ظهرت خلال الأيام القليلة الماضية العديد من التقارير والتصريحات التي تحدثت عن احتمالية توريد روسيا، أنظمة "إس 400" الصاروخية للدفاع الجوي، إلى تركيا، الأمر الذي شكّل مفاجأة عسكرية أثارت العديد من التساؤلات حول ماهية هذه الصفقة، وكيف ستؤثر على العلاقات بين أنقرة وحلف الناتو في حال إتمامها، وهل باتت العلاقات بين موسكووأنقرة حميمية؟ وهل وصلت التوافقات بين البلدين لمرحلة تجعل الأولى تعطي الأخيرة أحد أهم المنظومات التي تنفرد بها؟ رئيس الهيئة الفدرالية الروسية للتعاون العسكري التقني، ألكسندر فومين، أعلن، أمس السبت، أن مسألة توريد أنظمة "إس 400" الصاروخية للدفاع الجوي إلى تركيا ستناقش خلال اجتماع اللجنة الحكومية المشتركة "الروسية – التركية"، الذي سيعقد في وقت قريب. من جانبه كشف وزير الدفاع التركي فكري إشيق، أن بلاده تجري محادثات مع موسكو بشأن صفقة محتملة لشراء أنظمة دفاع صاروخي من طراز "إس400″، وأضاف أن موقف روسيا من المسألة إيجابي حتى الآن، وأن أنقرة تتواصل مع دول أخرى بخصوص الدفاع الصاروخي. "إس 400" هي منظومة دفاع جوي تتفوق على الباتريوت الأمريكي، حيث تستطيع إسقاط جميع وسائل الهجوم الجوي الموجودة حاليًا بما فيها الطائرات والمروحيات والطائرات الموجهة عن بعد "بدون طيار"، والصواريخ المجنحة والصواريخ البالستية التكتيكية والعملياتية التكتيكية، التي يمكن أن تصل سرعتها إلى 4800 متر في الثانية، كما تستطيع تدمير طائرات التشويش الإلكتروني، وطائرات الاستطلاع والكشف الراداري، وطائرات التجسس، والطائرات الاستراتيجية والتكتيكية، وجميع وسائل الهجوم الجوي الفضائي الحالية والمستقبلية. صمت روسي على الرغم من عدم تأكيد أي من المسؤولين الروس أو الأتراك بقرب إتمام هذه الصفقة، إلا أن مجرد صمت القيادة الروسية على هذه الأنباء، أو الاكتفاء بالقول إنهم سيناقشون الموضوع في اجتماعات مقبلة، يوحي بأن موسكو ليس لديها ما يمنع من مناقشة فكرة إعطاء تركيا هذه المنظومة الاستراتيجية، وهو ما يطرح الكثير من علامات الاستفهام، خاصة مع التذكير بتصريحات سابقة لنائب رئيس الوزراء الروسي دميتري روغوزين، الذي أعلن في وقت سابق، أن روسيا تعتزم توريد أنظمة "إس400" المتطورة إلى الصين والهند فقط بشكل استثنائي، باعتبارهما شريكين استراتيجيين لموسكو، مضيفًا أن موقف وزارة الدفاع الروسي بشأن توريد أنظمة "إس 400" للدفاع الجوي إلى الخارج، يتمثل في أنه لا يجب توريدها لدول أجنبية قبل تلبية احتياجات القوات المسلحة الروسية إلى هذه الأنظمة بشكل كامل، ويُعتقد أن هذه المنظومة المتطورة قد تم توريدها إلى الصين والجزائر حتى الآن. علاقات متأرجحة بعيدًا عن هذه التصريحات، فإن طبيعة العلاقات الروسية التركية لم تصل بعد إلى مرحلة الشراكة الاستراتيجية أو الدبلوماسية الحميمة التي تدفع روسيا لتوريد مثل هذه المنظومة الهامة إلى تركيا، أو تدفعها إلى التساهل في منح تركيا أسرار منظومتها الصاروخية الفريدة، فقبل أشهر فقط كانت العلاقات بين الطرفين أقرب إلى العداء حتى إنها وصلت إلى قطع العلاقات الدبلوماسية وطرد السفراء من الجانبين، وذلك بعد إسقاط القوات التركية مقاتلة روسية على الحدود بين تركياوسوريا، في 24 نوفمبر من العام الماضي، وعلى الرغم من المصالحة التي تمت بين الطرفين قبل أشهر قليلة فإن التوافقات ووجهات نظر الطرفين في العديد من القضايا والأزمات لا تزال بعيدة بعض الشيء، وخاصة في سوريا والعراق وحتى اليمن وأزمة القرم، وعلى رأس كل ذلك وجود تركيا في حلف الناتو الذي يعتبر روسيا عدوًا لدودًا له، ويصنفها على أنها مصدر الخطر الأول. يرى بعض المراقبين أن اتخاذ تركيا المزيد من الخطوات تجاه روسيا، والتي تمثلت مؤخرًا في طلب توريد منظومة "إس400″، ينبع من رغبتها في لي ذراع الغرب والضغط عليه من أجل التجاوب مع مطالبها السياسية في الانضمام للاتحاد الأوروبي، والتجاوب مع تخوفها من احتمال ظهور دولة كردية. تلويح للغرب تأتي التحركات التركية في وقت تشهد فيه علاقاتها مع الغرب مزيدًا من التوتر والخلافات المتصاعدة عبرت عنها في الآونة الأخيرة تصريحات المسؤولين الأتراك وعدد من قادة الدول الغربية، وعلى رأسها أمريكا التي تتهمها تركيا بحماية فتح الله جولن، ومنظمته التي تعتبرها أنقرة إرهابية، بالإضافة إلى التحالف مع أعداء أنقرة الأكراد في سوريا، ناهيك عن التوتر المتصاعد بين تركيا والاتحاد الأوروبي الذي يتهم أنقرة بالتضييق على حريةُ الرأي والتعبير، فيما تتهمه أنقرة بالمماطلة في قبولها الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، الأمر الذي يدفع إلى القول بأن تركيا اتخذت هذه الخطوة كتهديد للناتو والغرب. من المؤكد أن أنقرة تدرك جيدًا خطورة هذه الصفقة على علاقاتها الاستراتيجية بالغرب وخاصة دول حلف الناتو، حيث إنه في حال انعقاد تلك الصفقة سوف تؤدي إلى تغيرات كبيرة في العلاقات التركية الغربية، ربما تصل إلى خروج أنقرة من الحلف الأطلسي، أو إعادة تركيا النظر في علاقاتها بالغرب ومنها تجميد عضويتها في الحلف الأطلسي، وهو الأمر الذي تؤكده تقارير استراتيجية غربية خرجت خلال الثلاث سنوات الأخيرة، جاء فيها أن تركيا قد تغادر الحلف الأطلسي، وقد تجمد مطلبها بالالتحاق بالاتحاد الأوروبي، وتتجه إلى دول البريكس وهي الصينوروسيا والبرازيل وجنوب إفريقيا والهند.