على الرغم من دخول الإمارات في التحالف العربي بزعامة السعودية الذي بدأ العدوان على اليمن في مارس من العام الماضي، فإن ملامح من عدم التوافق بين الدولتين في الملف اليمني باتت واضحة، في ظل الاختلاف حول النفوذ وآليات السيطرة العسكرية وعلاقات كل الأطراف بالولايات المتحدة، ما ينعكس على الوضع في اليمن. الإخوان يشكل ملف "إخوان اليمن" محورًا للخلاف بين الإمارات والمملكة، فبعد انتشار نفوذ الجماعة في الإمارات في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، لا سيما في قطاعي التعليم والقضاء، استفاقت الدولة على خطر تغول الإخوان على المراكز والمناصب السياسية، مما دفعها لاتخاذ قرار تقليص نفوذهم وتحجيمهم، واعتبرتهم مصدر خطر على أمنها القومي، وهي الأجندة التي حملتها معها إلى اليمن. من جانبها، لا تمانع السعودية في التعامل مع حزب التجمع اليمني للإصلاح "الإخواني"، وهو ما يعكس برجماتية واضحة من قبل كل من الرياض والإصلاح، فالطرفان كانا أعداء بالأمس، وكانت السعودية تدعم الحوثيين ضد تمددهم، في اليمن قبل أن تبدل سياستها وتحول الدعمهم ناحيتهم، في سبيل القضاء على الحوثيين. حتى الآن باءت محاولات الإمارات إثناء السعودية عن دعم الإصلاح بالفشل، وفي كثير من الأحيان هددت بفك التحالف بينهما، حيث تناقلت مواقع صحفية يمنية في شهر نوفمبر الحالي، أنباء تفيد بأن الرئيس اليمني المستقيل، عبد ربه منصور هادي، يتجه إلى تقارب سياسي مع التجمع اليمني للإصلاح، على الرغم من معارضة الإمارات، ويقول مراقبون جنوبيون، إن خطوة هادي من شأنها أن تدفع بأبوظبي لوقف دعمها ومساندتها للمجالات الخدمية والاجتماعية المتعددة في عدن، وكشف الصحفي ماجد الداعري، أن الحكومة الإماراتية قررت مؤخرا رفع يدها عن عدن عقب توجه الرئيس هادي للتوافق مع جماعة الإخوان المسلمين (حزب الإصلاح) في اليمن. توجه هادي ناحية الإخوان في اليمن ليس الأول من نوعه، فالسبب الرئيسي في خلاف الإمارات مع هادي يعود إلى جملة قرارات التعيين التي اتجه لإصدارها مؤخرا، واعتماده قيادات إصلاحية بمناصب مختلفة، كان أحدثها تعيينه عبد الله العليمي، مديرا لمكتبه، خلفا لمحمد مارم، الذي أطاح به وعينه سفيرا لليمن في القاهرة. الإطاحة بالبحاح في أبريل من العام الجاري، أطاح هادي، برجل الإمارات في اليمن خالد بحاح، من منصبي نائب الرئيس ورئيس الحكومة، وليس هذا فحسب، بل عينت السعودية بدلا منه الجنرال علي محسن الأحمر، وهو الأخ غير الشقيق للرئيس المخلوع علي عبد الله صالح، مما وسع هوة الخلاف بين أبو ظبي والرياض، ويعد الأحمر، من أبرز مؤسسي "الإصلاح"، الأمر الذي اعتبر إشارة للإمارات بأن لا مستقبل لها في اليمن. ردود الأفعال بعد الإطاحة بالبحاح تنوعت ردود الأفعال الإماراتية، فقررت سحب قواتها المشاركة في التحالف، وبدأت بالفعل بسحب "تدريجي" لقوات تابعة لها تتمركز في معسكر "تداوين"، ولكنها أعادت نشرها بعد أن كانت قد سحبتها منذ أشهر، بعد نجاح مباحثات أجرتها معها قبائل مأرب، وفي منتصف يونيو الماضي، أعلنت الإمارات أن "الحرب انتهت" بالنسبة لقواتها في اليمن، لكنها قالت إنها "ربما تستمر في الاحتفاظ بقواتها هناك لعمليات مكافحة الإرهاب". وتعد محافظة تعز الجنوبية، أحد مظاهر التباين في الخلاف السعودي الإماراتي، فالأخيرة تعتقد أن النفوذ الكبير للإصلاح في تعز يشكل أحد أهم أسباب خذلان مقاتلي هادي هناك، حيث يرى مراقبون أن انعكاس الموقف الإماراتي من الإصلاح أثر سلبا على المعركة ضد حركة أنصار الله وأربك التحالف العربي وعملياته العسكرية وأطال أمد الحسم . انفصال الجنوب التلويح بالانفصال هو أحد أوراق أبو ظبي التي أشهرتها لمجابهة التحركات السعودية فيما يخص تفصيل حكومة هادي على المقاس السعودي، وهي الورقة التي لا تحبذها السلطات في السعودية، فاليمن دولة حدودية للسعودية وأي دعوات انفصالية فيها قد تلقي بظلالها السيئة على المملكة واستقرارها، حيث قامت الإمارات بفتح الباب أمام شخصيات يمنية تطالب بانفصال الجنوب عن