ألقي أمس رئيس الجمهورية المؤقت المستشار عدلي منصور خطابه الأول للأمة في ظروف جد خطيرة تعصف بأمن الدولة المصرية ، و استقراراها ، و النيل من الاستحقاقات الديمقراطية التي ناضل من اجل استردادها ممن احتالوا علي ارادة الشعب ، و ذلك حين قام الشعب المصري الأبي بثورة جديدة في 30 يونيو الماضي بهرت العالم بأسره ، حتي حار في بدايتها في تفسيرها ، و فك طلاسمها ، و في معرض خطاب الرئيس المهم جدد الدعوة الي ضرورة العمل و بسرعة الي تفعيل ألية المصالحة الوطنية دون اقصاء أو استثناء . جلي أن المصالحة الوطنية أحد أهم أليات العدالة الانتقالية من أجل التحول و الانتقال الي نظام ديمقراطي يسود فيه القانون و تنفذ فيه أيضا ارادة الشعب ، و تتحق الشرعية الحقيقية ، و هي رضي المحكومين عن الحاكم ، و تترسخ فيه مبادئ الحكم الرشيد ، و يتحول المجتمع من مجتمع العائلة و الطائفة و العشيرة الي مجتمع المؤسساتية ، و الشرعية ، و المشروعية . و في خضم أتون الجدل السياسي و القانوني حول مصطلحات حاسمة و محسومة في سائر دول العالم الا المحروسة مصر ، تأتي المصالحة الوطنية و بقوة لتسيطر علي المشهد المصري برمته ، و تثير تساؤولات جد مهمة ، و يأتي علي رأس هذه التساؤلات : هل يمكن الصفح عن القيادات السياسية مهم علت مراتبها و سمت وظائفها الرسمية في حال ثبوت ارتكابهم جرائم معينة ماسة بالمصالح العليا للبلاد و امنها مثل الخيانة العظمي ؟ ، أو تعطيل المؤسسات الدستورية في البلاد ؟ ، أو انتهاك الدستور و القانون ؟ . ان السؤال الأولي الأهم في هذا السياق أيضا ، هو مسألة كشف الحقيقة أو كتمها و التجاوز عنها بدعوي المصالحة الوطنية ، و اللحمة القومية ، و الانتقال حيث يتشدق ممن لهم مصلحة في عدم كشف الحقيقة عن الجرائم المرتكبة في حق الوطن بتجارب و خبرات أجنبية سياقها و ظروفها منبتة الصلة بالسياق المصري ، لذا فاننا نشير في هذا السياق للحقائق المهمة الأتية أولا : وتنطوي المصالحة الوطنية علي الالتزام و التضحية ، وحين تدعو المصالحة للتكتم و نسيان ما وقع من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان خاصة من القادة و الرؤساء ، فانها تصبح زائفة ، فيجب أن تتضمن المصالحة الوطنية الاعتراف بالماضي و كشف الحقيقة لذا تضطلع مهمة لجان المصالحة الوطنية بكشف الحقيقة بل أنها تُسمي في العديد من الدولة التي تبنت هذه الآلية بلجان الحقيقة و المصالحة ، و حدث ذلك تماما في أمريكا اللاتينية ، و جنوب افريقيا منذ بداية التسعينات من القران المنصرم. ثانيا : أن العدالة الأنتقالية و بالطبع المصالحة الوطنية لا تتعارض مع العدالة الجنائية ، لكنها تقدم نظرة اعمق و أغني و أوسع لمواجهة المتورطين و للأهتمام بحاجيات المجتمع و الضحايا و للمساهمة في انطلاق عملية المصالحة و التحول . ثالثا : المجتمع الديمقراطي يتأسس علي سيادة القانون و التي تستلزم المحاسبة و المساءلة و المكاشفة ، و اذا كانت المجتمعات في سبيلها للتحول و الانتقال تصفح عن مرتكبي الجرائم من مرتبة المنفذين لهذه الجرائم ، فاننا لم نسمع بتجربة من تجارب التحول الديمقراطي غض المجتمع الطرف عن تأمر رؤسائه و تخابرهم مع منظمات ارهابية أجنبية ، هددت الامن القومي للدولة و المجتمع تهديدا مباشرا ، بل و ارتكبت جرائم جنائية يحق أفراد هذه المجتمع . رابعا : يجب الوضع في الاعتبار أن محاسبة القادة و الرؤساء علي الجرائم المباشرة التي ارتكبت بحق الدولة المصرية ، سيحول بالطبع دون تولي المسؤولين الكبار من الذين ارتكبوا انتهاكات مناصب نافذة من جديد . خامسا : أن محاسبة المتورطين في مثل الجرائم المشار اليها تساهم في كسر دائرة الانتقام الجماعي التي يمكن أن تتولد في المجتمع في حالة الصفح أو افلاتهم من العقاب . سادسا : المصالحة الوطنية المبتغاة دون كشف للحقيقة تعد مصالحة جائرة للمجتمع بشكل عام و للضحايا بشكل خاص ، فالحقيقة هي بمثابة حجر الزاوية في سيادة القانون ، و يجب أن تتجه صوب الافراد و ليس الشعوب ، باعتبارهم مرتكبين للجرائم ، و الحقيقة فقط بامكانها أن تمحو الكراهية و أن تساعد علي الشروع في مسلسل تضميد الجروح . سابعا : يخطئ من يتوهم أن الشعوب يمكن ان تصفح عن من تأمر عليها ، و غشها ، و احتال علي ارادتها من الحكام و القادة و الرؤساء ، فاذا كان أشرف الثأر العفو ، فيجب أيضا التفرقة بين ما يغتفر ، و ما لا يغتفر .