لاشك أن عبادة الصوم تمثل طريقًا مختصرًا إلى التحلي بخلق الصبر، ذلك الخلق الذي حث الله تعالى عباده بالتخلق به والتحقق بأسبابه وراتبه وأجزل مثوبتة وأجر الصابرين فقال تعالى:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) [البقرة: 153]، وبين النبي صلى الله عليه وسلم أن أفضل الطرق التي ينبغي أن يسلكها المسلم حتى يتعود على الصبر هو طريق الصوم.. قال صلى الله عليه وسلم: «الصوم نصف الصبر» وحول هذا المعنى واهمية الصبر في عصر الإبتلاء والمحن وأجر الصابرين على تحمل الأذى و البلاء يحدثنا فضيلة الأستاذ الدكتور حمدى أحمد سعد وكيل كلية الشريعة والقانون للدراسات العليا والبحوث. يقول فضيلته.. العبادة لاتحمل في طياتها المشقة والتعذيب والإرهاق، وإنما تقوم بالإرتقاء بالنفس حتى يتحقق المسلم الصائم بمقام التقوى والمراقبة لله تعالى، لذا كان ثواب الصائم وأجره عند الله تعالى وحده، اختص به من سائر الأعمال، قال صلى الله عليه وسلم: «كل عمل ابن آدم يضاعف، الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، قال الله عز وجل: إلا الصوم، فإنه لي وأنا أجزي به ".. . ويضيف فضيلته.. أنه لايخفى على أحد ما تمر به البشرية جمعاء هذه الأيام من بلاء عظيم يهدد الناس أجمعين، الكبير والصغير، والغني والفقير، القوي والضغيف، دون تفرقة بين شخص وغيره، ولاشك أن هذا البلاء الذي يصيب الناس في أبدانهم وأرواحهم جعل العديد منهم ربما يشعر باليأس والقنوط والتضجر، بل إن هذا الشعور ينتاب أيضا من لم يصب بهذا البلاء لمجرد إحساسه بأنه معرض للإصابة به، والبعض الآخر ينتابه هذا الشعور لفقده بعض أمواله أو وظيفته أو كساد تجارته، أو لتهديده في مستقبله، أو لمجرد مكثه في بيته والحد من تنقلاته اليومية التي كان يقوم بها، ومن ثم فإننا في أمس الحاجة إلى التسلح بالأسلحة الإيمانية التي نعبننا على هذا البلاء وغيره من المصاعب والمشكلات التي تواجهنا في حياتنا، ومن أهم وأقوى هذه الأسلحة سلاح الصبر اقتداء بنبينا محمد صلى عليه وسلم الذي خاطبه ربه عز وجل قائلا: {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلاَ تَسْتَعْجِل لَّهُمْ.. .} [الأحقاف: 35].وقال أيضا: ( وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ ۚ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ) سورة النحل الآية (127) لنسعد برضى الله عز وجل عسى أن نفوز ببعض ما أعده الله تعالى للصابرين من أجر عظيم ومكانة عالية وبشريات كريمة قال عنها سبحانه: ( وبشر الصابرين ). أشار إلى ان من هذه المبشرات أولا: معية الله تعالى ومحبته للصابرين من أهم المنح الربانية للصابرين أن الله تعالى معهم ويحبهم، ويدل على ذلك قول الله تعالى: {إنّ الله مَعَ الصّابِرينَ} [البقرة:153].أي معهم برحمته وهدايته ولطفه بهم وهو ما يؤكده قول الله تعالى: (وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ، الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ) البقرة/ 155 - 157، وما ذلك إلا لأن الله تعالى يحبهم، ألم يقل عز شأنه {وَاللّهُ يُحِبُّ الصّابِرِينَ}؟ [آل عمران:146]. ومما يؤكد ذلك أيضا ما ورد في الحديث القدسي الصحيح الذي رواه أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إنَّ اللَّهَ عزَّ وجلَّ يقولُ يَومَ القِيامَةِ: يا ابْنَ آدَمَ مَرِضْتُ فَلَمْ تَعُدْنِي، قالَ: يا رَبِّ كيفَ أعُودُكَ وأَنْتَ رَبُّ العالَمِينَ؟ قالَ: أما عَلِمْتَ أنَّ عَبْدِي فُلانًا مَرِضَ فَلَمْ تَعُدْهُ؟ أما عَلِمْتَ أنَّكَ لو عُدْتَهُ لَوَجَدْتَنِي عِنْدَهُ؟ يا ابْنَ آدَمَ اسْتَطْعَمْتُكَ فَلَمْ تُطْعِمْنِي، قالَ: يا رَبِّ وكيفَ أُطْعِمُكَ وأَنْتَ رَبُّ العالَمِينَ؟ قالَ: أما عَلِمْتَ أنَّه اسْتَطْعَمَكَ عَبْدِي فُلانٌ فَلَمْ تُطْعِمْهُ؟ أما عَلِمْتَ أنَّكَ لو أطْعَمْتَهُ لَوَجَدْتَ ذلكَ عِندِي؟ يا ابْنَ آدَمَ اسْتَسْقَيْتُكَ، فَلَمْ تَسْقِنِي، قالَ: يا رَبِّ كيفَ أسْقِيكَ وأَنْتَ رَبُّ العالَمِينَ؟ قالَ: اسْتَسْقاكَ عَبْدِي فُلانٌ فَلَمْ تَسْقِهِ، أما إنَّكَ لو سَقَيْتَهُ وجَدْتَ ذلكَ عِندِي. صحيح مسلم الرقم: 2569 فأي مكانة أعز من أن الله تعالى يكون بجوارك يسمع دعاءك ويعلم حالك ويعلم بمن يزورك. ( أجر الصابرين بغير حساب) قال الله تعالى: {قُلْ يَاعِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ [10]} [الزُّمَر:10]وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -: أنَّ رسول الله قال: ((.. .ومن يتصبَّر يُصبِّره الله، وما أعطي أحدٌ عطاءً خيرًا وأوسع من الصَّبر))، رواه البخاري ومسلم، ووعد الله تعالى الصابرين بالخير الكثير فأخبرنا عز وجل أنه لا يستحق هذا الخير إلا الصابرون بقوله عز وجل: {وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ} [القصص: 80]، وقوله: {وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} [فصلت: 35]. (الصبر جزاؤه الجنة) إذا كان الله عز وجل قد بين لنا أن للصابرين أجرهم بغير حساب فإنه بشرنا في مواطن أخرى بأن جزاء الصبر هو الجنة، قال تعالى: ﴿ وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا ﴾ [الإنسان: 12] وقال تعالى: ﴿ أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا ﴾ [الفرقان: 75]، وقال أيضا:﴿ وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ، جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ، سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ ﴾ [الرعد: 22 - 24]. وعَنْ عَطَاء بن أبِي رَبَاحٍ قَالَ: قَالَ لِي ابْنُ عَبَّاسٍ: ألا أُرِيكَ امْرَأةً مِنْ أهْلِ الجَنَّةِ؟ قُلْتُ: بَلَى، قال: هَذِهِ المَرْأةُ السَّوْدَاءُ، أتَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقالت: إِنِّي أصْرَعُ، وَإِنِّي أتَكَشَّفُ، فَادْعُ اللهَ لِي، قال: «إِنْ شِئْتِ صَبَرْتِ وَلَكِ الجَنَّةُ، وَإِنْ شِئْتِ دَعَوْتُ اللهَ أنْ يُعَافِيَكِ». فَقالت: أصْبِرُ فَقالت: إِنِّي أتَكَشَّفُ، فَادْعُ اللهَ لِي أنْ لا أتَكَشَّفَ، فَدَعَا لَهَا. متفق عليه، وَعَنْ أنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «إِنَّ اللهَ قال: إِذَا ابْتَلَيْتُ عَبْدِي بِحَبِيبَتَيْهِ فَصَبَرَ، عَوَّضْتُهُ مِنْهُمَا الجَنَّةَ». يُرِيدُ: عَيْنَيْهِ. أخرجه البخاري. ( الصبر دليل الإيمان) بل ذروة الإيمان، قال الإمام علي رضي الله عنه: "الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد"[8]. وقال أبو الدرداء: " ذروة الإيمان الصبر". (الصبر والوعد بإمامة الناس في الدين) فقد مدح الله تعالى عبده أيوب وأثنى عليه بقوله {إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ} [ص: 44]، فمدح الله تعالى عبده أيوب بقوله "نعم العبد"، لأنه وجده صابرا، كما وعد الله تعالى الصابرين بكونهم أئمة للناس في الدين لصبرهم وتحملهم الأذى قال تعالى -: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ} [السجدة: 24]، فبالصَّبر واليقين تنال الإمامة في الدين لذا أوصيكم بالصبر لمواجهة هذا البلاء حتى يرفعه الله تعالى عنا وعنكم وعن الناس أجمعين ولا سيما أننا في شهر الصبر وشهر المواساة أسأل الله العظيم أن يرفع عن بلادنا هذا البلاء ويحفظها من كل مكروه وسوء.