بينما تنشغل دول المنطقة العربية في صراعاتها العسكرية وأزماتها السياسية والاقتصادية، يتحرك الكيان الصهيوني على عدد من الجبهات؛ لتحقيق أهدافه التهويدية للدولة الفلسطينية، وكان آخرها تصديق الكنيست الإسرائيلي على القراءة الأولى لمشروع قانون يشرع بؤرًا استيطانية تضم أربعة آلاف وحدة مقامة على أملاك خاصة بالضفة الغربية، فيما يعد سرقة واضحة لأراضي الشعب الفلسطيني المحتل. وجاء القرار بأنه: «في حال إثبات شخص ما ملكيته الخاصة للأراضي المقامة عليها المستوطنات، فسيتم مصادرة حقه في استخدامها، ونقل هذا الحق للمسؤول عن الأملاك الحكومية في مناطق الضفة الغربية، على أن يستمر قرار مصادرة حقه لحين تحقيق تسوية سياسية تحدد مصير ومكانة المنطقة»، ويقصد بالتسوية هنا عملية السلام المزعومة بين الفلسطينيين والإسرائيليين التي انهارت أكثر من مرة؛ مما يعني أن مصادرة هذا الحق (الفلسطيني) ستبقى قائمة ما لم تحدث تسوية. ويرصد "البديل" في هذا التقرير أهداف وأبعاد القرار، والذي بقي على تحويله لقانون ينفذ على الأرض تصويت الكنيست الإسرائيلي بالقراءتين الثانية والثالثة، كما يرصد رد فعل الدولي لهذا القانون. أهداف المشروع يؤكد المراقبون الإسرائيليون أن دعم رئيس وزراء حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو للمشروع في ذلك الوقت جاء على خلفية رغبته في تماسك تحالفه، والذي اقترب من الانهيار، فأراد بهذا المشروع أن يسترضي الشركاء السياسيين في التحالف. كما أن هذا المشروع من شأنه مصادرة الأراضي الفلسطينية التي أقيمت عليها البؤر والمستوطنات الإسرائيلية المقامة، سواء على أراضٍ خاصة أو أراضي الدولة الفلسطيني، والتي بحسب القانون الدولي لا يجوز لحكومة الاحتلال التصرف فيها أو مصادرتها لأغراض الاستيطان، كما أنه يفتح شهية الجمعيات الاستيطانية والمستوطنين عامة لبناء المزيد من المستوطنات والبؤر الاستيطانية على الأراضي الفلسطينية الخاصة. ولا يخفى على أحد أن هذا المشروع يأتي في إطار مخطط ودعوات إسرائيلية مسبقة لضم المناطق المصنفة "ج"، والتي تشكل 60٪ من مساحة الضفة الغربية، وتعتبر سلة الغذاء الفلسطينية، كما أن هذا المشروع يقوض عملية السلام المزعومة، التي طرحت فكرة حل الدولتين التي يطالب بها المجتمع الدولي، والتي يدعي الكيان الصهيوني أنه يتبناها، من خلال تقويض مقومات إقامة الدولة الفلسطينية بمصادرة المزيد من الأراضي وإقامة المزيد من البؤر والمستوطنات التي تحول المدن والقرى والبلدات والمخيمات إلى معازل ليس بينها أي رابط أو تواصل، حيث سيصبح بين كل مدينة وأخرى فلسطينية مستوطنة إسرائيلية أو أكثر، وهذا يشير إلى تقويض وقتل فكرة وجود دولة فلسطينية وفق حل الدولتين. الخبير في شؤون الاستيطان، سهيل خليلية، قدر مساحة البؤر الاستيطانية بنحو 8 آلاف دونم، مبينًا أن المساحة المعلنة لمستوطنات الضفة الغربية تبلغ حوالي 196 كيلومترًا مربعًا، أي ما يشكل 3.5 % من مساحة الضفة، في حين أن المساحة الإجمالية لهذه المستوطنات والأراضي المصادرة التي لم يتم البناء الاستيطاني عليها بعد تبلغ 540 كيلومترًا مربعًا، أي 9.5 % من مساحة الضفة. كما أكد وجود 232 بؤرة استيطانية في الضفة الغربية، جزء منها يقع بين جدار الفصل العنصري والأراضي المحتلة عام 1948 (80 بؤرة استيطانية)، وبؤر استيطانية "زراعية" في منطقة الأغوار، حيث تتوزع البؤر الأخرى بين الممرات الرابطة بين جدار الفاصل ومنطقة الأغوار (أخطر البؤر