أدي عدم المساواة في الدخل الذي كان قائمًا قبل اندلاع جائحة كوفيد-19 إلي زيادة الآثار السلبية للجائحة، وتفاقم مظاهر عدم المساواة. ويظهر ذلك بشكل واضح في عدم المساواة في الحصول علي التعليم، والرعاية الصحية، والتطعيم، والخدمات العامة، مما قد يؤدي إلي حدوث اضطرابات اجتماعية وتدهور الثقة في الحكومات. لذلك، تحتاج الحكومات إلي توفير فرصة عادلة للجميع تمكنهم من الوصول إلي أهدافهم الممكنة وتعزيز قدرة الأسر المعيشية الضعيفة علي التحمل، والحفاظ علي الاستقرار الاجتماعي، مما يؤدي بدوره إلي استقرار الاقتصاد الكلي وزيادة ثقة الأفراد في حكوماتهم. يتمثل التحدي بعد جائحة كوفيد -19 في كيفية تقليص فجوات الدخل في ظل السياسات المالية التقييدية الناجمة عن هذه الجائحة. عدم المساواة قبل جائحة كوفيد -19 ودورها في تعميق أثار الجائحة علي مدي العقود الثلاثة الماضية، ارتفع التفاوت في الدخل في معظم الاقتصادات المتقدمة والأسواق الناشئة الكبيرة، بينما انخفض في العديد من الأسواق الناشئة والاقتصادات منخفضة الدخل. بالإضافة إلي ذلك، فإن توزيع الثروة يعد أكثر تفاوتًا مقارنة بتوزيع الدخل. هذا التفاوت في الدخل والثروة يخلق فرصًا غير متكافئة في التعليم، والرعاية الصحية، والخدمات الأساسية، ما يؤدي إلي استمرار عدم المساواة في الدخل جيلًا بعد جيل. يمكن أن يستدل علي هذا التفاوت في الفرص من خلال نتائج البلدان في تحقيق أهداف التنمية المستدامة (SDGs). أدت مظاهر عدم المساواة بين الدول وفيما بينها قبل وقوع كوفيد-19 إلي تفاقم الآثار الصحية الضارة للجائحة، فعلي سبيل المثال، يرتبط عدد أسرة المستشفيات (وتوافر اللقاح لاحقًا) ارتباطًا سلبيًا بمعدلات الوفيات المعدلة حسب العمر للفرد.كما يتضح أن معدلات الإصابة والوفيات ترتبط بشكل إيجابي بالفقر، ويمكن تفسير ذلك من خلال أن الفقراء يعيشون في الأحياء والمنازل المزدحمة، وقلة فرص حصولهم علي وظائف تمارس الابتعاد الاجتماعي، ومن ثم قلة الأمن الوظيفي والمدخرات المالية لديهم، وتدني فرص الحصول علي النظافة الصحية والوصول إلي الخدمات العامة الأساسية مثل: المياه والمرافق الصحية، والاعتماد أكثر علي النقل العام، مما يجعلها أكثر عرضة للإصابة. آثار كوفيد- 19 علي عدم المساواة والفقر من المتوقع أن ترتفع وتيرة عدم المساواة والفقر بسبب هذه الجائحة، حيث تشير التقديرات العالمية إلي أن عدد الأشخاص الذين يعانون من الفقر المدقع سيرتفع بنحو 95 مليون شخص خلال عام 2020، مقارنة بتقديرات ما قبل كوفيد -19. وفي الاقتصادات النامية، تعد العمالة من ذوي المهارات المنخفضة وغير الرسمية، والشباب، والنساء هم الأكثر تضررًا. وقد ساعدت الإجراءات المالية التي اتخذتها بعض الحكومات في التخفيف من التأثير السلبي للجائحة علي الدخل في بلدان مثل الولاياتالمتحدة، والبرازيل، وإثيوبيا. وقد تزداد وتيرة عدم المساواة في المستقبل بشكل أكبر بسبب إغلاق المدارس والذي أدي إلي اضطراب عالمي غير مسبوق في التعليم. ومن المتوقع أن يكون السبب الرئيسي لخسائر التعليم هو إغلاق المدارس، وأن يكون السبب الثانوي هو تأثر دخل الآباء بالآثار السلبية للجائحة. وستكون خسائر التعليم أكثر حدة في الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية وبالنسبة للأطفال من الأسر الفقيرة والمناطق الريفية التي تفتقر إلي إمكانية الوصول إلي البنية التحتية المحدودة التي لا تستطيع دعم مخرجات التعلم عن بعد التي ظهرت جراء الجائحة. سياسات لمعالجة أوجه عدم المساواة يجب علي واضعو السياسات التركيز علي شبكات الأمان الاجتماعي، والرعاية الصحية، والخدمات التعليمية التي تضررت بشدة من جائحة كوفيد -19، حيث يتعين علي الحكومات أن تقدم التمويل العاجل لقطاع الرعاية الصحية، بما في ذلك حملات توفير اللقاح، فضلاً عن قيام قطاع التعليم بتقديم سبل الدعم للتعلم عن بعد، وتشجيع إعادة التحاق الطلاب (إعطاء الأولوية للطلاب المعرضين لخطر الانقطاع عن الدراسة بدرجة أكبر