قبيل طلوع شمس يوم 30/11/ 2008، انفتح باب الزنزانة علينا. دخل المخبرون برفقة ضابط مباحث سجن الغربانيات.. ننتصب كلنا واقفين، حين تقتحم الزنزانة في مثل هذا الوقت.. لماذا؟. لأننا ننام لصق بعضنا، واحد في حضن الثاني بالمقلوب (خلف خلاف) راسي عند قدمي زميلي، ورأس زميلي الثاني عند قدمي، لذا فمن يدخل الزنزانة، في مثل هذا الوقت، يمشي فوقنا بالفعل.. (كل واحد يشيل شنطته ويطلع برا) قال واحد من المخبرين. كان الجو بارد جدا، والمساجين، كالعادة، مستسلمين تماما، أوقفونا وجوهنا إلى الحائط وأيدينا فوق رؤوسنا. نسيت أن أقول لك، المقتحمون انقسموا قسمين، قسما ظل في الزنزانة، والقسم الثاني انتظرنا في الخارج، حيث قام بتفتيشنا ذاتيا وتفتيش حقائبنا، أما من ظلوا في الزنزانة، فقد تكفلوا بالعبث بباقي إغراضنا، التي تركناها وراءنا, مثل البطاطين وإطباق البلاستيك والأكل وغيره، وكالعادة يتركونها كومة واحدة في نص الزنزانة. في الخارج ينتظرنا اثنين من الحلاقين، هم مساجين مثلنا. من يتم تفتيش حقيبته يذهب للحلاق، ليقص شعره.. رفضت لما جاء الدور عليً. (أنت مثلك مثل زمايلك) صرخ فيً كبير المخبرين، يريد أن يخيفني. قلت: لا شأن لي بزمايلي. وأضفت: الحلاقة تغيير لمعالم الوجه، ومخالفة للقانون. أخذوني لرئيس المباحث، أعدت عليه ما قلت، وأعاد علي رد كبير المخبرين. (إن حلقت لي، سأبلغ النائب العام) قلت مهددا.. وأضفت: كتفني لو عايز تحلق لي. رايته مصمما، قلت: طيب سجل اعتراضي في دفتر اليومية، لو سمحت. بدأ يكتب: أثناء التفتيش الدوري، حلقنا رؤوس المعتقلين، واعترض مسعد أبو فجر، فأجبرناه على الحلاقة.. جرني واحد من المخبرين حتى الحلاق، قلت له، لن اسمح لكم بحلق راسي إلا بعد تكتيفي. أمروا زملائي بالدخول إلى الزنزانة، ثم نزعوا غترتي من فوق راسي وربطوا يداي وراء ظهري، جرى الحلاق بالماكينة على راسي.. صرت خايف أن ينتقل لي فيروس سي، المنتشر بشدة في المجتمع المصري، بسبب الماكينة التي يحلقون بها، وحزين على شعري، وحزين أكثر لأني حسيت بأني السبب في كل هذا الجنون الصباحي. لماذا؟. لأنهم من أكثر من ثلاث شهور لم يهاجموا زنازين المعتقلين بهذا الشكل، ثم لأنهم بدءوا بزنزانتنا، ولم يعاملوا الزنازين الأخرى بنفس القسوة، وفوق ذلك لم يفتشوا الربع الثاني من العنبر، واكتفوا بتفتيش ربعنا. معظم المقيمين في الربع من البدو، قلت في نفسي، أنهم يدبرون لي شيء ما، ويريدون توصيل رسالة للزنزانة والبدو والربع كله، بان وجود أبو فجر سيجلب لكم إدارة السجن كل شوية تقرفكم، وبالتالي إذا جد في الأمور جديد ضدي، فان المعتقلين على الأقل لن يعملوا مشاكل بسببي. ظل هذا الهاجس يراودني، حتى صباح 4/12، إذ استيقظت على صوت ينادي اسمي، رفعت رأسي من تحت البطانية، كان السجان يطل برأسه من الشراعة. زعق: لم حاجتك.. وأضاف: عندك جلسة.. تقريبا لا توجد لي قضايا في المحكمة. فهمت أنهم سينقلونني إلى سجن آخر.. لم اهتم، فأي سجن ينقلوني له سيكون أحسن من الغربانيات. لما طلعوني، وجدت سيارة الترحيلات واقفة على الباب والحراسة مشددة جدا. ناول السجان ملفي للضابط، وهو يراجع أوراقي سألته: فين هيودوني؟. سجن أبو زعبل(أجاب) كان صادق تماما معي، حسيت انه يحترمني. كثير من الضباط كنت أحس بهم فرحانين لأنهم رأوني، وكثير منهم يحبني ويحترمني، ويظهر هذا الاحترام في لحظات الوداع، أو في لحظات اللقاء العابرة.. (يتبع) مواضيع ذات صلة 1. مسعد أبو فجر: كمائن متحركة 2. مسعد أبو فجر: كمائن متحركة.. مانديلا فري 3. مسعد أبو فجر: كمائن متحركة: سي في لسيارتي.. 4. مسعد أبو فجر كمائن متحركة: عن ملف قطر الذي بلع ملفات أربع من أكبر الدول في زماننا.. 5. مسعد أبو فجر: كمائن متحركة: يوسف شعبان من ثاني..