كونها تفصل شمال الضفة عن جنوبها وعددها 9 بؤر)، بالإضافة إلى البؤر المتناثرة في أعالي الجبال بالضفة، وفق خليلية. وبحسب الكاتب الفلسطيني محمد أبو لبدة فإن الاحتلال سيقوم عند شرعنة هذه المستوطنات بمصادرة المزيد من الأراضي الفلسطينية؛ لعمل بنية تحتية وشق شوارع؛ لتتناسب مع تزايد عدد المستوطنين، وهو ما يؤدي إلى اتباع سياسة التهجير للفلسطينيين، وهو ما يسمى وفق السياسة الإسرائيلية «الترانسفير»، وصولًا إلى ضم الضفة الغربية، أو على الأقل منطقة الأغوار، التي يطالب بها العديد من وزراء حكومة نتنياهو اليمينية المتطرفة، خاصة بعد فوز ترامب المرشح الجمهوري للرئاسة الأمريكية، الذي يعلن ليل نهار تأييده للكيان وللاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة. كما أن حركة «يش دين» الصهيونية تعتبر أن الهدف من مشروع القانون هو شرعنة السيطرة على الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية، مشيرة إلى أن الحكومة الإسرائيلية تتخذ من نفسها دور المشرع في الضفة، يكشف توجه الكيان الصهيوني لضم الضفة الغربية إلى الاحتلال الإسرائيلي. وبحسب الصحف الصهيونية يهدف مشروع القانون إلى منع هدم البؤرة الاستيطانية المسماة "عمونا" المقامة على أراضٍ فلسطينية، بعدما قررت المحكمة العليا الإسرائيلية إمهال الحكومة حتى الشهر القادم لإخلاء هذه البؤر وإعادة الأرض لأصحابها، وهو ما ترفضه الحكومة؛ لذلك شرعت هذا القانون. ويتجاوز المشروع شرعنة مستوطنة "عمونا"، حيث يشرع عشرات المستوطنات الأخرى المشابهة التي تضم آلاف الوحدات الاستيطانية السكنية، بجانب الاستيلاء على آلاف الدونمات من أراضي الفلسطينيين، كما أنه كشف عن الأولوية في سياسات الحكومة الحالية، وهي الاستيطان، وقدرة لوبي المستوطنات على التأثير في توجهات صناع القرار السياسي، وعن الرؤية التي يستند إليها الكيان الصهيوني، ويرى منها أن الظرف الحالي الداخلي الفلسطيني والعربي هو الأكثر ملاءمة لخطة التوسع الاستيطاني. ردود الفعل الدولية لقي القانون إدانة دولية واسعة، أجمعت في مجملها على خطورة هذه الإجراءات "المنافية" للشرعية الدولية، والتي من شأنها أن تجر المنطقة إلى"كوارث". وفيما سارعت مختلف الهيئات السياسية الفلسطينية إلى إدانة واستنكار مشروع القانون الجديد، محذرة من أنه "يجر المنطقة إلى حرب"، ومعلنة عن نية القيادة الفلسطينية التوجه إلى مجلس الأمن الدولي؛ لوقف هذه الإجراءات الإسرائيلية «التصعيدية» غير المسبوقة، لقي المشروع على الصعيد الدولي قلقًا، حيث انتقدته القاهرة، على لسان المتحدث باسم وزارة الخارجية، وعبرت عن "قلقها العميق من أن مشروع القانون يعد تمهيدًا لإضفاء الشرعية على المستوطنات الإسرائيلية". واتخذت الولاياتالمتحدةالأمريكية نفس الموقف، حينما عبرت عن قلقها إزاء خطط إسرائيل الهادفة إلى تقنين أوضاع أكثر من ألفي وحدة استيطانية في أراضٍ خاضعة لملكية فلسطينيين، محذرة من خطورتها على عملية السلام المجمدة أصلًا بين الفلسطينيين والإسرائيليين. كما عبرت فرنسا عن "قلقها البالغ" إزاء السعي لإضفاء الشرعية على البؤر الاستيطانية التي أقيمت على أراضٍ فلسطينية خاصة، وحذر المتحدث باسم الخارجية الفرنسية, رومان نادال, من أن "إقرار هذا القانون سيضر مجددًا بحل الدولتين، ويسهم في زيادة التوتر على الأرض"، مذكرًا أن "الاستيطان بكل أشكاله غير قانوني بموجب القانون الدولي", وداعيًا إسرائيل إلى احترام التزاماتها الدولية.