من الواضح حتى الآن أن الخاسر الأكبر في مفاوضات آستانة هوالفصائل السورية المسلحة، فمن الناحية الشكلية انقسمت المعارضة السورية بين من حضر آستانة ومن تغيب عنها، فروسيا ستجري اليوم الجمعة اجتماعًا على حدى مع الفصائل السورية المسلحة التي لم تحضر آستانة، وفي حال حضور هذه الفصائل إلى موسكو فمن المفترض أن يتم إطلاعهم على ما تم الاتفاق عليه. ومن الناحية العملية، فآستانة أشعلت الصراع العسكري والميداني بين الفصائل السورية المسلحة، خاصة في إدلب، وهي المنطقة التي تم تجميع الفصائل المسلحة السورية فيها بعد خسارتهم المدوية في حلب. المعارضة تتناحر مع بعضها عاد التوتر ليخيم على جبل الزاوية في ريف إدلب الجنوبي بين "حركة أحرار الشام"، وجماعات بايعت تنظيم "جبهة فتح الشام" الإرهابية، وقد زادت تلك التطورات من حجم التوتر بين الفصائل السورية المسلحة ليصل إلى حد إعلان فصائل المعارضة صراحة أنها في معركة بقاء ضد "جبهة فتح الشام". وانضمت أمس ستة فصائل معارضة إلى حركة "أحرار الشام" في شمال غربي سورية، حيث تعرضت فصائل من "الجيش السوري الحر" إلى هجوم كبير شنته جبهة "فتح الشام"، حسبما أعلنت الحركة في بيان، وتقود الفصائل المواجهات ضد "فتح الشام"، متمثلة بمن انضوت تحت راية حركة "أحرار الشام"، وأبرزها: "جيش الإسلام (قطاع إدلب)، وألوية صقور الشام، وكتائب ثوار الشام، والجبهة الشامية (قطاع حلب الغربي)، وجيش المجاهدين". وكانت "فتح الشام" التي كانت تعرف من قبل باسم "جبهة النصرة" قد شنت هجومًا على عدد من فصائل "الجيش الحر" في شمال غربي سوريا الاثنين الماضي، حيث سحقت فتح الشام "جيش المجاهدين" وهو أحد فصائل الجيش السوري الحر في هجوم يهدد بتوجيه ضربة قوية لجناح المعارضة السورية المفاوض؛ من أجل عرقلة محادثات السلام التي تدعمها روسيا. وقالت الجبهة فتح الشام في بيان إن أعداءها يسلمون مواقعها للتحالف الذي تقوده الولاياتالمتحدة، موضحةً أنها "أُجبرت على اتخاذ إجراء استباقي من أجل وأد مؤامرات تحاك ضدها". وهو الأمر الذي دفع "أحرار الشام" لأخذ منحى تصعيدي ضد فتح الشام، وقالت في بيان لها إن "أي اعتداء على أحد أبناء الحركة المنضمين لها أو مقراتها هو بمثابة إعلان قتال، لن تتوانى أحرار الشام في التصدي له وإيقافه مهما تطلب من قوة". وكانت أحرار الشام، وهي فصيل إسلامي رئيسي قاتل في إدلب وحضر اجتماع آستانة، وجهت نداءً إلى المتقاتلين "لإيقاف الاقتتال الحاصل بأي شكل من الأشكال"، واتهمت "فتح الشام" برفض جهود الوساطة التي قبلها "الجيش السوري الحر". يذكر أن "أحرار الشام" كانت قد تحالفت مع مجموعات تابعة للجيش السوري الحر. وأشارت مصادر سورية معارضة إلى وقوع اشتباكات بين عناصر "أحرار الشام" و"فتح الشام"، في منطقة قميناس في ريف إدلب الجنوبي الشرقي، لانتزاع السيطرة على المنطقة تزامنًا مع إطلاق نار متقطع في جبل الزاوية في القطاع الجنوبي من ريف إدلب. وتحدثت مصادر المعارضة عن وقوع خسائر بشرية في صفوف الجانبين، وأكدت اندلاع الاشتباكات في عدة قرى وبلدات في جبل الزاوية، بينها كنصفرة وإبلين الخاضعتان ل"فتح الشام"، وفي قرى بليون ومشون وابديتا التي استعادتها "أحرار الشام" من "فتح الشام" بعد قتال عنيف وهجوم مباغت من قبل "فتح الشام"، عقب هدوء نسبي ساد المنطقة ليل الاثنين الماضي. وفي هذه الأثناء تستمر العديد من الجهات المحلية هناك في مساعي الوساطة لوقف الاقتتال بين الزمر المسلحة الموالية "لفتح الشام" والمناهضة لها، فمن جهتها أعلنت حركة نور الدين الزنكي الارهابية وقوفها على الحياد في القتال الدائر في الشمال، وأكدت الحركة في بيان لها أن حركة نور الدين الزنكي "تقف من هذا القتال موقفًا حياديًّا من الطرفين، بعد أن بذلت جهودًا للإصلاح بين الطرفين، ولكن لم تجد آذانًا مصغية لسماع النصيحة، ودعت الحركة الطرفين المتنازعين إلى "تحكيم شرع الله، وأن يتذكروا ما حل بأفغانستان والعراق والجزائر من هزيمة نكراء جراء الاقتتال الداخلي". ويبدو أن اجتماعات العاصمة الكازاخية أشعلت نيران الخصومة ولغة التخوين التي كانت موجودة قبل آستانة، فلغة التخوين انتشرت بين الفصائل المسلحة بعد خسارتهم لمعركة حلب، وفي 21 يناير الجاري قتل عشرات من "جبهة فتح الشام" في غارات نفذتها طائرات لم تحدد هويتها في محافظة حلب شمال سورية، وتبنتها فيما بعد القوات الأمريكية، وقتها اتهمت فتح الشام بعض الفصائل السورية بإعطاء واشنطن إحداثيات لمواقع عسكرية تابعة لها. وفي يوم الجمعة الماضية قامت فتح الشام بالهجوم على حاجز مصيبين ومعرشورين وبدعم من جماعة جند الأقصى، وحاولت حصار جبل الزاوية، وهو الأمر الذي يشير إلى حالة الانقسام الشديدة التي طالت بنية المعارضة السورية المسلحة، فحتى أحرار الشام التي انضمت لها فصائل مسلحة لقتال جبهة النصرة، هي بالأساس تقع ضمن دائرة الانقسامات الداخلية، ففي سبتمبر الماضي أفادت مصادر مقربة من حركة "أحرار الشام" أن ألوية "صقور الشام" انفصلت عن الحركة بعد أكثر من عام على الاندماج، بالإضافة إلى الانقسامات الداخلية في صفوفها ما بين مؤيد للمفاوضات ومعارض لها، وما بين معارض لقتال النصرة ومؤيد لقتالها. هذا وتعد حركة أحرار الشام من كبرى الفصائل الإسلامية المسلحة، وشكلت بعد اتحاد أربعة فصائل إسلامية سورية، وهي كتائب أحرار الشام وحركة الفجر الإسلامية وجماعة الطليعة الإسلامية وكتائب الإيمان المقاتلة أواخر 2011.