تخريج دورات جديدة من دارسي الأكاديمية العسكرية    فرص عمل.. 51.2 مليار جنيه تمويلات للمشروعات الصغيرة    باريس "قلقة بشدة" حيال الوضع بين لبنان وإسرائيل    ستولتنبرج يتوقع أن تبقى واشنطن «حليفا قويا» في الناتو    تشكيل زد لمباراة طلائع الجيش بالدوري    الإمام الأكبر يهدي طلاب الشهادة الثانوية الأزهرية بمستشفى 57357 تابلت لكل منهم    مسابقات وحفلات ومسرحيات لنجوم الوطن العربى    «الرعاية الصحية» تعلن حصاد إنجازاتها بعد مرور 5 أعوام من انطلاق منظومة التأمين الصحي الشامل    محافظ شمال سيناء :ثورة 30 يونيو انتفاضة شعب بكل فئاته ضد الفئة الضالة التي اختطفت الوطن    رؤساء أمريكا اللاتينية: محاولة الانقلاب الفاشلة في بوليفيا هجوم على الديمقراطية    النائب عبد المنعم سعيد: من معضلات القرن الأفريقى ظهور "الدول الميليشياوية"    فيران توريس بعد التألق مع منتخب إسبانيا فى يورو 2024: لن أغادر برشلونة    محافظ أسوان يلتقي رئيس هيئة تنمية الصعيد.. تفاصيل    «رحلة التميز النسائى»    براءة المتهم بقتل شخص بالاشتراك مع 16 آخرين بالصف    أيمن الجميل: تطوير الصناعات الزراعية المتكاملة يشهد نموا متصاعدا خلال السنوات الأخيرة ويحقق طفرة فى الصادرات المصرية    عمرو يوسف ل فاطمة مصطفى عن مرض كندة علوش: الموضوع بقاله سنتين.. فيديو    الصحة العالمية: أكثر من 10 آلاف مريض فى غزة بحاجة لرعاية طبية خارج القطاع    رئيس هيئة النيابة الإدارية يفتتح المقر الجديد للنيابة بشبين الكوم    مع ارتفاع درجات الحرارة.. «الصحة» تكشف أعراض الإجهاد الحراري    مودرن فيوتشر يتقدم على الجونة في الشوط الأول    برنامج التنمية المحلية يختتم تدريبًا لتكتل الفخار بمركز نقادة في قنا    هند صبري تشارك جمهورها بمشروعها الجديد "فرصة ثانية"    عمر كمال يثير الجدل: أمي بترفض تطلع عمرة بفلوسي.وبضحك عليها وأطلعها (فيديو)    وزيرة التخطيط: حوكمة القطاع الطبي في مصر أداة لرفع كفاءة المنظومة الصحية    لتكرار تجربة أبوعلى.. اتجاه في الأهلي للبحث عن المواهب الفلسطينية    حمى النيل تتفشى في إسرائيل.. 48 إصابة في نصف يوم    إصابة 5 أشخاص في حادث تصادم بالطريق الإقليمي بالمنوفية    الفاو تحذر من ارتفاع خطر المجاعة فى جميع أنحاء قطاع غزة    أستون مارتن تكشف عن أيقونتها Valiant الجديدة    محافظ المنيا: تشكيل لجنة للإشراف على توزيع الأسمدة الزراعية لضمان وصولها لمستحقيها    الحركة الوطنية يفتح مقراته بكل محافظات الجمهورية لطلاب الثانوية وقت انقطاع الكهرباء    شوبير يكشف شكل الدوري الجديد بعد أزمة الزمالك    وفاة الفنان العالمي بيل كوبس عن عمر يناهز ال 90 عاما    "قوة الأوطان".. "الأوقاف" تعلن نص خطبة الجمعة المقبلة    هل استخدام الليزر في الجراحة من الكيِّ المنهي عنه في السنة؟    