أحكام الاستئناف واجبة التنفيذ الجبري ولا يوقفها الطعن الرئيس مرسي انحرف بسلطة التشريع وخالف قانون السلطة القضائية ننتظر رد هيئة المحكمة لوضع الصيغة التنفيذية علي الحكم بعد رفض قلم الكتاب! إعلان 30 مارس هو الوحيد الذي تنطبق عليه صفة الإعلان الدستوري.. والباقي قرارات خرجت عن إطار التفويض.. وهي والعدم سواء تأتي أهمية الحوار مع المستشار الدكتور مدحت سعد الدين ليس لأنه وكيلا عن النائب العام المستشار عبد المجيد محمود أمام دائرة منازعات رجال القضاء، وحصوله علي حكم تاريخي بإلغاء قرار رئيس الجمهورية الدكتور محمد مرسي المسمي زورًا بالإعلان الدستوري بعزله وعودته إلي ممارسة عمله كنائب عام شرعي.. وإنما أهمية الحوار معه تنبع من أنه أحد أهم القضاة المحترفين الذين لا يخشون في الحق لومة لائم.. عرفته عن قرب وأنا أتابع كتاباته المنتظمة في 'الأسبوع' وجريدتي الأهرام والأخبار.. وكم كانت له صولات وجولات في عهد النظام السابق في طرح رؤيته القانونية البحتة البعيدة عن أي هوي سياسي أو مصلحة خاصة في أي تشريع يُطرح للمناقشة في مجلس الشعب.. همه الأول والأخير هو المصلحة العامة.. ولن أنسي مقاله الذي دافع فيه عن شباب مصر وحذر فيه من دخولهم إلي دوامة الإحباط التي سوف تدفعهم للانفجار.. لم يسع للدفاع عن المستشار عبد المجيد محمود لشخصه وإنما الدفاع عن استقلال السلطة القضائية إيمانا منه بأن أي عدوان علي القضاء هو عدوان علي حقوق المواطن في التقاضي وأمام قاضيه الطبيعي.. فإلي تفاصيل الحوار. فلنبدأ للقارئ من أول السطر.. لماذا دائرة خاصة لمنازعات رجال القضاء؟ ولماذا لا يتم اللجوء إلي القضاء الإداري؟ نص المادة '83' من قانون السلطة القضائية أفرد دائرة خاصة لنظر منازعات رجال القضاء، وهذه الدائرة تختص بإلغاء القرارات الإدارية التي يتضرر منها رجال القضاء، ويشترط القانون أن يتقدم القاضي أو وكيل النيابة بطلب التظلم بنفسه إلي هذه الدائرة أو من ينوب عنه بموجب توكيل رسمي من رجال القضاء الحاليين أو السابقين بشرط ألا يكون قد مارس عملا آخر كالمحاماة مثلاً، وهناك دائرتان من المنازعة تنظران علي درجتين أمام محكمة الاستئناف والطعن علي أحكامها أمام محكمةالنقض. وما الذي دفعكم لأن تكون وكيلا للنائب العام المستشار عبد المجيد محمود ضد قرار عزله من منصبه؟ من الصعب علينا أن نصمت ونحن نري هذا العدوان الصارخ والافتئات علي السلطة القضائية من جانب السلطة التنفيذية، فصدور ما يسمي بالإعلان الدستوري في يوم 21 نوفمبر 2011 وتبعه بقرار تنفيذي حدد فيه مدة عمل النائب العام بأربع سنوات، وفسره الرئيس من جانبه أن هذا الأمر ينطبق علي النائب العام المستشار عبد المجيد محمود.. فأصدر معه قرارًا جمهوريًا تنفيذيًا تحت رقم 368 لسنة 2012 بتعيين المستشار طلعت عبد الله نائبًا عامًا، وتجاهل في كلا القرارين وجود النائب العام الحالي المستشار عبد المجيد محمود وبما مفاده عزله من منصبه، رغم أن قرار ما يسمي بالإعلان الدستوري، أو تعيين نائب عام جديد لا يمت للقانون بأي صلة!! لماذا؟ لأن رئيس الجمهورية تولي السلطة وكان يحكمنا الإعلان الدستوري المستفتي عليه من الشعب في 30 مارس 2012 وهذا الإعلان حدد اختصاصات رئيس الجمهورية في المادة '56' منه ومنها سلطة التشريع وفي الفقرة الخامسة من ذات المادة سلطة إصدار القوانين والقرارات بقوانين، وهذه الفقرة الأخيرة معطوفة علي الفقرة الأولي وهي سلطة التشريع، بمعني أن التشريع مقصور علي سلطة تشريع القوانين والقرارات بقوانين فقط، ولكن لم يتضمن هذا النص من ضمن اختصاصات رئيس الجمهورية سلطة تعديل مواد دستور، أو إصدار دستور، لأن الإعلان الدستوري الصادر في 30 مارس رسم طريقًا آخر لإنشاء أي نص دستوري، أو وضع دستور بصفة عامة في المادة 60 منه، وحدد أن الجهة المختصة بإعداد الدستور هي الجمعية التأسيسية المنتخبة من السلطة التشريعية وهي مجلس الشعب ومجلس الشوري، وهذه الجمعية التأسيسية تتولي إعداد مشروع دستور ثم يُعرض للاستفتاء عليه بمعرفة الشعب. إذا أصدر رئيس الجمهورية قرارًا أُطلق عليه إعلان دستوري يمثل خروجًا عن دائرة التفويض التشريعي الممنوح له في هذا الإعلان الدستوري، وإنتحالاً لاختصاص جهة أخري هي الجمعية التأسيسية، وبالتالي يكون قرار رئيس الجمهورية بإصدار ما يسمي إعلانًا دستوريًا لا يعتبر إلا عقبة مادية تمنع ذوي الشأن من الاستفادة بمراكزهم القانونية المشروعة طبقًا للقانون.. وقد حدثت واقعة مشابهة في الستينيات وقت أن كانت للرئيس عبد الناصر سلطة إصدار قرارات بفرض الحراسة علي الأشخاص الاعتباريين بموجب نصوص قانون الطوارئ، فكان يستطيع أن يفرض الحراسة علي الشركات والأشخاص الاعتبارية العامة، لكنه خرج عن إطار التفويض التشريعي الممنوح له بموجب القانون والدستور بفرض الحراسة علي الأشخاص الطبيعيين وعائلاتهم.. وقد عرض هذا الأمر علي القضاء، وأصدرت محكمة النقض أحكامًا قضائية في عام 84/83 اعتبرت قرارات رئيس الجمهورية في هذه الحالة قرارات منعدمة وكأنها مجرد واقعة مادية وتسقط عنها حتي الحصانة المقررة للقرارات الإدارية. لذلك فهذه القرارات التي صدرت عن رئيس الجمهورية لا يمكن الاعتراف بها، ولا ترتب أي أثر قانوني، والأثر المترتب عليها أن عزل النائب العام يصبح مجرد عمل مادي لا اختصاص لرئيس الجمهورية شأنه شأن أي شخص يباشر عملا لا اختصاص له فيه.. فلا يتأثر المركز القانوني الخاص بالنائب العام المستشار عبد المجيد محمود، ويظل في موقعه كنائب عام، وإن كانت هناك عقبة مادية تمنعه من مباشرة عمله هي صدور قرار آخر بتعيين نائب عام آخر وهو من يشغل هذا المنصب حاليًا.. وهو ما يعرض كل القرارات الصادرة من النائب العام الحالي لشبهة البطلان.. ناهيك عما يشكله هذا العمل من عدوان صارخ للسلطة التنفيذية، وافتئات من جانبها علي السلطة القضائية، وهو الأمر المحظور بنصوص إعلان 30 مارس، وهو الذي كان ينص في المادة '67' منه علي أن السلطة القضائية مستقلة تتولاها المحاكم، ولا يجوز التدخل في شئون العدالة، وأعضاؤها غير قابلين للعزل، وكذلك نصوص قانون السلطة القضائية التي تؤكد علي عدم جواز عزل القضاة أو أعضاء النيابة بمن فيهم النائب العام.. كما تضمن إعلان 30 مارس عدم جواز تحصين قرارات إدارية سواء كانت جمهورية أو صادرة من أي جهة من رقابة القضاء وهو ما خالفه الرئيس في إعلانه حينما نص علي عدم جواز الطعن علي ما ورد فيه !!. وإزاء كل هذه الانتهاكات، وعدم الاعتراف بشرعية القوانين أو الشرعية الدستورية، لجأ المستشار عبد المجيد محمود إلي دائرة طلبات رجال القضاء للفصل في هذه القرارات والأعمال المادية التعسفية من جانب رئيس الجمهورية الدكتور محمد مرسي الذي أقسم علي احترام الدستور والقانون طبقًا للإعلان الدستوري الصادر