الشمال، والذين تستضيفهم الإمارات على أراضيها، مثل نائب الرئيس اليمني الأسبق، على سالم البيض، وحيدر أبوبكر العطاس، أول رئيس وزراء بعد تحقيق الوحدة مع الشمال، والقيادي بحزب رابطة أبناء الجنوب، عبدالرحمن الجفري، وجميعهم ينادون بفك الارتباط عن مركزية صنعاء والعودة بالجنوب إلى ما قبل عام 1990 الذي شهد إعلان الوحدة بين الشمال والجنوب. التوغل السلفي ما يقلق المملكة أيضًا مواصلة الإمارات توسيع نفوذها في اليمن عبر اجتذابها لقيادات من التيارات السلفية هذه المرة، ومن أبرز تلك القيادات، هاني بن بريك، الذي يقود قوات الحزام الأمني في عدن والمدن المحيطة بها، التي تحظى بدعم من أبوظبي، ولذلك بات ضمن قائمة ما يعرف ب"رجالاتها في اليمن"، الإماراتيون دفعوا بالداعية السلفي بن بريك، الذي عين في يناير مطلع العام الجاري، وزيرا للدولة في الحكومة التي يرأسها أحمد عبيد بن دغر إلى الواجهة، وهو الأمر الذي بدأ يثير ريبة المملكة، خاصة أن الإمارات بدأت في التوغل في ملعب السعودية المتخصص بالجماعات السلفية. نظرة السعودية من حيث المبدأ، لا تمانع السعودية في دور للإمارات مساعد لها في عدوانها على اليمن بل وترحب به، لكن في المقابل تحاول السعودية أن لا يكون لأي دولة خليجية أو غيرها تأثير فعال في اليمن، فالرياض تعتبر أن اليمن بمثابة حديقتها الخلفية والعمق الجيوسياسي للمملكة، وبالتالي وجود الإمارات يجب أن لا يستتبعه أي نفوذ سياسي لأبو ظبي في مستقبل اليمن، ويبدو أن قلق السعودية تعاظم بعد أن أظهرت الإمارات رغبتها في توسيع نفوذها شرق اليمن، وتحرك القوات الإماراتية نحو مدن في حضرموت كانت تقع تحت سيطرة القاعدة. المريب بالنسبة للرياض أن التحرك الإماراتي شرق اليمن كان بتنسيق ودعم أمريكي بعيدًا عن السعودية، فلم يمض وقت طويل على إعلان أنور قرقاش، وزير الدولة للشؤون الخارجية، تحرير الإمارات للمكلا، حتى أعلنت واشنطن رسميا عن حقيقة دور أبوظبي في العملية العسكرية، حيث تحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون)، النقيب جيف ديفيس، وقال إن قوات أمريكية قدمت ما وصفه ب "دعم استخباري"، إضافة إلى "المساعدة في التخطيط العملياتي للقوات الإماراتية المتواجدة في محافظة حضرموت"، وكشف ديفيس، أن بلاده "تقدم مساعدة للقوات الإماراتية، تتمثل في المراقبة، والاستطلاع الاستخباري الجوي، والدفاع البحري، والعمليات الأمنية، والدعم الطبي، والتزود الجوي بالوقود"، وبالتالي هناك تحركات إماراتية وبالتنسيق مع واشنطن لا تمر بالضرورة من الرياض، وهو أمر يقلق المملكة خاصة في الفترات المقبلة بعد تولي الرئيس الأمريكي الجديد، دونالد ترامب، الذي يتقاسم مع أبو ظبي العداء للجماعات الإسلام السياسي، كالإخوان وغيرهم. ولد الشيخ تنص خطة مبعوث الأممالمتحدة إلى اليمن، إسماعيل ولد الشيخ، على "نقل هادي صلاحياته لشخصية توافقية يتم تعيينها في منصب نائب الرئيس، عقب تنحي الجنرال الأحمر من هذا المنصب، على أن يقوم النائب الجديد بتشكيل حكومة جديدة يشارك فيها الحوثيون، بينما سيصبح منصور هادي، رئيسا شرفيا حتى إجراء انتخابات رئاسية في البلاد. الخطة الأممية الجديدة قد تحيي آمال الإمارات بنفوذ سياسي لها في الحكومة اليمنية المقبلة، قد تكون من خلال طرح ورقة خالد البحاح، مجددًا، كنائب جديد توافقي، فصحيح أن البحاح محسوب على حكومة هادي سابقًا، لكنه في الوقت نفسه يحظى بالحد الأدنى من القبول من قبل "أنصار الله-وصالح"، فالبحاح كان مرشح أنصار الله في المراحل الأولى بعد دخولهم صنعاء. احتمالية طرح البحاح للمنصب الجديد قد تتوافق مع إعلان وزير الشؤون الخارجية الإماراتي، أنور قرقاش، عن أن "بلاده تدعم مبادرة ولد الشيخ"، رغم أنها تحدد مصير هادي، الذي يميل باتجاه الإخوان على سدة الحكم باليمن، في ظل تمسك الرياض بما تسميه شرعية هادي والتي شكلت تحالفا عسكريا لدعمها، وهو الأمر الذي من شأنه أن يفضي لحسابات معقدة ودقيقة يقوم بها طرفا النفوذ الخليجي في اليمن تنذر بتأجيج مظاهر النفوذ بينهما.