مواجهات عربية وصدام سعودى.. الاتحاد الآسيوى يكشف عن قرعة التصفيات المؤهلة لمونديال 2026    شيخ الأزهر يستقبل السفير التركي لبحث زيادة عدد الطلاب الأتراك الدارسين في الأزهر    خبير مياه يكشف حقيقة مواجهة السد العالي ل«النهضة الإثيوبي» وسر إنشائه    زحام مرورى بسبب انقلاب سيارة نقل ثقيل على طريق الواحات الصحراوى    مصدر أمني يكشف حقيقة سوء أوضاع نزلاء مراكز الإصلاح والتأهيل    تفاصيل إطلاق "حياة كريمة" أكبر حملة لترشيد الطاقة ودعم البيئة    تفاصيل إصابة الإعلامي محمد شبانة على الهواء ونقله فورا للمستشفى    خبير تربوي: مصر شهدت نقلة نوعية في التعليم الجامعي بعد ثورة 30 يونيو    أمين الفتوى: المبالغة في المهور تصعيب للحلال وتسهيل للحرام    ضبط سلع منتهية الصلاحية بأرمنت في الأقصر    21 مليون جنيه حجم الإتجار فى العملة خلال 24 ساعة    مقتل وجرح عدد من الفلسطينيين فجر اليوم إثر قصف إسرائيلي استهدف 5 منازل سكنية في حيي الصبرة والشجاعية شمال قطاع غزة    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الخميس 27-6-2024    أماكن صرف معاشات شهر يوليو 2024.. انفوجراف    ليه التزم بنظام غذائي صحي؟.. فوائد ممارسة العادات الصحية    حظك اليوم| برج السرطان الخميس 27 يونيو.. «يوم مثالي لأهداف جديدة»    طلب غريب من رضا عبد العال لمجلس إدارة الزمالك    مجموعة من الطُرق يمكن استخدامها ل خفض حرارة جسم المريض    الكشف على 1230 مواطنا في قافلة طبية ضمن «حياة كريمة» بكفر الشيخ    هل يوجد شبهة ربا فى شراء شقق الإسكان الاجتماعي؟ أمين الفتوى يجيب    شوبير يُطالب بعدم عزف النشيد الوطني في مباريات الدوري (تفاصيل)    بيان مهم بشأن حالة الطقس اليوم.. والأرصاد الجوية تكشف موعد انتهاء الموجة الحارة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بكري يكتب.. سامي عنان اقترح علي 'المشير' القيام بانقلاب عسكري في 29 يناير

في صباح الخميس العاشر من فبراير دعا المشير طنطاوي إلي اجتماع للمجلس الأعلي للقوات المسلحة، يبدو أنه اجتماع غير عادي، لحظة الصدام الكبير تطل برأسها، لم يكن الاجتماع الأول، لكن تصوير الاجتماع وإذاعته علي شاشة التليفزيون دون حضور القائد الأعلي للقوات المسلحة، أمر لا يخلو من دلالة، ورسالة تحمل معاني كثيرة، إنه الإنذار الأخير.
كانت النقطة الوحيدة علي جدول الأعمال 'ماذا نفعل؟'، الرئيس لم يف بوعده، ولم يظهر علي شاشة التليفزيون في السابعة من مساء أمس الأربعاء كما وعد، كان يفترض أن يعلن عن نقل اختصاصاته لنائبه عمر سليمان، يستجيب لمطالب الشارع، وينهي بذلك حالة الفوضي التي بدأت تزحف إلي جميع أنحاء البلاد.
'الوطن في أزمة والبلاد تمضي نحو الهاوية'، كانت كلمات أطلقها المشير في بداية هذا الاجتماع التاريخي والمهم، دار نقاش مطول استمر عدة ساعات، استمع المشير إلي تقييم القادة للحالة الراهنة، ورؤيتهم لدور القوات المسلحة في الساعات القادمة، المشير يجيد فن الاستماع جيداً، لكنه في كثير من الأحيان كان يبدأ النقاش ويعرف نهايته، أعضاء المجلس كانوا يدينون له بالطاعة والاحترام، إنه الرجل الغامض العميق، هو يعرف تماماً ماذا يريد، ليس مهما أن يفصح عما يريد، لكنه حتما ينتصر لإرادته!!