ومنهم الإناث)، ومحاولة تعويض خسائر التعليم عن طريق تعديل المناهج الدراسية وبما يتناسب مع التقويم المدرسي المتأثر نتيجة للجائحة، وتوفير أساليب التعليم المتطورة للمدرسين. يمكن تحقيق ذلك من خلال التركيز علي سياسات ما قبل التوزيع (قبل الضرائب والتحويلات) التي تعمل علي تعزيز المساواة والنمو الشامل، وعلي سياسات إعادة التوزيع (بعد الضرائب والتحويلات) التي تعمل علي الحد من الفقر وعدم المساواة في الدخل المتاح للتصرف، وتحسين فرص الحصول علي الخدمات الأساسية في الأجل القصير من خلال إعادة توزيع الدخل نحو الأسر المنخفضة الدخل، وتعزيز النمو علي المدي الطويل من خلال زيادة معدلات الالتحاق بالمدارس بين الأطفال من الأسر المعدمة. سياسات ما قبل التوزيع يحد الإنفاق الحكومي علي التعليم من عدم المساواة في الدخل، وقد يقلل من الحاجة إلي إعادة التوزيع المالي. يمكن أن يؤدي الإنفاق الأفضل علي التعليم إلي تقليل فجوات الالتحاق بالمدارس (الفجوة بين أعلي وأدني دخل). يلعب الاستثمار في الرعاية الصحية أيضًا دورًا رئيسيًا في تعزيز النمو والحد من عدم المساواة. يستدعي التحول الاقتصادي الناجم عن جائحة كوفيد -19 زيادة مهارات العمال للتكيف مع المتطلبات الوظيفية الجديدة وأشكال العمل المستحدثة، وذلك من خلال توفير برامج التدريب علي الوظائف، والمساعدة في البحث عن عمل، وإعانات الأجور. بالإضافة إلي ذلك، فإن تقليص الفجوة بين الجنسين في سوق العمل سوف يعزز النمو. ويمكن تحقيق ذلك علي سبيل المثال من خلال إتاحة مراكز رعاية الأطفال علي نطاق أوسع وبأسعار معقولة. سياسات إعادة التوزيع (الضرائب والتحويلات) أدت الضرائب والتحويلات المباشرة إلي الحد من أوجه عدم المساواة في الدخل بأكثر من الثلث في الاقتصادات المتقدمة، وقد تم ذلك بشكل كبير عن طريق التحويلات (الحد من عدم المساواة في القاع). لزيادة الكفاءة في توزيع التحويلات، تحتاج الحكومات إلي إنشاء سجلات اجتماعية شاملة وزيادة التركيز علي القطاعات غير الرسمية. العمل علي التوسع في اتاحة واستخدام المدفوعات الإلكترونية والتحويلات المالية عبر الهاتف المحمول لتعزيز الشمول المالي لمن لا يتوفر لديهم إمكانية الوصول إلي البنوك. من ناحية أخري، يمكن للحكومات التركيز علي زيادة الكفاءة الضريبية (الحد من عدم المساواة في القمة) وتعزيز القدرة الضريبية لتلبية احتياجات الإنفاق الكبيرة نتيجة لفيروس كورونا. تعد زيادة كل من الضرائب الهامشية القصوي وزيادة الضرائب التصاعدية أمران أساسيان. تنفيذ برنامج الإصلاح الضريبي علي الاستقطاعات الضريبية التي تساعد الأثرياء بدلاً من الفقراء. زيادة ضرائب الدخل الرأسمالي والثروة، حيث أن هذه الأنواع من الضرائب عادة ما تميل أكثر نحو الأغنياء. وتشير النتائج إلي أن فرض ضريبة متكررة بنسبة 1٪ علي ثروة أكثر 1٪ ثراءً من السكان يمكن أن يزيد الإيرادات بنسبة 0.4٪ - 0.6٪ من الناتج المحلي الإجمالي. يمكن للبلدان فرض ضرائب مؤقتة للمساهمة في التعافي من فيروس كورونا. الفرصة العادلة تعد جائحة كوفيد-19 اختبارًا هاما لقدرات الحكومات علي الحفاظ علي ثقة الناس وتعزيزها، حيث يكمن الخطر في أن كوفيد-19 يمكن أن يؤثر سلبًا علي تلك الثقة، خاصة إذا اعتبرت السياسات التي اتخذنها الحكومات استجابة للوباء غير كافية أو غير عادلة. ضمان الحصول علي التطعيم أمر بالغ الأهمية علي أن هذا يتطلب تمويلًا فعالاً وكافيًا. يعد تحديد الأولويات قبل الإنفاق أمرًا مهمًا بشكل خاص للحكومات حتي تتمكن من تلبية الاحتياجات والخدمات الأساسية وتوفيرها للأشخاص الأكثر تضررًا من هذا الوباء. ينبغي علي الحكومات أيضاً إعداد سياسات متوسطة الأجل تعمل علي توفير الخدمات الأساسية بصورة أفضل، وكذلك توفير حماية أفضل للدخل من الصدمات التي قد يتعرض لها الاقتصاد، هذا إلي جانب تعزيز التعافي الوافر بفرص عمل للجميع. يمكن للمجتمع الدولي أيضا تقديم الدعم المالي والفني، وتنسيق السياسات بين الدول للوصول إلي حلول أفضل.