيز العلاقة مع طهران، ويرجع مراقبون السبب في ذلك إلى أن التطرف الذي انتشر في المنطقة قد وصل إلى فرنسا بعد وقوفها إلى جانب دول كتركيا والسعودية فيما يتعلق بالملف السوري، بالإضافة للميزات الاقتصادية في قطاع الطاقة وغيره. وعلى عكس الولاياتالمتحدة التي منعت دخول الإيرانيين إلى أراضيها، صدر قرار فرنسي بتسهيل وتسريع إصدار تأشيرات الدخول للإيرانيين، وتعزيز العلاقات من طهران من خلال انعقاد المؤتمر الاقتصادي الأول وهو ما أفضى إلى اتفاقيات جديدة تضاف إلى ما تم توقيعه خلال زيارة الرئيس الإيراني، حسن روحاني إلى فرنسا قبل عام. روسياوالصين: موقف روسيا الداعم لإيران معروف، وغالبًا ما يتسق الموقف الروسي مع الصيني في القضايا المتعلقة بإيران، حيث رأت وزارة الخارجية الروسية، أمس الثلاثاء، أن إيران لا تنتهك قرار مجلس الشرطة الدولي حول برنامجها النووي في حال أجرت تجربة لإطلاق صاروخ بالستي متوسط المدى، ورأت الدعوة إلى لقاء عاجل لمجلس الشرطة بهذا الشأن مسعى إلى "تأجيج الوضع". وأكد نائب وزير الخارجية سيرغي ريابكوف، أن القرار 2231 الصادر عن مجلس الشرطة الدولي لا ينص على منع إيران من القيام بمثل هذه الأفعال، في إشارة إلى التجربة الصاروخية، وبالنسبة للصين فقد تتخذ مواقف أكثر اتساقًا مع إيران، في ظل النزعة العدائية التي يحملها ترامب لكل من بكينوطهران. ألمانياوبريطانيا: بالنسبة لألمانيا، فقد أعلن الناطق باسم الخارجية الألمانية، مارتن شيفر، في 16 يناير الجاري، أن ألمانيا تجري مباحثات مع الإدارة الأمريكية الجديدة للحفاظ على الاتفاق النووي الإيراني، وقال شيفر: "عندما تحدثنا (مع واشنطن)، الاتفاقيات كانت قائمة، وهي مازالت قائمة، ولدينا اهتمام للعمل لكي تبقى هذه الاتفاقيات الصحيحة سارية". ولا يختلف حال بريطانيا عن نظرة برلين للملف النووي الإيراني، حيث أكد وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون على هامش مشاركته باجتماع وزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي، 16 يناير، عزم بلاده على مواصلة العمل بالاتفاق حول البرنامج النووي الإيراني، لافتا إلى أن هذا الاتفاق يمنع طهران من امتلاك سلاح نووي. ويبدو أن ترامب، الذي ضرب عرض الحائط بمصالح الدول الأوروبية من خلال دعمه لانفصال بريطانيا عن الاتحاد الأوروبي، وتهكمه على الناتو والدور الأمريكي لحماية الدول الأوروبية، بالإضافة لتقاربه مع موسكو على حسابها، جعل أوروبا تعزف على نفس منواله رافعةً شعار "مصالح أوروبا أولًا" في قبالة شعار ترامب "أمريكا أولًا". ويرى مراقبون أن إلغاء الاتفاق النووي أمر شبه مستحيل، فالإجراءات التي يمكن أن يتخذها مجلس الأمن إذا توصل إلى أن إيران أخلت بالاتفاق النووي مع الدول الست الكبرى بهذه التجربة البالستية معقدة جدًا، فإذا اتفقت اللجنة الأممية بالإجماع وقدمت تقريرًا يؤكد أن هناك انتهاكًا واضحًا لبنود الاتفاق النووي لمجلس الأمن، يستطيع المجلس وقتها أن يعود لموضوع العقوبات، لكن من الصعب أن يحدث اتفاق إجماعي داخل اللجنة الأممية وهذا أمر غير وارد، فاللجنة مكونة من جميع أعضاء مجلس الأمن، أي حتى يكون هناك بحث لمسألة العقوبات يجب أن يكون هناك إجماع، والموقف الروسي واضح هنا، إذ يعتبر أن ما قامت به إيران من تجارب صاروخية لا يشكل خرقًا للاتفاق.