كان المشير حذراً صبوراً.. إنه لا يريد القفز علي الواقع، هكذا تاريخه علي مدي السنوات التي تولي فيها منصب وزير الدفاع منذ عام 91، كان شديد الحنق والغضب علي سياسات جمال مبارك، كان يعرف أن كلماته تصل إلي آذان الرئيس، لكنه لم يكن مستعداً للصدام أو الانقلاب، لو أرادها فقد جاءته الفرصة أكثر من مرة.
الفريق أحمد شفيق
في التاسع والعشرين من يناير كان الفريق سامي عنان، رئيس الأركان، قد عاد لتوه من زيارة إلي الولايات المتحدة، كان دائم التواصل مع المشير من هناك، أدرك أن الأوضاع سوف تمضي إلي مزيد من التردي، بعد انهيار الشرطة ونزول الجيش إلي الشارع، توقع الفريق عنان أن البلاد سوف تمضي إلي الفوضي، إنه يعرف عناد الرئيس، ويدرك دور السيدة الأولي ونجلها جمال، لقد اقترح علي المشير في هذا الوقت -التاسع والعشرين من يناير- القيام بانقلاب عسكري، ينقذ الدولة المصرية من الانهيار، ثم يعقب ذلك إجراء التغييرات المناسبة والإعداد لانتخابات رئاسية جديدة، كان الفريق سامي عنان يريد اختصار الزمن، لكن المشير رفض الاقتراح في هذا الوقت، وقال علينا أن ننتظر، حتما الشعب سيجبره علي التنحي.
المجلس العسكري اجتمع دون قائده الأعلي بعد أن تراجع مبارك عن وعده يوم الأربعاء 9 فبراير
كان الجيش قد توقف عن إصدار بياناته، كان البيان الأخير هو الصادر في 2 فبراير 2011، قبيل الاجتماع المهم للمجلس الأعلي للقوات المسلحة في العاشر من الشهر ذاته.. لقد أراد الجيش في هذا الوقت أن يقول للشباب إن رسالتكم قد وصلت، وإن مطالبكم قد عرفت، وأن الجيش والشعب قادران أن يغيرا الموقف الحالي بالعزيمة والرجولة والشهامة.
لم يكن الجيش راغباً في إنهاء المشهد دون مكاسب حقيقية للشعب، لو أراد الجيش أن يدخل في صدام مع الشارع لفعلها، لكنه كان يدرك أن الأمور قد تنتهي بما آلت إليه الأوضاع في سوريا فيما بعد، سقف المطالب أصبح عالياً حده الأدني حتي هذا الوقت نقل السلطة إلي النائب عمر سليمان.
كان الإخوان المسلمون يبعثون برسائل متعددة إلي صناع القرار، شبابهم في الميدان، وقادتهم يعلنون استعدادهم للحوار، ثم يشاركون فيه، يرفضون حتي اللحظة الأخيرة رفع شعار رحيل الرئيس، كانت مطالبهم الأساسية إنهاء حالة الطوارئ والإفراج عن المعتقلين وإجراء إصلاحات سياسية وانتخابات جديدة للبرلمان.
في هذا الوقت كانت التحذيرات لا تتوقف، الرئيس يدلي بحدث لقناة 'إيه بي سي نيوز' الأمريكية يؤكد مجدداً أنه لن يترشح مرة أخري لمنصب الرئيس، يحذر من خطر الفوضي والإخوان، وبعده يأتي عمر سليمان ليردد ذات الكلمات، ويؤكد أنه ليس لديه الرغبة لترشيح نفسه لمنصب الرئيس في نهاية فترة حكم مبارك.
كان الجيش يدرك أن الكرة في ملعبه، انطلقت النداءات من الميادين تطالب بتدخله وحسم الأمر، إنقاذاً للبلاد. وحماية للشعب من الخطر الذي راح يطل برأسه، بعد أن انتشرت أعمال الفوضي والبلطجة والانهيار الاقتصادي الكبير.
