مخالفات جسيمة تشهدها مديرية الصحة بالغربية كشفها وجود تلاعب في توريد أصناف من الأدوية والمستلزمات منتهية الصلاحية، وخاصة في مجال علاج الأسنان. عشرات الحالات ممن يترددون على مراكز علاج الأسنان التابعة لمديرية الصحة ومستشفياتها يضطرون إلى خلع ضروسهم بدلا من علاجها لعدم وجود مستلزمات الحشو، أو لوجود مستلزمات منتهية الصلاحية تسلمتها المديرية مخالفة للشروط والمواصفات المتعاقد عليها. "عندما يأتي المريض للمركز ويطلب حشو عصب يتم تحويله إلى مراكز خارجية ومستشفيات خاصة، وكثير منهم يستسهلون ويخلعون ضروسهم هربا من أسعار المراكز الخاصة".. هكذا أكد الدكتور عبدالله غربان، طبيب أسنان بالمركز الطبي في كفر الزيات، الذي أشار إلى توقف توريد حشوات لمديرية الصحة بالغربية عقب اكتشاف عدد من المخالفات، وقال: ما ذنب المريض الذي لا يجد الخدمة الطبية التي يريدها داخل المنشآت الصحية التابعة لوزارة الصحة؟. وأضاف غربان، أن كافة التوريدات التي تأتيهم من مديرية الصحة بالغربية مكتوب في أمر توريدها "حشو عصب"، ولكنها تخلو من المادة الرئيسية للحشو، وتقتصر على أدوات تجفيف العصب، بالإضافة إلى أنها أدوات رديئة وغير مناسبة ولاقيمة لها. مخالفات بالجملة ما قاله غربان، توصلت إليه إدارة التفتيش المالي والإداري بمديرية الصحة في محافظة الغربية التي أكدت وجود مخالفات جسيمة فى توريد أحد أدوية مستلزمات حشو الأسنان لما يقرب من 100 عبوة "كمبوزان" بدلًا من "كمبومير"، الصنف الذي وقعت عليه الترسية عبر مناقصة التوريد بقرار يحمل رقم 22 بتاريخ 5 مارس 2013 من خلال إحدى الشركات الخاصة "ميديكال جروب" بسعر 850 جنيه للعبوة الواحدة . وكانت المفاجأة التي توصل إليها التفتيش المالي والإداري بوزارة الصحة أن تاريخ الصلاحية المدون على العبوة الخارجية تحمل تاريخ 6/ 2016، بينما تاريخ الصلاحية المدون على العلبة الداخلية يحمل 4/ 2014، ومن ثم يوجد تاريخان مختلفان للصلاحية. بالمستندات "البديل" حصل على أوراق الترسية الخاصة بالمناقصة العامة لشراء مستلزمات طب الأسنان الخاصة بالعلاج التحفظي من قبل إدارة العقود والمشتريات التابعة للإدارة المركزية للأمانة العامة بوزارة الصحة، وهي عبارة عن "خامات حشو وقائي" وتمت الترسية في جلسة 5/12/2015 ومن خلالها يجري توريد 351 منتج مستلزمات طبية خاصة ب"حشو الأسنان" لمديريات الشؤون الصحية بالمحافظات ومراكز الأبحاث التابعة للإدارة المركزية لطب الأسنان بوزارة الصحة . وكان من بين تلك التوريدات منتج "Compomer: Dyract Extra Intro Kit Dent Sply" من تصنيع شركة "PROMEDICA" الألمانية، ولكن المفاجأة أن الشركة الموردة في القاهرة "ميديكال جروب" قامت باستبدال العبوات الواردة في المناقصة بعبوات أخرى "Composan glass" منتهية الصلاحية. مخالفات صارخة صاحبت قرار التوريد بداية من توريد صنف آخر أقل فعالية وأرخص كثيرًا