يبدو أن القرارات المتسرعة والمفاجئة للرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، لم تثر فقط حفيظة الدول العربية المعنية بالقرار، بل امتدت لتثير غضب العديد من الدول الأوروبية التي تمتلك علاقات جيدة مع أمريكا، فمنذ اتخاذ الرئيس ترامب قرار منع استقبال رعايا السبع دول، العراق وسوريا وإيران والصومال والسودان واليمن وليبيا، في الولاياتالمتحدة، لم يهدأ حديث دول العالم حول هذا القرار الذي اعتبره الكثير من السياسيين والرؤساء والزعماء دعمًا أمريكيًّا خفيًّا للإرهابيين. بريطانيا أيضًا كان لها نصيب من الاضطرابات التي أثارها قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، فعقب الإعلان عن قرار ترامب ثار الشارع البريطاني منددًا بسياسة ترامب العنصرية الداعمة للإرهاب والمُحرضة على الإسلام والمسلمين، حيث شهدت العديد من المدن البريطانية مظاهرات احتجاجية، منها لندن وغلاسغو وإدنبره وكارديف ونيوكاسل وشيفيلد واكسفورد وكامبريدج وبرايتون وغلوستر وليدز وليفربول وليستر، ومانشستر، وداونغ ستريت. وأطلق المتظاهرون شعارات "«لا للعنصرية» و«لا لترمب» و«لن نصافح الفاشيين» و«أنا مناصر للمسلمين» و"«العار على ماي»، في إشارة إلى رئيسة الوزراء البريطانية، تيريزا ماي، التي وجهت دعوة الزيارة إلى ترامب خلال زيارتها الأخيرة إلى واشنطن في 28 يناير الماضي، نيابة عن الملكة البريطانية، إليزابيث الثانية، كما أطلق نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي في بريطانيا حملة تحت تسمية "قفوا ضد ترامب: إمنعوا زيارته لبريطانيا". الغضب البريطاني وصل إلى توقيع عدد من المناهضين لزيارة ترامب على عريضة إلكترونية بعنوان «لا للسماح لدونالد ترامب بزيارة للمملكة المتحدة»، تطالب بالسماح للرئيس الأمريكي بدخول المملكة بصفته رئيسًا للإدارة الأمريكية أي تكون زيارته مجرد زيارة رسمية، ولكن يجب عدم دعوته للقيام بزيارة دولة؛ لأن ذلك سيتسبب في الحرج لجلالة الملكة، وزيارة الدولة هي الزيارة التي تستقبل فيها الملكة اليزابيث الثانية الزوار بوصفها رأس الدولة، وتعتبر تلك الزيارات التعبير الأعلى عن العلاقات الودية بين بلدين، وقد جمعت هذه العريضة أكثر من مليون ونصف المليون توقيع. الأزمة امتدت أيضًا إلى البرلمان، حيث من المقرر أن يعقد البرلمان البريطاني جلسة في 20 فبراير الجاري؛ لمناقشة ما باتت تسمى ب«زيارة الدولة» التي سيقوم بها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لبريطانيا، بعد توقيع 1.6 مليون شخص عريضة تطالب بخفض مستوى زيارته إلى «زيارة رسمية» وفق مطالب الموقعين على العريضة. في الوقت ذاته، وصلت إلى البرلمان البريطاني عريضة مناوئة لتلك العريضة الشعبية تطالب بأن يقوم ترامب ب«زيارة دولة» للمملكة، وجمعت العريضة الثانية 129 ألف توقيع، مما يلزم نواب البرلمان بمناقشتها أيضًا، على أن يتم ذلك في الوقت ذاته، حيث تُلزم القواعد المعمول بها في بريطانيا الحكومة بإصدار رد رسمي على أي عريضة، في حال جمعت أكثر من 10 آلاف توقيع، وإذا وقعها أكثر من 100 