في هذا الوقت أدرك قادة الجيش معني الكلمات التي طرحها الكاتب والمفكر الكبير محمد حسنين هيكل في مقال تاريخي نشره في الثالث من فبراير في صحيفة 'المصري اليوم'.
لقد انضم 'الأستاذ' إلي جمهور المطالبين بتدخل الجيش فوراً إلي جانب الشعب، كان هيكل قد حدد الموقف علي الوجه الآتي:
إن القوات المسلحة هي موطن القدرة في فكر الدولة وأساسها، وليست مجرد أداة تحت سلطة أي نظام يظهر علي الساحة.
إن القوات المسلحة دفعت إلي الميادين بحقائق الأشياء ذاتها، وطبائع الأحوال ذاتها، وهي الآن في الشارع حَكم فصل بين الشعب 'أصل الشرعية ومصدرها'، وبين سلطة لم تعد تملك إلا ما تقدر عليه من أدوات الإجبار وليس مقومات الشرعية.
وبذلك فإن القوات المسلحة تجد نفسها في موقع شديد الحساسية من ناحية، فهي حامية الشرعية في البلد ومن ناحية أخري فإن الشرعية في هذا المنعطف التاريخي لم تعد في موقع الحكم، لأن الشعب بملايينه نزع عن الحكم مقومات شرعيته.
إن المأزق الراهن قد يتمثل في أن الملايين من الجماهير التي أمسكت بالشرعية في يدها، لم تجد حتي هذه اللحظة تعبيراً سياسياً عنها، يستطيع أن يتحدث من موضع ثقة.
إنه في مقابل ذلك فإن القوات المسلحة في هذه اللحظة تبدو حائرة بين سلطة لم تعد تملك شرعية إصدار أمر إليها علي جانب، وعلي جانب آخر مواقع ومواطن للشرعية ليست لها حتي هذه اللحظة سلطة سياسية تعبر عنها، وتستطيع إصدار قرار واضح المعالم وواجب التنفيذ علي القوات المسلحة.
إن العقدة هي أن القوات المسلحة كانت أكثر مَن اتصل بشرعية الملايين، ثم إن القوات المسلحة بظاهر الشكل تتلقي الأمر من الحكم وتلك ليست عقدة سياسية ولكنها قضية وطن بأسره، ضميره ومصيره.
لقد حدد الأستاذ هيكل في هذا المقال ثلاث خطوات أساسية يتوجب علي القوات المسلحة اتخاذها في هذا الوقت:
الخطوة الأولي: تأكيد ما أعلنته القوات المسلحة منذ اللحظة الأولي من أنها تتفهم مشروعية مطالب القوي الوطنية والشباب طليعتها.
الخطوة الثانية: ضمان فترة انتقال تفتح الطريق لوضع جديد يحكمه عقد اجتماعي متحضر يمهد لدستور لا يكتبه محترفو التلفيق والتزوير، ولكن قانون تصدره إرادة شعب حر، وبعدها يجيء دور الصياغة مع خبراء التشريع والقانون.
الخطوة الثالثة: ومع ضمان القوات المسلحة، فإنه من الضروري أن يكون هناك محفل وطني جامع من عقلاء الأمة يحملون أمانة مشروعها، بحيث يعكس هذا المحفل ليس فقط روح شباب 2011، لكن وجوده المباشر أيضاً.
عمر سليمان
كان رهان الأستاذ هيكل علي دور الجيش كبيراً، وكان يظن أن الساعات القادمة حتما ستحدد بشكل أكثر وضوحاً انحيازه للشعب 'أصل الشرعية' وللثورة التي انطلقت في كل الميادين.
مضت الساعات ثقيلة، الناس في حالة ترقب، والثوار يرفضون مغادرة الميدان، جماعة الإخوان تقف في منتصف الطريق، قد تتقدم للأمام خطوة أو تعود إلي الخلف خطوات، إنها تنتظر التطورات المقبلة، تسعي إلي إسقاط النظام لتحل محله، لكنها تحذر المواجهة والصدام.
