تابعت، مثل ملايين المصريين، 'وصلة الردح' التي شنها أعضاء بمجلس الشوري الأربعاء الماضي ضد المحكمة الدستورية العليا، بعد أن واصلوا، وبإيعاز سلطوي سلوكهم المعوج في التهجم علي شرفاء مصر، من أنبل القضاة الذين عرفتهم البلاد. وقد ذكرني هذا السلوك المريض الذي أقدم عليه بعض جهلة هذا الزمان بما كان يدور في 'سيرك الحزب الوطني' المنحل .. حين كان ينبري نوابه، هجومًا وتقريعًا علي المعارضة، وبعض الجهات المناوئة، وكان من بين تلك الجهات 'جماعة الإخوان المسلمين' التي يشارك رموزها بفاعلية في التهجم علي قضاة مصر، والتربص بالمحكمة الدستورية العليا، والتحريض المستمر ضد استقلال القضاء، وتأييدهم للعناصر 'الخصوصية' التي جاءوا بها إلي بعض المواقع القضائية للتخلص من معارضيهم. ففي وصلة، من وصلاتهم الممجوجة، راح بعض نواب الشوري .. من أحزاب الأكثرية، والمعينين بقرارات رئاسية مكافأة لهم علي إصدار 'الدستور المشبوه' .. ودعم كل خطوات الاستبداد التي اقترفها النظام الحاكم .. راح هؤلاء يشنون هجومًا رخيصًا علي المحكمة الدستورية العليا، وقضاتها الأجلاء .. لأنها استخدمت حقها الأصيل في عدم دستورية عدد من مواد من قانون الانتخابات 'المشبوه' الذي أعده ترزية 'الشوري' بهدف منح أصحاب الحكم وأنصارهم الغلبة في الانتخابات البرلمانية المقبلة. هذا الأسلوب 'الرقيع' الذي استخدمه هؤلاء في التهجم علي قضاة مصر، لا يليق بمن يجلسون تحت قبة الشوري .. فما معني أن يخرج أحد هؤلاء ويقول إن المحكمة الدستورية العليا، جلبت العار للقضاء .. وهو ما دفع بعضو الشوري المعارض 'ناجي الشهابي' إلي الانفعال .. وهنا وفي مشهد تمثيلي متكرر منذ أيام 'الوطني المنحل' راح جبابرة الحرية والعدالة، ومن علي شاكلتهم يتهجمون علي الرجل الذي يدافع عن قضاة المحكمة الدستورية العليا، ليمطروه بوابل من الإهانات والإساءات التي لم نتعود سماعها، إلا من رجالات مبارك تحت القبة في العهد السابق .. واحد يفترض أنه أستاذ للقانون بجامعة حلوان وجه كلامه للشهابي قائلاً 'أنت مش عارف حاجة وبتزعق وخلاص' .. بينما قال رئيس اللجنة التشريعية 'أنت عايز تهيص وبس' .. ثم تواصلت تريقة بعض النواب بطريقة ساخرة، تكشف عن سقوط كافة القيم التي لطالما تحدثوا عنها، ورفعوا شعاراتها. بل إن أستاذ القانون الدستوري والذي كان ولايزال أحد منظري التشريعات الفاسدة لجماعة الإخوان، وأبرز مروجي أباطيلهم في الفضائيات، راح يشن هجومًا حادًا علي المحكمة الدستورية العليا زاعمًا، أن المحكمة ليست جهة تشريع، ولا يصح لها أن تلزم جهة التشريع بإضافة قرار لوزير الدفاع، ثم تأتي لتقول إنه لا يصح للمجلس أن يتدخل في أعمال القضاء، في الوقت الذي تتدخل فيه هي في أعمال السلطة التشريعية، واصفًا ذلك بانتهاك الدستور. وبعيدًا عن ذلك راح الرجل يقسم بالله أنه كان يعرف بعض أجزاء قرار المحكمة الدستورية العليا ببطلان قانون الانتخابات منذ أسبوعين أو ثلاثة، وهو في هذا يكرر كلام رئيسه وصاحب الفضل عليه في تعيينه بالشوري .. والذي سبق وأن وجه اتهامات للمحكمة الدستورية العليا بأنها سربت أحكام بطلان مجلس الشعب وقانون العزل السياسي، وحين تحدته هيئة المحكمة، وطلبت منه في خطابات رسمية تم الإعلان عنها في لقاءات فضائية، ومؤتمرات صحفية أن يعلن عما لديه من معلومات في هذا الخصوص، حتي يمكن للمحكمة اتخاذ ما يلزم من إجراءات لمعاقبة من ارتكب هذه الجريمة، لم يقدم الرئيس، ولا مؤسسة الرئاسة أية بيانات للرد علي المحكمة، ما يؤكد كذب هذا الإدعاء الباطل والذي جاء في سياق محاولة تشويه المحكمة الدستورية العليا والإساءة إلي قضاتها الأجلاء. إن كل من تابع حملة الهجوم القذرة علي المحكمة الدستورية العليا، سواء في المرحلة التي سبقت الدستور، وما تضمنه من تقليص لعدد الأعضاء بهدف التخلص ممن تصوروا بعقولهم المريضة أنهم يقفون وراء الأحكام الرافضة لقوانينهم الجائرة، أو هؤلاء الذين يستمرون علي نفس النهج العدواني، وآخرهم جهلاء الشوري .. يتأكد ألا فرق بين غوغائية الحزب الوطني المنحل داخل البرلمان قبل الثورة، وهمجية وبربرية من تجاوزوا في بذاءاتهم نواب الوطني .. ليرسموا صورة كريهة في نظر الشارع حول أدائهم الذي يجهل كل أسس القانون والدستور، ويعملوا علي تسييد منطق الجهل بالقانون، والعصف بأحكام القضاء .. هؤلاء الذين خرسوا، ولم نسمع لهم صوتًا، أو احتجاجًا واحدًا، يوم خرجت جحافل البلطجية تحاصر قضاة الدستورية، وتحتل قاعات مجلس الدولة، وتتهجم علي قضاة مصر في دار القضاء العالي خلال جمعيتهم العمومية .. ثم يأتون اليوم في حفلة من البذاءات ليصفوا أعلي المحاكم وأكثرها التزامًا بأحكام الدستور والقانون بأنها 'جلبت العار للقضاة'. أنتم الذين جلبتم العار لمصر كلها، فتشريعاتكم ساقطة، ومجلسكم باطل، مهما تحصن بقرارات يدرك الجميع بطلانها، وجهلكم بالقانون كشفته المحكمة الدستورية حين قررت بطلان عدد من مواد قانون الانتخابات وهو أمر لم يحدث علي هذا النحو منذ تأسست المحكمة العليا في العام ألف تسعمائة تسعة وستين والمحكمة الدستورية العليا في العام ألف وتسعمائة تسعة وسبعين بحسب وصف أستاذ القانون الدستوري والخبير القانوني دكتور أيمن سلامة. إن الحملات المسمومة ضد قضاة مصر، وشرفاء الوطن، لن تزيدهم إلا تصميمًا علي مواجهة فلول الجهل والغوغائية، من حملة الباطل، والساعين لإسقاط دولة القانون، وتسييد شريعة الغاب. هذا الغثاء الذي سمعناه تحت قبة الشوري، ليس جديدًا، فقد سمعناه سابقًا تحت قبة الشعب والشوري في زمن الفساد والاستبداد السابق، وكما سقطت دولة الظلم في عهد مبارك، فسوف تتساقط رموز دولة الجهل والغوغاء في العهد الحالي.