تطورات جديدة شهدتها الأزمة الليبية خلال اليومين الماضيين، تربك حسابات كل الأطراف السياسية وتزيد من تعقيد الملف بعد اجتماعات منفصلة للفرقاء الليبيين في مصر وتونس والجزائر، ظهرت فيها ملامح انفراجه قادمة، لكن جاءت الرياح بما لا تشتهي السفن بعد سيطرة ميليشيات مسلحة تابعة للمؤتمر الوطني المنتهي ولايته ولحكومة طرابلس السابقة على مقرات الحكومة بالعاصمة الليبية قبل أن تعود قوات حكومية باسترجاع بعض الأبنية، في خطوة وصفها الكثيرون بأنه انقلاب على حكومة الوفاق المعترف بها دوليًا المنبثقة عن اتفاق الصخيرات الليبي. وأعلنت الداخلية الليبية إعادة السيطرة على عدد من المقار الحكومية التي حاولت ميليشيات مسلحة تابعة لرئيس حكومة الإنقاذ السابقة (طرابلس) خليفة الغويل، السيطرة عليها، وقالت الداخلية إن هذه المجموعات حاولت إثارة الفوضى ومهاجمة بعض المباني الحكومية، وإنها أحبطتها. واعتبر مراقبون أن هذا التطور حالة جديدة من ازدياد الشرخ قد يكون وراءها لاعبون دوليون لإحباط المبادرة الثلاثية، المصرية التونسية الجزائرية، وأكد آخرون أنها محاولة ضغط لضمان الغويل الحصول على حصة في المشهد المقبل بعد الحوارات التي عقدت في الدول المجاورة الثلاثة التي أعطت في بداياتها انطباعًا إيجابيًا بقرب حل الأزمة.. فإلى أين تمضي ليبيا وسط هذا التجاذب؟ وهل سيناريوهات الصراع على أبنية ومقرات الوزارات هي العنوان الجديد للصراع في ليبيا؟ ورغم أن هؤلاء المسلحين كانوا داعمين في السابق لحكومة الوفاق، التي تشكلت برعاية الأممالمتحدة ضمن اتفاق الصخيرات الذي لم يكتمل بسبب عدم حصول الحكومة على الشرعية من البرلمان المنتخب ومقره طبرق، فأكدوا في بيانهم الذي تلاه خليفة الغويل، أن قواته تمكنت بالسيطرة على عدد من الوزارات في العاصمة الليبية طرابلس بواسطة قوات الحرس الجمهوري التي شكلها مؤخرا، مضيفًا أن القوات التابعة لحكومة الإنقاذ الوطني تسلمت الوزارات بشكل سلمي وسلس منتقدا أداء المجلس الرئاسي الليبي برئاسة فائز السراج، وعدم تقديمه أي إنجازات لرفع المعاناة عن كاهل المواطن الليبي البسيط، في ظل ارتفاع الأسعار في البلاد عقب ارتفاع سعر الدولار أمام الدينار الليبي. وحول رؤيته لحل الأزمة السياسية في ليبيا، أكد الغويل رغبته في توحيد حكومته وحكومة الثني تحت راية حكومة الوحدة الوطنية للخروج من المأزق والحفاظ على سيادة الدولة الليبية وحل مشكلات المواطن البسيط، مقترحا أن تكون مدتها من 8 إلى 10 أشهر ويتم خلالها تهيئة مناخ جيد لإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية. وتأتي هذه التطورات المفاجئة في وقت يعكف فيه المجلس الرئاسي، المنبثق عن حوار الصخيرات بالمغرب، عبر الكثير من الاجتماعات على تشكيل حكومته الثانية لعرضها على البرلمان في مدينة طبرق شرق البلاد، بعد أن رفض الأخير منذ شهور حكومته المقترحة الأولى، حيث يقضي اتفاق الصخيرات بحصول المجلس الرئاسي وحكومة الوفاق الوطني على موافقة مجلس النواب الشرعي حتى تصبح شرعية، وهو ما لم يحدث حتى الآن. ويعتبر هذا التحرك ليس الأول؛ إذ سبق أن سيطرت قوات موالية لخليفة الغويل على مجمع قصور الضيافة ومقر مجلس الدولة في طرابلس في أكتوبر الماضي، لكن يؤكد مراقبون أن هذه الخطوات يحركها صراع متعدد الأطراف في ليبيا هدفه الأساسي النفوذ السياسي والعسكري في البلاد والوصول لمرحلة التحول إلى الممثل السياسي الوحيد في البلاد وإقصاء البقية. وفي المشهد الليبي يتصارع ثلاث حكومات تدعي كل منها الشرعية، ففي الغرب الليبي هناك حكومتان، الأولى "الإنقاذ" برئاسة خليفة الغويل، انبثقت عن المؤتمر الوطني العام المنهتي ولايته، والثانية حكومة الوفاق الوطني برئاسة فايز السراج، والتي نشأت عن اتفاق "الصخيرات"، وتحظى بدعم دولي، أما الحكومة الثالثة، ومقرها في شرق ليبيا، فهي الحكومة المؤقتة المنبثقة من مجلس النواب الذي يتخذ من مدينة طبرق مقرا مؤقتا له ويرأس هذه الحكومة عبد الله الثني، لكن يسيطر على الجيش خليفة حفتر في الشرق الليبي الذي لا يخضع لحكومة الثني، وإن تحالف معها. ورغم أن السيطرة على المناطق النفطية كانت في السابق المحرك الأساسي للعملية السياسية، تحول المشهد إلى السيطرة على المكاتب والمقرات والوزارية، وبحسب مراقبين، فإن الصراع في ليبيا اليوم بدأ يأخذ منحى آخر قوامه أن من يسيطر على الأبنية والمقرات المركزية يصبح بحكم فرض الأمر الواقع الطرف الأقوى، لذلك جدد الغويل محاولته السيطرة على أبنية الوزارات في طرابلس لإيمانه بأن تجريد حكومة الوفاق من الأبنية يعني تجريدها من صلاحياتها ونفوذها السياسي ونقله عمليه إلى جبهته.