* * *
أصبح أعضاء المجلس العسكري علي يقين بأن استمرار الأوضاع علي ما هي عليه، قد يقود البلاد إلي فوضي عارمة، ظل إجماع المجلس ظهر الخميس 10 فبراير مستمراً لعدة ساعات، كانت الأجواء محتقنة، أحد أعضاء المجلس الأعلي طرح اقتراحاً بالتحفظ علي الرئيس في مكان آمن وتشكيل مجلس رئاسي لإدارة شئون البلاد من عسكريين ومدنيين، رفض المشير طنطاوي الفكرة، وقال علينا أن ننتظر التطورات القادمة، أكد رئيس الأركان سامي عنان أن الجيش هو صاحب القرار علي الأرض وسيحافظ بكل ما يملك علي أمن البلاد والسعي لإنقاذها من أي مخاطر.
أحمد شفيق اقترح تنحي الرئيس ووافقة المشير ورئيس الأركان وأوكل الأمر لعمر سليمان
كانت الدعوات قد انطلقت بالزحف إلي القصر الجمهوري صباح الجمعة لمحاصرته وإجبار الرئيس علي الرحيل من منصبه، الحصار امتد إلي مبني التليفزيون ومباني مجلس الوزراء ومجلس الشعب ومجلس الشوري، أصبح الرئيس فاقداً للسيطرة علي المؤسسات الرئيسية للدولة، لكن هناك من يتخوف من أن يندفع الرئيس في ظل حالة اليأس إلي إصدار قرار بعزل القيادات العسكرية الرئيسية للجيش، لقد أصبح الطريق مفتوحاً لتطورات فجائية لا أحد يعرف مداها وأبعادها!!
بعد مناقشات مطولة، واقتراحات متعددة، قرر المشير إذاعة البيان الأول للمجلس الأعلي للقوات المسلحة في اجتماعه يوم الخميس 10 فبراير، وفي الساعة الخامسة وخمس وعشرين دقيقة كان اللواء إسماعيل عتمان، مدير الشئون المعنوية، يطل من شاشة التليفزيون المصري لإذاعة البيان التاريخي.
كان التليفزيون المصري قد مهد لإصدار البيان المهم، بالإعلان عنه أكثر من مرة، حبس المصريون أنفاسهم، كثيرون قالوا لقد أمسك الجيش بالسلطة وانقلب علي الرئيس، وفي الموعد المحدد كان البيان الأول غامضاً، لكنه أكد أن شيئاً ما يعد من خلف ستار.
لقد أكد البيان: 'إنه انطلاقاً من مسئولية القوات المسلحة، والتزاماً بحماية الشعب ورعاية مصالحه وأمنه وحرصاً علي سلامة الوطن والمواطنين، ومكتسبات شعب مصر العظيم وتأكيداً وتأييدا لمطالب الشعب المشروعة، انعقد المجلس الأعلي للقوات المسلحة لبحث تطورات الموقف حتي تاريخه وقرر الاستمرار في الانعقاد بشكل متواصل لبحث ما يمكن اتخاذه من إجراءات وتدابير للحفاظ علي الوطن ومكتسبات وطموح شعب مصر العظيم'.
هتف الثوار في الميادين للجيش المصري، أدرك المتظاهرون مجدداً أنهم ليسوا وحدهم، وأن الساعة قد اقتربت، كان للبيان صدي كبير في تحفيزهم علي الزحف إلي قصر الرئاسة، كانت التعليمات الصادرة من المشير ورئيس الأركان 'افتحوا أمامهم الطريق' لا تعرقلوهم، كان الحرس الجمهوري قد أعد أسلاكاً شائكة لمنع المتظاهرين من الوصول إلي القصر، وكانت تعليمات المشير 'يجب إزالة الحواجز، يجب أن يسمع الرئيس صوت الشعب، لا صوت المحيطين به'!!
