خطوة جديدة على طريق إعادة العلاقات التركية الإسرائيلية، ليصبح بموجبها التطبيع بين الدولتين رسمي ومُعلن، الأمر الذي يتوج مسيرة التعاون التركي الصهيوني السرية منذ أشهر بالطابع الرسمي الدبلوماسي، ما يُعيد للأذهان الشروط أكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أنه لن يتراجع عنها، فهل طبقها الاحتلال الصهيوني أم تنازل عنها مقابل المصالح؟ التطبيع المُعلن تم بتبادل كل من تركيا وإسرائيل تعيين سفراء لدى بعضهما، بعد قطع العلاقات لسنوات عديدة، وذكرت وزارة خارجية الاحتلال، الثلاثاء الماضي، أنها سمت سفيرها الجديد في تركيا، وبانتظار قبول أوراق اعتماده من قبل السلطات التركية، وأوضح المتحدث باسم خارجية الاحتلال، إيمانويل نخشون، أنه تقرر تعيين "إيتان نائيه"، في منصب سفير لدى أنقرة. ونائيه دبلوماسي صهيوني سبق له العمل في سفارة إسرائيل بلندن، كما عمل سفيرا في أذربيجان بمجال الطاقة، وعمل أيضًا لعدة سنوات كمستشار سياسي لرئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، وتولى في بداية التسعينات من القرن الماضي، سلسلة مناصب دبلوماسية بما فيها منصب القنصل العام في العاصمة التركية أنقرة. من جهتها، أعلنت أنقرة تعيين كمال أوكام سفيرًا جديدًا لها لدى الاحتلال، الذي كان يشغل منصب مستشار لرئيس الوزراء التركي، بن علي يلدريم، ومن المقرر أن يتوجه إلى فلسطينالمحتلة خلال الأسابيع القليلة المقبلة. يمكن القول حاليًا أن العلاقات بين أنقرة وتل أبيب أصبحت دبلوماسية رسمية مُعلنة، ما يُمكّن الطرفين من تعزيز العلاقات بينهم سياسيًا واقتصاديًا وأمنيًا كيفما شاءوا، ورغم أن العلاقات بين الطرفين لم تكن بحاجة إلى تبادل السفراء لتعزيزها، حيث قطع الطرفان العديد من الأشواط في التعاون الاقتصادي والأمني، حتى أصبح لديهما رؤى موحدة في العديد من الملفات الإقليمية، وعلى رأسها الأزمة السورية. بدأ تطبيع العلاقات السياسية بين الطرفين في 27 يونيو الماضي، حينما قررت أنقرة وتل أبيب إعادة العلاقات بينهما عقب توتر دام لسنوات عديدة إثر اعتداء جيش الاحتلال في العام 2010، على سفينة "مرمرة" التركية أثناء توجهها ضمن أسطول الحرية لفك الحصار المفروض على قطاع غزة، واستشهد في الحادثة 10 نشطاء أتراك في المياه الدولية، وحينها اشترطت أنقرة ثلاثة أمور لتوقيع اتفاق التطبيع وإعادة العلاقات، هي اعتذار إسرائيل، ودفع تعويضات لذوي وعائلات شهداء سفينة المساعدات التركية، بالإضافة إلى إلغاء الحصار عن قطاع غزة، وهو ما لم يتحقق. منذ ذلك الوقت، أبدت أنقرة اهتمامًا كبيرًا بالتعاون مع تل أبيب في جميع المجالات، خاصة أن إعادة العلاقات بينهما، وجاء في الوقت الذي تدهورت فيه العلاقات التركية الروسية على خلفية إسقاط الأولى لمقاتلة روسية على الحدود التركية السورية، ورأت أنقرة في اتفاق المصالحة مع الكيان الصهيوني ملاذًا لتجنبها العزلة الدولية التي كانت تهددها. كما أن مجال الطاقة واستيراد الغاز من حقول الغاز الطبيعي البحرية التي تعكف إسرائيل حاليًا على تطويرها، كان في مقدمة المجالات التي فتحت الباب أمام تطبيع العلاقات بين الطرفين، حيث وقعا على اتفاقية تقضي بنقل الغاز الإسرائيلي إلى أوروبا عبر الأراضي التركية، إذ عُقد اجتماع جمع بين وزير الطاقة التركي، بيرات البيرق، ونظيره الإسرائيلي، يوفال شطاينتس، انتهى بتوقيع الوثيقة الأولية المنظمة للاتفاق، حيث سيستغرق المشروع مدة ثلاث سنوات ليكون جاهزًا لنقل الغاز في نهاية عام 2019. يمكن القول بإن الشرطين الأول والثاني لأردوغان من أجل عودة التطبيع مع الكيان الصهيوني تحققا، حيث أعربت إسرائيل في وقت سابق عن أسفها لسقوط قتلى أتراك في الهجوم على سفينة مرمرة، كما دفع الاحتلال لتركيا 20 مليون دولار تعويضًا لضحايا القتلى، وتم تحويل المبلغ إلى حساب وزارة العدل التركية، ليظل الشرط الثالث برفع أو حتى تخفيف الحصار على غزة، عالقًا. ويبدو أن أهالي قطاع غزة الذين دأبت تركيا على التباكي لأوضاعهم اللاإنسانية نتيجة الحصار الجائر المفروض عليهم من قبل الاحتلال الصهيوني، لم يكونوا عقبة أمام التطبيع الإسرائيلي التركي، حيث أعاد اتفاق التطبيع بين الطرفين، إحياء جانب من الوضع الاقتصادي التركي ومنه قطاع السياحة، كما ستستغل أنقرة التعاون في المجال الاستخباراتي والعسكري في الحرب التركية ضد حزب العمال الكردستاني في تركيا، وحزب الاتحاد الديمقراطي في سوريا.