كان في الثالثة والعشرين من عمره.. طالبًا بكلية الطب البيطري بجامعة القاهرة.. نفس الكلية، التي تخرج فيها المرشد الحالي 'الثامن' د.محمد بديع بعد 15 سنة، من تنفيذ حكم الإعدام في عبد المجيد '25 أبريل 1950' الذي سلم نفسه لقادة التنظيم السري فجعلوا منه 'ضابط شرطة' وأجلسوه في مقهي مقابل لوزارة الداخلية، بالقرب من موقع صاحب المقهي حتي يتلقي التعليمات عبر التليفون الخاص به.. وهو ما حدث، فقد أخبروه أن الباشا 'محمود فهمي النقراشي باشا' رئيس الوزراء ووزير الداخلية في طريقه إلي الوزارة.. فخرج مسرعًا ليسبقه وينتظره أمام المصعد.. ووصل النقراشي بعده بدقائق ولاحظ وقوفه فألقي عليه تحية الصباح ليردها عبد المجيد بالتحية العسكرية.. ومعها عدة رصاصات ليسقط صريعًا في الحال.. وتنشر الصحف في اليوم التالي صورة عبد المجيد متغضن الوجه من أثر الضرب.. ولكن بسمة هادئة ترتسم علي ملامحه.. لأنه 'أدي واجبه' كما قالوا له.. و'أخلص للإسلام' كما أقنعوه.. ولأنه 'في طريقه إلي الجنة خالدًا فيها' كما أكدوا له. وقد صمد عبد المجيد حسن رغم التعذيب البشع الذي مورس ضده وضد أسرته لما يقارب العشرين يومًا.. كانت 'البيعة' للمرشد تعصمه من الانهيار.. وكان ما سمعه خلال الاجتماعات الليلية التي كان يعقدها المرشد لهم 'للدراسات الروحية'، ويبيتون فيها معه في المركز العام إلي الصباح، ويطلق عليهم اسم 'الكتائب' يحول دون ضعفه.. وكان الاجتماع النهائي قبل العملية ماثلاً في عقله عندما كان ضابط الشرطة 'الحقيقي' أحمد فؤاد عبد الوهاب، مهندس الجريمة، يلقنه التعليمات النهائية.. ومعه محمد مالك، الموظف بمطار القاهرة الذي كان يتبعه كظله ويؤكد له أن 'الناس ينتظرون عملاً يقوم به الإخوان ضد من حل الجماعة' وعندما اقترح أحد أعضاء الجهاز السري أن تقوم مجموعة بمهاجمة منزل النقراشي رفض محمد مالك قائلاً إن 'الشيخ حسن البنا لا يريد أن يضحي بأكثر من واحد مقابل اغتيال النقراشي'.. وتفرس في وجه عبد المجيد.. واحتضنه. ومر الشريط في ذهن عبد المجيد حسن وهو رهن التعذيب.. تذكر عندما صحبه أحد زملائه لمقابلة من يدعي 'أحمد حجازي' وطلب إليه أن 'يثق في كل كلمة يقولها' لأنه 'من الإخوان الموثوق فيهم'.. وكيف أقنعه حجازي بأن دعوة الإخوان لا ينقصها لتصير شبيهة بالدعوة المحمدية إلا استعمال السلاح.. وأن الإخوان لم ينسوا هذا الباب، وسيقومون بتنفيذه.. وعرض علي عبد المجيد الانضمام إلي ذلك التنظيم السري.. فوافق، لأنه كان مقصورًا علي الإخوان الذين بثت إخلاصهم لدعوة الإخوان.. وكان عضو الجهاز السري يرمز له برقم خاص وبالحروف الأولي من اسمه.. وكان يخضع لنظام مراقبة صارم.. يرصد كل حركاته وسكناته، ويحاسب عليها حسابًا عسيرًا، يصل إلي القتل في حال أية خيانة مقصودة أو غير مقصودة. كان النقراشي قد اغتيل بعد عشرين يومًا من قراره بحل جماعة الإخوان.. وبرر عبد المجيد حسن قيامه باغتياله خلال التحقيق بأنه تهاون في قضية وحدة مصر والسودان، وخان القضية الفلسطينية، واعتدي علي الإسلام