* * *
بعد إذاعة بيان المجلس العسكري علي شاشة التليفزيون المصري، أصبح لدي الرئيس قناعة بضرورة حسم الأمر سريعاً، كان مبارك قد أعد عدته وكلف السفير سليمان عواد، المتحدث باسم الرئاسة، بإعداد بيان ينقل فيه الرئيس اختصاصاته لنائبه عمر سليمان.
اجتمع الرئيس بحضور نجله جمال ووزير الإعلام أنس الفقي وزكريا عزمي والسفير سليمان عواد لمناقشة فحوي الخطاب ومضمونه، تم حذف بعض العبارات وتقديم أخري، كان الخطاب طويلاً ومملاً، راح الرئيس يؤكد مجدداً التزامه بما تعهد به سابقاً بكل الصدق والجدية كما قال، اعترف بأن نظامه ارتكب أخطاء عديدة، وقال إنه عازم علي تصحيحها، قال إنه لن يرشح نفسه مرة أخري للانتخابات الرئاسية وإنه مستمر في ممارسة مسئوليته حتي يتم تسليم السلطة لرئيس منتخب في سبتمبر المقبل، قال إنه بصدد إجراء التعديلات الدستورية المطلوبة ومتابعتها، وإنه أصدر تعليماته بالانتهاء من التحقيقات في سقوط الشهداء الجرحي وإحالتها للنائب العام، ثم راح الرئيس يتحدث عن نفسه وعن دوره في الدفاع عن الوطن منذ كان شاباً صغيراً.
وبعد المقدمة الطويلة قال مبارك: 'إنني إذ أعي تماماً خطورة المفترق الصعب، واقتناعاً من جانبي بأن مصر تجتاز لحظة فارقة في تاريخها تفرض علينا جميعاً تغليب المصلحة العليا للوطن، وأن نضع مصر أولاً فوق أي اعتبار؛ فقد رأيت تفويض نائب رئيس الجمهورية في اختصاصات رئيس الجمهورية علي النحو الذي يحدده الدستور'.
في هذا المساء كنت والصديق مجدي الجلاد وآخرون في لقاء مع الإعلامي عمرو الليثي استمر ل6 ساعات علي الهواء في قناة 'دريم' لتحليل التطورات والأوضاع التي تشهدها البلاد في ضوء البيان الصادر من المجلس العسكري، وعندما أذيع بيان الرئيس مبارك بدأت ردود الأفعال تتوالي، وكان من رأيي أنا و'الجلاد' التحذير من خطورة الزحف إلي قصر الرئاسة، خوفاً من تردي الأوضاع وانفلاتها وقيام الحرس الجمهوري بالاعتداء علي المتظاهرين، وكان وائل غنيم وآخرون قد أدلوا بتصريحات قريبة من هذا الطرح إلا أنه وبعد رفض الميدان لقرار مبارك بتفويض عمر سليمان والإصرار علي الرحيل، أدلي وائل غنيم بتصريحات قال فيها 'إن تصريحاته السابقة جري تحريفها'.
في هذا الوقت المتأخر من المساء، جري الاتفاق بين نائب الرئيس والمشير طنطاوي علي ضرورة أن يغادر الرئيس مبارك إلي شرم الشيخ حتي يمارس نائب الرئيس صلاحياته الجديدة بحرية، ودون تدخل من الرئيس، حتي لا يبدو الأمر أمام الشارع وكأنه سيناريو متفق عليه.
اتصل نائب الرئيس برئيس الجمهورية وأبلغه بضرورة أن يغادر إلي شرم الشيخ في اليوم التالي، خاصة أن المتظاهرين عازمون علي الزحف إلي القصر الرئاسي، لم يعترض مبارك، قال إنه سيغادر بعد صلاة الجمعة مباشرة.
في الثانية عشرة والنصف من بعد منتصف ليل الخميس العاشر من فبراير اجتمع المجلس الأعلي للقوات المسلحة، وظل الاجتماع مستمراً حتي الثالثة والنصف فجراً، كان العنوان الرئيسي للحوار 'ماذا بعد قرار الرئيس بنقل اختصاصاته إلي النائب عمر سليمان؟'.
