ظهر "مايك بومبيو" وزير الخارجية الأمريكي ملتحفًا بالجهل والخيال المريض عندما تحدّى القانون الدولى بشكل فاضح وقام بمحاولته الفاشلة التي سعى من خلالها إلى تحريك الدول الأعضاء في مجلس الأمن للتصديق على قرارات إدارة ترامب والتي كانت ترمى إلى محاصرة الشعب الإيرانى بالعقوبات من جديد. بيد أنها تلقت صفعة نجلاء من المجتمع الدولى وباءت محاولته بالفشل. وبذلك باتت أمريكا معزولة وعلى الجانب الخاطئ من التاريخ. ولا أدل على ذلك من أن التحرك الأمريكي أدين من الجميع، فلقد أدانته روسيا عندما قالت خارجيتها إنه لا يمكن لأمريكا القيام بتحركات غير شرعية تتخطى بها مجلس الأمن الدولى. وتبنت الدول الغربية نفس الرؤية عندما عارضت أمريكا في اتخاذ هذا المنحى؛ لأنها تكون بذلك قد تجاهلت ما تم إقراره عند ابرام الاتفاقية النووية التي وقعتها ايران في 2015 مع مجموعة 5 + 1 التي تضم الأعضاء الخمسة الدائمين بمجلس الأمن الدولى، الولاياتالمتحدةالأمريكيةوروسيا والصين وبريطانيا وفرنسا بالإضافة إلى المانيا وهى الاتفاقية التي تم بمقتضاها رفع العقوبات عن ايران. بيد أن أمريكا لم تتراجع ومضت في تصعيد الموقف أكثر وأكثر عندما هددت بفرض عقوبات ضد الدول المنتهكة للعقوبات على إيران. ولا شك أن التحرك الأمريكي هنا لا يأتي وفق رؤية واضحة وإنما هو خاضع للتنافس الانتخابى. ولهذا سارعت إدارة ترامب فاقتنصت ذريعة انتهاك الاتفاق النووي لفرض المزيد من الحصار على إيران رغم أن الأخيرة لم تنتهك الاتفاق الدولى بشأن أنشطتها النووية. ولهذا ظهر اعلان أمريكا بلا قيمة؛ حيث إنها لا تملك سلطة إعادة فرض عقوبات الأممالمتحدة اللهم إلا إذا كانت لا تزال تظن أن المنظمة الدولية هي أداة في يدها تحركها صوب الوجهة التي تريد. ورغم أن الولاياتالمتحدة انسحبت من الاتفاقية النووية في 2018 إلا أنها استغلت بندًا فيها تحت دعوى أنها لا يزال لديها الحق في تفعيله والذى يعاد بموجبه فرض عقوبات الأممالمتحدة على ايران من جديد. وتظل الولاياتالمتحدة تتحرك برعونة وتهور حتى أن الدول الأوروبية وتحديدا بريطانيا وفرنسا وألمانيا انتقدت التحرك الأمريكي إزاء الاتفاقية التي انسحبت منها بوصفه غير مشروع وقالت في بيان مشترك:( ليس بوسع أمريكا تفعيل البند الذى يتيح إعادة فرض عقوبات الأممالمتحدة على إيران لأنها انسحبت من الاتفاقية المذكورة والتي بموجبها أعلنت ايران التزامها بتقييد أنشطتها النووية الحساسة مقابل رفع العقوبات المفروضة عليها). ومنذ انسحاب ترامب تقترب الاتفاقية من الانهيار لا سيما بعد أن أعقب الانسحاب بفرض عقوبات اقتصادية على ايران في محاولة لإجبارها على التفاوض على اتفاق بديل من شأنه أن يفرض قيودًا إلى أجل غير مسمى على برنامجها النووي ويوقف أيضا تطويرها للصواريخ البالستية. إلا أن إيران رفضت إعادة التفاوض واتخذت إجراءات للتصعيد في مواجهة العقوبات الأمريكية؛ حيث تراجعت عن عدد من التزاماتها الرئيسة في الاتفاقية خاصة فيما يتعلق باليورانيوم المخصب الذى يمكن استخدامه لصنع وقود المفاعلات وصناعة الرؤوس الحربية النووية. لقد تقدم بومبيو بشكوى اتهم فيها إيران بعدم الامتثال للاتفاقية النووية وطالب بإعادة فرض العقوبات عليها. بينما أصرت القوى العالمية الأخرى على أنه ليس لدى أمريكا الحق القانوني للمطالبة بذلك. ولهذا فبمجرد تقديم أمريكا للشكوى سيكون أمام الدول الأخرى في مجلس الأمن ثلاثون يومًا لتتبنى قرارا يجنب العودة للعقوبات، وستكون أمريكا قادرة كعضو دائم على ممارسة حق النقض. وتأتى هذه الخطوة بعد أسبوع من رفض مجلس الأمن محاولة أمريكا لتمديد حظر الأسلحة المفروض على ايران إلى أجل غير مسمى وهو الحظر الذى من المقرر أن ينتهى في الشهر القادم. وتستمر أمريكا في عنادها ليشدد بومبيو على أنه بموجب قرار مجلس الأمن رقم 2231 الذى صادق على الاتفاق النووي فإن لأمريكا الحق القانوني في اطلاق العنان لإعادة فرض العقوبات على ايران باستخدام آلية (سناب باك). تكابر أمريكا وتنسى كما قالت الدول الأوروبية أن ترامب أوضح في 2018 عندما انسحب من الاتفاق النووي بأن أمريكا انهت مشاركتها في الاتفاق وتخلت عن أي حقوق، وبالتالي بات لا يملك اليوم تفعيل أي بند في الاتفاق النووي طالما أنه انسحب منه...