اختص الله تعالي خير أمة أخرجت للناس، أمة نبيه وحبيبه محمد - صلي الله عليه وسلم - بنفحات في أيام الدهر لكي تتعرض لها فتزيد من حسناتها. يقول - صلي الله عليه وسل-: "إِنَّ لِرَبِّكُمْ فِي أَيَّامِ دَهْرِكُمْ نَفَحَات فَتَعَرَّضُوا لها، لَعَلَّهُ أَنْ يُصِيبَكُمْ نَفْحَةٌ مِنْهَا فَلَا تَشْقَوْنَ بَعْدَهَا أَبَدًا"، ومن هذه النفحات الأشهر الحرم، وقد أظلنا في هذه الأيام شهر رجب، وهو من الأشهر الحرم التي أمر الله سبحانه وتعالي بتعظيمها وإجلالها، يقول تعالي: "إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أنفسكم"، وقال صلي الله عليه وسلم: "السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا، مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ، ثَلاَثَةٌ مُتَوَالِيَاتٌ: ذُو الْقَعْدَةِ، وَذُو الْحِجَّةِ، وَالمُحَرَّمُ، وَرَجَبُ مُضَرَ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَي وَشَعْبَانَ". فينبغي علينا أن نعرف قدر هذا الشهر الحرام، وأن نحذر من المعصية فيه، فإنها ليست كالمعصية في غيره بل المعصية فيه أعظم، كما قال سبحانه: "يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ"، وقال قتادة - رحمه الله -: "إنّ الظلمَ في الشهرِ الحرامِ أعظمُ خطيئةً ووزراً من الظلمِ فيما سواهُ، وإنْ كان الظلمُ علي كلِّ حالٍ عظيماً، ولكنَّ اللهَ يُعظِّمُ من أمرِه ما شاء، وقال أيضا: "إنَّ اللهَ اصطفي صَفايا من خلقِه، اصطفي من الملائكةِ رسلاً، ومن النّاسِ رسلاً، واصطفي من الكلامِ ذكرَه، واصطفي من الأرضِ المساجدَ، واصطفي من الشهورِ رمضانَ والأشهرَ الحُرمَ، واصطفي من الأيّامِ يومَ الجمعةِ، واصطفي من اللَّيالي ليلةَ القدرِ، فعظِّموا ما عظَّم اللهُ، فإنّما تعظَّم الأمورُ بما عظَّمها اللهُ عند أهلِ الفهمِ والعقلِ". فشهر رجب وسائر الأشهر الحرم يجب أن نعظمها، وأن نقف حول الأحداث التي وقعت فيها، لنأخذ منها العبر والدروس، كمعجزة الإسراء والمعراج التي وقعت في شهر رجب، فلما عرض النبي - صلي الله عليه وسلم - نفسه علي الطائف، رفضوا دعوته، ورموه بالأحجار، وأغلقت الأبواب في وجهه، وكأن الله تعالي يقول له بهذه الرحلة: إذا كانت الأبواب قد أغلقت أمامك في الأرض، فإن أبواب السماء مفتوحة أمامك يا محمد، لذا فتعد هذه الرحلة المباركة أعظم تكريم للنبي صلي الله عليه وسلم وأمته، وفي هذه الرحلة كانت هدية الصلاة، لتكون خمسا في العمل، وخمسين في الأجر. وشهر رجب هو شهر الاستعداد النفسي والبدني والروحي لاستقبال شهر رمضان المعظم، وفي شهر رجب تتشوق نفوس المؤمنين لرمضان وتهب عليهم نسائمه، ويستشعرون قربه، حتي قيل: "شهر رجب شهر الزرع، وشعبان شهر سقي الزرع، ورمضان شهر حصاد الزرع"، ومن هنا يجب الاستعداد لشهر رمضان المعظم في هذا الشهر الحرام بالتوبة، والمبادرة بالأعمال الصالحة، والإكثار منها لكي يدخل الإنسان في شهر رمضان وهو في أتم استعداد وقرب من الله - عز وجل - يقول الشاعر: بيِّض صحيفتك السوداءَ في رجب بصالح العمل المنجي من اللهب شهرٌ حرامٌ أتي من أشهر حرم إذا دعا اللهَ داع فيه لم يخب طوبي لعبد زَكَي فيه له عملٌ فكف فيه عن الفحشاء والريب فعلي المسلم أن يبتعد في هذا الشهر الحرام عن الذنوب والآثام، وظلمه لنفسه ولغيره، وألا يعتدي عليهم بسفك دمائهم، أو بأكل أموالهم وحقوقهم، أو بالخوض في أعراضهم، وتتبع عوراتهم، وإفشاء أسرارهم، وإلحاق الأذي بهم. وختامها أذكر بما ورد عن النبي - صلي الله عليه وسلم - أنه قال وقت دخول شهر رجب: "اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان، اللهم سلمنا إلي رمضان وسلم رمضان لنا وتسلمه منا متقبلا يا أرحم الراحمين، اللهم بلغنا رمضان لا فاقدين ولا مفقودين". اللهم آمين يارب العالمين. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. [email protected]