في 30 مارس، وهو أول من خالف هذا الإعلان وانحرف بسلطته في التشريع إلي تقرير ما يسمي بإعلانات دستورية وهي في حقيقتها والعدم سواء. وقد أصدرت دائرة طلبات رجال القضاء حكمها التاريخي يوم 27 من مارس الماضي وجاء منطوق الحكم واضحًا لا لبس فيه بإلغاء القرار الجمهوري الصادر بتعيين المستشار طلعت إبراهيم نائبًا عامًا بما يترتب علي ذلك من آثار أخصها عودة المدعي 'النائب العام' المستشار عبد المجيد محمود إلي عمله. رغم وضوح الحكم إلا أن تنفيذه يبدو بعيد المنال بعد أن أعلنت مؤسسة الرئاسة أن المستشار طلعت عبد الله باقٍ في منصبه.. مستندة في ذلك لبعض الأصوات القانونية من أن الحكم ليس واجب النفاذ تحت دعوي أنه حكم أول درجة، وأن حكم النقض هو الفيصل.. كيف ترون الأمر؟ الحكم نافذ بقوة القانون لأنه صادر من محكمة استئناف عالٍ، وجميع الأحكام الصادرة من محاكم الاستئناف العالي المدني، والدوائر المدنية في الاستئناف العالي لها قوة الأمر المقضي، ولا ينال من هذه القوة الطعن عليها بطريق غير عادي. برجاء التوضيح.. ماذا يعني ذلك؟ يعني أن الحكم قابل للتنفيذ الجبري بنص القانون.. وهذا النص يتمثل في المادة '287' من قانون المرافعات التي تعتبر أن الأحكام غير القابلة للتنفيذ الجبري هي التي يطعن عليها بالاستئناف.. وبمفهوم المخالفة فإن الأحكام الصادرة من محاكم الاستئناف تعتبر نهائية وحائزة بقوة الأمر المقضي، بما فيها الأحكام الصادرة من دائرة طلبات رجال القضاء، وواجبة وقابلة للتنفيذ الجبري، ولا يوقف الطعن بالنقض علي هذه الأحكام نفاذها إلا إذا أمرت محكمة النقض بوقف تنفيذها عملا بالمادة '251' من قانون المرافعات التي تعطي الحق للخصوم في الطعن علي الحكم أمام محكمة النقض، وأن تشتمل صحيفة طعنهم علي طلب وقف تنفيذ الحكم بصفة مستعجلة.. وفيما عدا ذلك فالحكم الاستئنافي واجب النفاذ بقوة القانون منذ صدوره.. ويؤكد هذ الأمر أيضًا أن هذه الأحكام لها طابع الأحكام الصادرة من محاكم القضاء الإداري بإلغاء القرارات الإدارية وهي نافذة بمجرد صدورها طبقًا لقانون مجلس الدولة. نفهم من ذلك أنه بمجرد تضمين الخصم في صحيفة الطعن طلب وقف تنفيذ الحكم بصفة مستعجلة علي محكمة النقض قبول هذا الطلب؟ لا.. من الممكن أن ترفض محكمة النقض هذا الطلب إذا لم تر محلاً لقبوله ولم يكن الحكم مرجح الإلغاء. حصلتم علي الحكم دون تذييله بالصيغة التنفيذية، وقدمتم طلبًا لقلم كتاب المحكمة للحصول عليها ورُفض.. هل هذا الأمر يرجع إلي ما يتردد أن الحكم واجب النفاذ بعد نظر الطعن بالنقض باعتباره حكمًا ابتدائيًا كما يردده بعض رجال القانون المتعاطفون مع الخصوم؟ الكلام عن أن هذا الحكم أول درجة وغير واجب النفاذ ليس له أي سند في القانون، وحتي لو قيل إن أحكام دائرة رجال القضاء منذ تعديل قانون السلطة القضائية لم تذيَّل بالصيغة التنفيذية منذ صدور القانون إلا بعد مرور مدة الطعن بالنقض.. هذا الإجراء خاطئ.. والخطأ لا يبررِّ الاستمرار فيه إذا أراد صاحب المصلحة تنفيذ حكمه.. وبالفعل تقدمنا بطلب إلي قلم كتاب المحكمة لوضع الصيغة التنفيذية علي الحكم فامتنع دون مبرر قانوني، فتم تقديم طلب للسيد رئيس الدائرة التي أصدرت الحكم طبقًا للمادتين '182' و'194' من قانون المرافعات لوضع الصيغة التنفيذية علي الحكم، وحتي الآن لم يصدر قرار من المحكمة في هذا الشأن، والمفروض أن يتم الفصل في هذا الطلب خلال 24 ساعة من تاريخ عرضه علي المحكمة. وما الإجراء التالي في حالة موافقة أو رفض هيئة المحكمة وضع الصيغة التنفيذية علي الحكم؟ في حالة الموافقة علي وضع الصيغة التنفيذية علي الحكم سوف نستكمل علي الفور باقي إجراءات التنفيذ.. في حالة رفضها هذا الطلب سوف يتم التظلم منه طبقًا لنصوص القانون في باب الأوامر علي العرائض. البعض يقلل من قيمة هذا الحكم علي أساس أن الدستور الحالي حدد مدة النائب العام بأربع سنوات.. وهو ما لاينطبق علي المستشار النائب العام عبد المجيد محمود الذي تعدي في منصبه هذه المدة؟.. هذا الكلام لا علاقة له بالقانون، الأن نص المادة '222' من الدستور الحالي يطبق من اليوم التالي للاستفتاء عليه من الشعب.. والنص الدستوري الذي يحدد مدة شغل منصب النائب العام بأربع سنوات لن يطبق بأثر فوري إلا علي من يشغل هذا المنصب بعد المستشار عبد المجيد محمود فالنص الدستوري لابد له من آلية لتطبيقه، ومعني ذلك أنه لابد من تعديل قانون السلطة القضائية، ولمن لا يعرف هناك نص في الدستور الحالي يؤكد أن القوانين السابقة أو المطبقة والنافذة قبل صدور الدستور تبقي مطبقة بعد صدوره إلي أن يتم تعديلها وفقا للآليات الموضحة في هذا الدستور.. بمعني أن يصدر القانون من السلطة التشريعية لكي يتوافق مع أي نص دستوري، ولما كان قانون السلطة القضائية لم يتضمن تحديد مدة معينة لموقع النائب العام، وما زال ساريًا ومطبقًا، إلي أن يتم تعديله بالآلية المقررة لذلك، وهي صدوره من السلطة السلطة التشريعية.. أي البرلمان بعد انتخابه.. أيضًا لابد لتعديل هذا القانون من موافقة مجلس القضاء الأعلي عليه طبقًا لنصوص قانون السلطة القضائية بعد تعديلها بالقانون 142 لسنة 2006 الخاص بتعديل بعض نصوص قانون السلطة القضائية والذي إشترط موافقة مجلس القضاء الأعلي علي أي قوانين تخص رجال القضاء والنيابة وهو بالطبع لن يوافق إلا بعد موافقة الجمعيات العمومية للقضاة طبقًا للمادة '3' من قانون السلطة القضائية.. وبافتراض أنه تم تعديل قانون السلطة القضائية بما يتوافق مع الدستور هل يصبح قانونا تطبيق نص تحديد مدة النائب العام بأربع سنوات علي المستشار عبد المجيد محمود؟ حتي لو تم تعديل قانون السلطة القضائية كي يتوافق مع الدستور القائم فلن يطبق نص تحديد مدة شغل النائب العام لمنصبه بأربع سنوات إلا من تاريخ صدور هذا القانون، بمعني أن المدة سوف ُتحتسب من تاريخ إصدار هذا القانون بحيث إن من يشغل منصب النائب العام سوف يظل يشغله إلي أن يخرج إلي المعاش قبل أن ينطبق عليه هذا النص، وإلا اعُتبر ذلك تطبيقًا للقانون بأثر رجعي.. وطبقًا للمادة '236' من الدستور القائم لا يجوز تطبيق نصوص الدستور بأثر رجعي إلا بالنسبة للإعلانات الدستورية الصادرة قبله والتي أبقي علي أثره، ا وهذا الأمر لا ينطبق إلا علي الإعلان الدستوري الصادر في 30 مارس 2012، وهو الوحيد الذي تنطبق عليه صفة الإعلان الدستوري، وما عدا ذلك من قرارات جمهورية أطلق عليها صفة الإعلان الدستوري، أو الإعلان الدستوري المكمل فهي قرارات معدومة خرجت عن إطار التفويض التشريعي الممنوح لرئيس الجمهورية.. وفي النهاية يمكن إيجاز الأمر في أن النائب العام المستشار عبد المجيد محمود باقٍ في منصبه، ولم تزحزح منه إلا عقبة مادية ألغاها القضاء المصري في الحكم التاريخي الصادر في 27 مارس2013.