منذ حدوث أزمة اللاجئين وحتى خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، والاضطرابات مستمرة في أوروبا، وهو ما سمح للرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأن يظهر كحصن الاستقرار في منطقة تنتابها الفوضى، كما أن الانتخابات الأمريكية جلبت من هم متعاطفون مع الكرملين في البيت الأبيض، والآن تأتي فرنسا على نفس المسار، بفوز فرانسوا فيون على آلان جوبيه في الانتخابات التمهيدية الرئاسية للحزب الجمهوري "يمين الوسط"، ليصبح لبوتين صديق آخر جديد في قصر الإليزيه، بعد انتخابات الربيع المقبل؛ لأن فيون له ميول نحو موسكو أكثر من ممثلة اليمين المتطرف مارين لوبان. يأتي تقرب فيون من روسيا عن قناعة وليس بفعل مصلحة نفعية؛ لأنه لا يخفي آراءه، فخلال النقاش في الأسبوع الماضي مع جوبيه، قارن ضم روسيا لشبه جزيرة القرم بإعلان كوسوفو الاستقلال عن صربيا، واستخدمها كحجة مباشرة للرفع من شأن الكرملين، أما بالنسبة لتوسع حلف شمال الأطلسي إلى حدود روسيا في التسعينيات، فقال إنه استفزاز يولد رد فعل سلبيًّا، مما سيجعل بوتين يثني على تصريحات فيون قبل التصويت في الانتخابات. المراجع التاريخية تثبت شيئًا واحدًا، وهو أن الأكثر إزعاجًا لألمانيا أن تذهب شريكتها فرنسا للتفاوض مع روسياوأوكرانيا، كما أن فيون يريد إلغاء العقوبات الاقتصادية التي فرضها الاتحاد الأوروبي على روسيا لضمها شبه جزيرة القرم وتدخلها في شرق أوكرانيا. تنقسم الآراء في الاتحاد الأوروبي بشأن روسيا، وحتى الآن المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، تحاول مجاراة الطرفين، ولكن ما يحصل في أوروبا في الوقت الراهن يجعل بالفعل خط الدفاع الأوروبي ضد روسيا متهرئًا، وسقوط فرنسا من هذا الخط سيشكل صدمة كبيرة لألمانيا. في عام 2014 تردد الرئيس الفرنسي الحالي، فرانسوا هولاند، لعدة أشهر، قبل إلغاء صفقة لسفينة بحرية مع روسيا بقيمة 1.3 مليار دولار، ولكنه أكد إلغاءها بعد بدء عقوبات الاتحاد الأوروبي على روسيا. يبدو أن فرنسا تعني الكثير لأوروبا، وتختلف عن غيرها من الدول الأوروبية، حيث إن قادة مثل رئيس الوزراء الإيطالي، ماتيو رينزي، ربما كسب شعبية داخل بلاده لتحديه العقوبات، ولكن في مؤتمرات القمة للاتحاد الأوروبي في بروكسل، كان هولاند وميركل داخل الخط. في أكتوبر الماضي، ومباشرة قبل الاجتماع الأخير، التقى هولاند وميركل، بوتين في برلين، وانتابتهما صدمة لتصريحه أن حلب قد لقي مصير غزوزني، عاصمة الشيشان. أما في بروكسل فكانت النتائج عكسية؛ لدعوة رينزي لمناقشة استراتيجية في السياسية الروسية. ولكن الآن من الصعب أن نجد أن السيد فيون قد يتصرف بهذه الطريقة، كما أن الصورة أصبحت معقدة أكثر؛ لانتخاب دونالد ترامب، لإعجابه ببوتين، ويبدو أنه سيسمح بزوال العقوبات الأمريكية على روسيا، وربما يشترك في صفقة للتعاون بشأن سوريا، وهنا أصبحت مهمة ميركل شبه مستحيلة. بالتأكيد سينشغل فيون بتكريس طاقته لإصلاح الدولة الفرنسية، وليس تحطيم وحدة الاتحاد الأوروبي، وعلى الأرجح عند زيارته الرسمية لبرلين بعد توليه الرئاسة سيتلقى توبيخًا من ميركل، كما فعلت مع هولاند في عام 2012؛ بسب تصريحاته لإنقاذ اليونان. حتى الآن لا تزال العلاقات الفرنسية الألمانية هي قلب أوروبا، والسيد فيون ليس من النوع الذي قد يهدم هذه العلاقة. كل ما سبق توقعات، فلا أحد يعرف ماذا سيفعل ترامب أو فيون أو بوتين، وما يثير القلق هو أن انتخاب فيون سيجعل الاتحاد الأوروبي غير قادر على التنبؤ، وموقفه أيضًا غير واضح. الأيكونومست