ألف شخص فيتعين على البرلمان البريطاني النظر في القضية. من جانبها كشفت صحيفة ديلي ميل البريطانية عن أن 70 نائبًا بالبرلمان البريطاني صوتوا بمنع الرئيس الأمريكي من إلقاء خطاب من البرلمان خلال زيارته المرتقبة والمثيرة للجدل، وعدم السماح له بالوقوف للتحدث من قاعة ويستمنستر التاريخية، أو غيرها من قاعات القصر الملكي. من جانب آخر، كشفت الصحيفة البريطانية عن عدم ارتياح قصر باكنجهام لمعالجة رئاسة الحكومة للأوضاع المتعلقة بالزيارة، فيما أشار مساعدون إلى أن الملكة كانت تتصرف فقط بناء على توصيات من رئيسة الوزراء، تيريزا ماي، وفي الوقت ذاته اقترح اللورد ريكيتس، الذي شغل منصب السكرتير الدائم بوزارة الخارجية ما بين عامي 2006 و2010، قبل أن يصبح مستشارًا للأمن القومي لرئيس الوزراء، ديفيد كاميرون، تأجيل الزيارة، قائلًا، إن زيارة ترامب سابقة لأوانها، وأوضح ريكيتس أنه كان يجب اتخاذ قرار أكثر حكمة بتأجيل الزيارة والانتظار لمعرفة ما ستظهره شخصية ترامب كرئيس قبل تقديم اقتراح للملكة بدعوته لزيارة بريطانيا، مضيفًا الآن وُضعت الملكة في موقف صعب للغاية. وجاء رأي الحكومة البريطانية مغايرًا لرأي الشارع، حيث أعلن وزير الخارجية البريطاني، بوريس جونسون، الاثنين الماضي، أن الحكومة تدعم زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للمملكة، رغم اعتراض أعداد كبيرة من البريطانيين عليها، وشدد جونسون في كلمة له أمام البرلمان البريطاني، على أنه يجب الاعتراف بأن ترامب رئيس منتخب لأقرب وأهم حلفاء بريطانيا، مضيفًا: لا يوجد أي سبب على الإطلاق يمكن أن يمنع هذه الزيارة الرسمية، وثمة أسباب عدة لصالح الزيارة، وأضاف جونسون أنه لا يعتبر سياسة ترامب بشأن الهجرة مثيرة للجدل للغاية، مؤكدًا أنها بالطبع متضاربة ومثيرة للقلق، مضيفًا: أجدد القول إنه ليس النهج الذي تسلكه الحكومة. من جانبها قالت رئيسة الوزراء البريطانية، تيريزا ماى، إنها «سعيدة بشدة» بدعوة الرئيس الأمريكى لزيارة بريطانيا، وذلك رغم وصول أعداد من طلبوا حظر زياراته للبلاد إلى أكثر من مليون شخص، وأضافت ماي أنها تتطلع للترحيب بالرئيس خلال زيارته فى وقت لاحق من العام الحالي، وتابعت: إن الولاياتالمتحدةالأمريكية واحدة من الدول القريبة منا ونتطلع لاستضافة الرئيس في وقت لاحق من العام الحالي. مما لا شك فيه أن بريطانيا لا تريد خلق أزمة مع القيادة الأمريكية الجديدة المتمثلة في ترامب، خاصة أن أمريكا تعتبر المنفذ الجديد الذي تضع عليه المملكة المتحدة آمالًا كبيرة في مساعدتها اقتصاديًّا عقب الخروج من الاتحاد الأوروبي، حيث تولي رئيسة الوزراء البريطانية، تيريزا ماي، أهمية كبيرة لعلاقة بلادها التجارية مع الولاياتالمتحدة، خاصة بعد أن وافق ترامب على البدء فورًا بمحادثات مع بريطانيا لتوقيع اتفاق تجاري جديد، لكن من ناحية أخرى فإن الحكومة البريطانية لا تريد أيضًا خلق أزمة مع الشارع البريطاني في تلك الظروف التي تمر بها المملكة، الأمر الذي يضع المملكة والبرلمان والحكومة بين فكي كماشة قد يحاولان الخروج منه بدبلوماسية.