بقرار الحل.. وصمم علي موقفه دون الاعتراف علي شركائه.. في ذات الوقت كان حسن البنا يعاني ضغوط السلطة التي حمّلته كامل المسئولية لأن عبد الرحمن السندي كان معتقلاً وقتها علي ذمة قضية سيارة الجيب.. كماكان البنا يعاني الوحدة بعد القبض علي رجاله.. ويعاني أكثر من تبخر مشروعه.. وقد استجاب للمساومة وأصدر 'بيان للناس' ندد فيه بذلك 'الحادث المروع' حادث اغتيال دولة رئيس الحكومة محمود فهمي النقراشي باشا الذي أسفت البلاد لوفاته، وخسرت بفقده علمًا من أعلام نهضتها، وقائدًا من قادة حركتها، ومثلاً طيبًا للنزاهة والوطنية والعفة من أفضل أبنائها، ولسنا أقل من غيرنا أسفًا من أجله وتقديرًا لجهاده وخلقه.. ولما كانت طبيعة دعوة الإسلام تتنافي مع العنف بل تنكره، وتمقت الجريمة مهما يكن نوعها، وتسخط علي من يرتكبها.. فنحن نبرأ إلي الله من الجرائم ومرتكبيها 'ثم دعا الله أن يحفظ جلالة الملك'. وقد صعق عبد المجيد حسن من بيان المرشد وشعر بأنه قد خدع وأن الإخوان خانوه وتخلوا عنه فتكلم في نفس اليوم.. واعترف علي شركائه.. واتهم المرشد بأنه وراء كل أوامر العمليات 'بصفته القائد' و'أن المسئول الأول عن جميع الحوادث هو حسن البنا بشخصه' وهو الذي وصف من قاموا بتنفيذ أوامره بأنهم 'ليسوا إخوانًا وليسوا مسلمين' ولم يترك عبد المجيد شيئًا إلا واعترف به.. وهاجمت مرافعة النيابة المتهمين والإخوان بضراوة وقالت إنهم قوم أغراهم الشيطان فتفاقمت أطماعهم ولم يجدوا.. لتحقيق أطماعهم، أيسر من الافتراء علي الله ورسوله خديعة للجهلاء واستلابًا لعقول الدهماء، ، وقالت مرافعة النيابة إن مقتل الخازندار بك حمل في تضاعيفه مقتل النقراشي باشا.. وأن جماعة الإخوان تحمل وزر الجريمتين معًا.. وإن هذه الجماعة قد احتضنت الإرهاب.. بل كمن الإرهاب في تكوينها نفسه، فإن شعارهم ينطق بالعنف.. وقد أعدوا أفراد الجهاز السري إعدادًا تامًا للبطش بأعدائهم، وقد أخفوا حقيقتهم، وبقي أمرهم سرًا لا يعلم أمره سوي قادتهم وزعمائهم.. ومن فرط جرائمهم بات كل شخص في مصر لا يأمن علي حياته. وفي يوم 13 من أكتوبر 1949 صدر الحكم بإعدام عبد المجيد حسن، وأدانت حيثيات الحكم الجماعة نفسها لا المجموعة التي قتلت النقراشي فحسب، وجاء في الحيثيات أن 'جماعة الإخوان اتخذت من ظاهرها شكل جماعة مشروعة تعمل للخير ولتحقيق أغراض دينية.. وكان هناك نشاط سري يرمي إلي إعداد هيئة مدربة عسكريًا لتحقيق الأغراض البعيدة التي تضمنتها رسائل المرشد وخطبه'.. وقد نفذ حكم الإعدام في عبد المجيد أحمد حسن طالب الطب البيطريّ وقاتل النقراشي باشا في يوم 25 أبريل 1950، ويومها قال الشيخ أحمد حسن الباقوري 'إن القواعد التي وضعها البنا تدور في أقطاب ثلاثة أحدها لا يعني إلا الاستيلاء علي الحكم بالقوة القاهرة والثورة الظافرة، التي يخطط لها فلاسفة مؤمنون.. وينفذها شجعان صادقون.. وبناء علي ذلك هناك شعبة في الجيش، وشعبة في الشرطة، وشعبة الدعاة.. ورؤساء الشعب الثلاثة مسئولون أمام المرشد'.. رحم الله الجميع.