بدلًا من الصنف الوارد في المناقصة، مرورًا بوجود تاريخين للصلاحية أحدهما خارج العبوة والآخر مطبوع على العبوة من الداخل، وكل ذلك تم اكتشافه عقب البلاغات والشكاوي العديدة التي تم تقديمها من قبل أطباء أسنان بعد مرور عام و3 شهور على انتهاء تاريخ الصلاحية الذي ينتهي في نوفمبر 2015 . هنا أصدرت الإدارة المركزية لشؤون الصيدلة منشورًا دوريًا عاجلًا تم توزيعه على مختلف مديريات الصحة بالمحافظات المصرية بسرعة وقف استخدام عبوات الحشو منتهية الصلاحية وتم تحريز باقي الكمية وتحويل القضية برمتها للنيابة الإدارية . لجنة الفحص قبل توريد تلك العبوات لمديرية "صحة الغربية" تم تشكيل لجنة مختصة لفحص تلك التوريدات برئاسة نقيب طب الأسنان الدكتور ياسر الجندي، مدير عام طب الأسنان بمديرية صحة الغربية في ذلك الوقت، وعضوية كل من الدكتور محمود اللبودي، عضو الإدارة المركزية لطب الأسنان بوزارة الصحة، والدكتورة إيمان سالم رحاب، مدير طب الأسنان العلاجي بمديرية الصحة بالغربية . ومن جانبهما، نفى عضوا لجنة فحص التوريدات استلامهما للكمية الموردة، وأكدا تزوير توقيعهما بعد توريد صنف آخر مغاير أقل في الكفاءة والفاعلية والسعر، وهو ما أكده رئيس اللجنة الدكتور ياسر الجندي. الدكتورة إيمان سالم رحاب، مدير طب الأسنان العلاجي بمديرية الصحة بالغربية، قالت إنها لم تر الصنف المورد أو تجري له فحصًا ولا تعلم عنه شيئًا وفوجئت خلال سؤالها بالنيابة بتزوير توقيعها على تقرير فحص العينات التي تحتاج إلى عيادة خاصة للفحص الذي يستغرق يوما أو يومين حتى تجف تلك المادة في فم المريض. وأضافت أن هناك إجراء متبعا يجري عند اختبار العينات إذ يتم فتح العبوات والتوقيع عليها من الداخل والخارج، قائلة: "المادة دي دخلت من غير ما نعرف وماشوفتهاش وكان فيه خلافات معينة بيني ورئيس لجنة الفحص ولم أكن أحضر تلك اللجان". "الشركة الموردة مسؤوليتها بتنتهي بعد الاستلام".. هكذا ردت مدير طب الأسنان العلاجي بالمديرية عند سؤالها عن مسؤولية الشركة الموردة، والتي أوضحت أنه ثمة نسبة من تلك العينات كانت سليمة في ظل عدم وجود أي شكاوي منها، ولكن ضررها الأكبر أنها لا تجف في فم المريض، وبالتالي تزول بعد أيام قليلة، بدلا من الاستمرار مع المريض لسنوات طويلة، فضلًا عن خداع المواطن والضرر الأكبر الذي يقع على باقي أسنانه دون أن يأخذ احتياطاته . فارق 560 جنيه ومن جانبه أكد الدكتور محمود اللبودي، عضو لجنة الفحص الفني أن الصنف الذي كان من المفترض توريده "دايركت" الموجود بالمناقصة وسعره يبلغ 860 جنيه للعبوة الواحدة في ذلك التوقيت لم يورد، قائلا: "اللي حصل إنه لما بعتنا أمر توريد للشركة قالت لنا: الدولار سعره زاد والسعر غالي جدا ومش هنقدر نجيب الصنف ده، وعلى هذا الأساس اتفقنا على عدم التوريد والبحث عن صنف آخر بتلك الأموال البالغة 86 ألف جنيه، وفوجئنا بعد شهور وجود صنف