مرت خمس سنوات منذ خضعت مصر وتونس لتغيير النظام، ومازالت الدولتان يعانيان من انخفاض معدلات النمو الاقتصادي وارتفاع معدلات البطالة. وبعد الفشل في إجراء إصلاحات من تلقاء نفسهما، اتجهت كلا البلدين إلى صندوق النقد الدولي، الذي وصل إلى اتفاق مع تونس في عام 2013، ووافق على قرض لمصر بقيمة 12 مليار دولار – هو الأكبر لأي بلد في الشرق الأوسط. هذا الأداء الاقتصادي الضعيف يعرقل تحرك البلدين نحو الديمقراطية ويحول الاتجاه نحو احتمالية تجديد الدكتاتورية، لأن عدم الاستقرار السياسي وعدم اليقين من أي شيء يؤثر سلبا على الاستثمار والنمو. حتى وقت قريب، كلتا الدولتين أظهرتا بشكل مثير للدهشة عدم اهتمام وافر بالإصلاح الاقتصادي. وبدلا من ذلك، انخرطا في القضايا الأمنية والبحث عن الهوية. ومع ذلك، يبدو طريق تونس أكثر إشراقا ووضوحا من طريق مصر. تبنت تونس المشاركة السياسية، لذلك يمكن أن تجد نفسها قريبة مرة أخرى من طريق النمو الاقتصادي الصحي في حين حالة الانغلاق السياسي في المجتمع المصري تضع اقتصادها في دوامة من عدم اليقين والهبوط. اتسع العجز في الحساب الجاري للبلدين نتيجة تراجع عائدات السياحة وتعطل أنشطة التصدير، واتخذ كلا البلدين تدابيرا لتحسين القدرة التنافسية للقطاع الخاص. في تونس، أعاقت البيروقراطية الحكومية نشاط القطاع الخاص، وهناك تقارير عن فساد متزايد من قبل شركات مرتبطة سياسيا منذ تولت حكومة نداء تونس السلطة في عام 2015. في مصر، الرئيس السيسي، مثل الرئيس الأسبق حسني مبارك، يشعر بالحذر من السماح للاعبي القطاع الخاص من اكتساب نفوذ اقتصادي وسياسي، ويعتمد بدلا من ذلك على المقربين الذي يثق بهم، مثل شركات الجيش وبعض الشركات الخاصة التي كانت مرتبطة بنظام مبارك. سمحت تونس لعملتها بالتكيف مع مرور الوقت، حيث فقد الدينار التونسي ثلث قيمته أمام الدولار الأمريكي منذ عام 2014. مصر، من جانبها، أساءت إدارة سعر صرف عملتها بشكل كارثي. باستثناء تعديل طفيف واحد في عام 2013، تمسكت بمعدل سعر صرف ثابت منذ عام 2011. وعندما امتثلت لشروط صندوق النقد الدولي، أعلنت قرار تعويم الجنية المصري في 1 نوفمبر، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع صادم في الأسعار. الشعب المصري والتونسي أصبحا غير راضيين بشكل متزايد بالأداء الاقتصادي لحكوماتهما. لكن مع مرور الوقت، هذا الإحباط قد يدفع الاقتصاد التونسي للمضي قدما، في حين يضر بالوضع في مصر. على مستوى الأداء سياسيا، الانفتاح السياسي في تونس يعزز حوار صحي حول الحلول الممكنة ويخلق جمهور ورأي عام أكثر إعلاما وتفهما. على سبيل المثال، مجلس الوزراء التونسي الجديد الذي تشكل في أغسطس يشمل قادة نقابيين سابقين، الذين يمكنهم الآن صياغة سياسات اقتصادية واسعة، وليس مجرد الضغط من أجل رفع الأجور. وهذا بالفعل يخلق مناقشات سياسة عامة أكثر إيجابية، لأن صناع القرار يركزون على كيف أن قطاع الأعمال التجارية يمكن أن يتشارك إلى حد ما عبء التكيف الاقتصادي. لكن النظام السياسي المغلق في مصر، على النقيض من ذلك، قد ترك الحكومة في خوف دائم من الشارع. ومع عدم وجود قنوات لحوار سياسي بناء، كان أفضل خيار للحكومة هو تأجيل التعديلات الاقتصادية اللازمة حتى تصبح لا مفر منها. هذا الأسلوب ليس فقط غير فعال اقتصاديا (يتجلى في غياب صافي الاستثمارات الأجنبية في مصر في السنوات الأخيرة)، بل هو أيضا محفوف بالمخاطر سياسيا. السياسيون المصريون لا يمكنهم فعل شيء سوى الدعاء والأمل أن الشارع المصري لا ينتفض ردا على تداعيات انخفاض قيمة العملة الأخير. في تونس، أعضاء المجتمع المدني ووسائل الإعلام مسموح لهم انتقاد الحكومة بحرية والدعوة إلى التغيير. ورغم ذلك لا يمكن لأي حكومة تجاهل انتقاد شعبي متزايد إلى الأبد دون اتخاذ إجراءات. في الواقع، يتضمن مشروع قانون الموازنة التونسي2017 بالفعل تدابير عاجلة لمكافحة الفساد، وتقليم البيروقراطية، والحد من التهرب الضريبي. في مصر، من ناحية أخرى، جاء تخفيض قيمة العملة بمثابة صدمة للمواطنين العاديين. كان هناك القليل جدا من الفهم العام حول حالة الاقتصاد، وذلك لأن وسائل الإعلام الرئيسية، بعد أن أصبحت لسان حال النظام، كانوا يرسمون صورة وردية لمستقبل مشرق. في نفس الوقت، حرية التعبير وتكوين الجمعيات هي محدودة للغاية. ويعتبر انتقاد السياسات الحكومية بمثابة تهمة خيانة عظمى. حققت تونس تقدما سياسيا من خلال دعم العمليات الديمقراطية، وخلق مساحة مؤسسية لجميع أصحاب المصلحة، والسماح لحرية التعبير والتجمع. هذا يبشر بالخير لآفاق الاقتصاد التونسي على المدى الطويل. مصر، من جانبها، قد تستفيد من مكاسب على المدى القصير نتيجة لحزمة صندوق النقد الدولي. لكن حكامها لا يمكن أن يأملوا في تحقيق تقدم على المدى الطويل عن طريق إجراءات تضاعف الاستبداد. بروجيكت سينديكيت