آخر منتهي الصلاحية تم توريده بسعر 300 جنيه للعبوة". وأكد أن هذا يعد تسهيلا للاعتداء على المال العام، حيث إن الفارق في السعر بين الصنفين يتخطى 560 جنيها للعبوة الواحدة وبالتالي إهدار ما يقرب من 56 ألف جنيه في حشوات أسنان منتهية الصلاحية، مشيرا إلى أنه خاطب مديرية الصحة والتموين الطبي بالغربية عن المسؤول عن توريد تلك العينات، وحرر مذكرة بذلك، وقام بتحريز باقي الكميات وطلب عدم التصرف فيها، وقال: أبلغت النيابة بالواقعة وجاري التحقيق بها . تزوير محاضر الاستلام "المسؤول الرئيسي عن توزيع حشوات الأسنان منتهية الصلاحية هو "إبراهيم.ع"، أمين المخازن بمديرية الصحة في الغربية".. هكذا اختتم اللبودي تصريحاته ل"البديل" وأوضح أن العبوات منتهية الصلاحية لم تدخل لجنة الفحص من الأساس، وبالتالي لم يجر فحصها، بالإضافة إلى تزوير توقيعات عضوي اللجنة بشأن محاضر الاستلام وتم تسليمها لإدارة الحسابات والشؤون المالية من أجل إعطاء الشركة الموردة الشيكات المستحقة لها. وطالب "اللبودي" بعرض محاضر الاستلام وتوقيعات أعضاء لجنة الفحص على الطب الشرعي للاستكتتاب وبحث مدى مطابقة توقيعاتهم من عدمها. في المقابل أوضح الدكتور ياسر الجندي، نقيب طب الأسنان ورئيس لجنة الفحص ومدير طب الأسنان بمديرية الصحة بالغربية وقتها، أن الصنف المورد موجود من ضمن أصناف أخرى عديدة عُرضت على لجنة الفحص، وعلى هذا الأساس قام بالتوقيع على التقرير النهائي، قائلًا: "هل يُعقل أن تُعرض عليهم كافة الأصناف الموردة باستثناء هذا الصنف؟ ولذلك لابد من عمل استكتاب لهم ومطابقة توقيعاتهم، حتى لا يتحمل أمين المخازن المسؤولية وحده". سعيد أبوالليل، رئيس شركة "ميديكال جروب" من جانبه، أبدى ترحيبه باستبدال العبوات السابقة، ولكن عبر خطاب رسمي من قبل مديرية الصحة بالغربية، نافيًا أي مسؤولية لشركته حول انتهاء صلاحية تلك الكميات، قائلًا: "تلك العبوات مستوردة من ألمانيا واحنا مانقدرش نفتحها كلها وبنكتفي بعبوة أو اثنين عينة عشوائية وجدناهم مطابقين للمواصفات القياسية الواردة بكراسة الشروط وتم توريدها بنفس السعر الذي تمت الترسية عليه". وأكد الجندي ل"البديل" أن تاريخ صلاحية العبوات كان سليما وقت الاستلام في مارس 2013 وتم اكتشاف انتهاء الصلاحية في بداية 2015 رغم عدم وجود شكوى واحدة منذ توزيعها، وأضاف: "إحنا اللي اكتشفناها ووقفنا الشغل بها، وهذه العبوات ليس لها أضرار، والعيب الوحيد إن الحشو بيقع"، والخطأ الأكبر هنا يقع على الشركة الموردة وإذا أثبتنا أن أمين المخازن تلاعب بالصنف تقع المسؤولية الكاملة عليه، على حد قوله. وحول عدم توريد "خامات حشو وقائي" مجددًا للمديرية منذ اكتشاف تلك العبوات منتهية الصلاحية قبل عام، أوضح الجندي، أن المناقصة السابقة انتهت، ولكن مخازن المديرية ما زال بها حشوات أسنان تكفي لمدة 6 أشهر أخرى حتى إجراء مناقصة برلين القادمة.