كان الاتجاه الغالب في هذه المناقشات هو تحديد الموقف النهائي للقوات المسلحة في ضوء تطورات الأحداث التي ستشهدها منطقة القصر الرئاسي ظهر الجمعة 11 فبراير، إلا أنه تم الاتفاق علي أن يصدر المجلس الأعلي بياناً يتعهد فيه بضمان تنفيذ المطالب الشعبية المعلنة.
وفي العاشرة من صباح الجمعة عقد المجلس العسكري اجتماعاً ثالثاً لمتابعة ردود الأفعال وتطورات الأزمة، وأصدر في الحادية عشرة وخمسين دقيقة بيانه الثاني والذي أكد فيه أنه في ضوء تفويض نائب رئيس الجمهورية باختصاصات الرئيس، وفي إطار مسئولية القوات المسلحة في حفظ استقرار الوطن وسلامته فقد قرر المجلس ضمان تنفيذ الإجراءات الآتية:
إنهاء حالة الطوارئ فور انتهاء الظروف الحالية.
إجراء التعديلات الدستورية والاستفتاء عليها.
عمر سليمان يطلب من مبارك المغادرة إلي شرم الشيخ والرئيس يطلب مهلة حتي الصباح
الفصل في الطعون الانتخابية وما يلزم بشأنها من إجراءات.
إجراء التعديلات التشريعية اللازمة.
إجراء انتخابات رئاسية حرة ونزيهة في ضوء ما تقرر من تعديلات دستورية.
تلتزم القوات المسلحة برعاية مطالب الشعب المشروعة والسعي لتحقيقها من خلال متابعة تنفيذ هذه الإجراءات
في التوقيتات المحددة بكل دقة وحزم حتي تمام الانتقال السلمي للسلطة وصولاً للمجتمع الديمقراطي الحر الذي يتطلع إليه أبناء الشعب.
تؤكد القوات المسلحة علي عدم الملاحقة الأمنية للشرفاء الذين رفضوا الفساد وطالبوا بالإصلاح، وتحذر من المساس بأمن وسلامة الوطن والمواطنين، كما تؤكد علي ضرورة انتظام العمل بمرافق الدولة وعودة الحياة الطبيعية حفاظاً علي مصالح وممتلكات شعبنا العظيم.
في هذا الوقت رحب مجموعة من أبرز شباب الثورة ببيان المجلس الأعلي للقوات المسلحة وأصدروا بياناً وقع عليه كل من وائل غنيم، مصطفي النجار، عمرو سلامة، محمد دياب، عبدالمنعم إمام، وعبدالرحمن يوسف، أكدوا فيه ترحيبهم ببيان القوات المسلحة رقم '2' والذي أكد علي ضمان إجراء الإصلاحات السياسية والتشريعية، كما أصدروا بياناً تضمن 11 مطلباً شعبياً، أبرزها:
ضمان جدية التنحي الشرفي للرئيس مبارك وعدم عودته لسدة الحكم تحت أي ظرف من الظروف.
إنهاء حالة الطوارئ بأسرع وقت وإعادة الانتخابات في كل الدوائر التي صدر بحقها أحكام قضائية ببطلان الانتخابات فيها.
تمكين القضاء المصري من الإشراف الكامل علي العملية الانتخابية برمتها.
كفالة حق الترشح في الانتخابات الرئاسية دون قيود وقصر حق الترشح علي فترتين.
إطلاق حرية تكوين الأحزاب فوراً وأن تكون بمجرد الإخطار.
إطلاق حرية الإعلام وحق تكوين الصحف والقنوات الفضائية.
إطلاق سراح المعتقلين وملاحقة ومحاكمة المسئولين عن الجرائم في حق شباب مصر وملاحقة وإيقاف رموز الفساد ومصادرة أموالهم التي سرقوها من قوت الشعب وإعادة بناء المؤسسة الأمنية علي أسس شفافة تمنع التغول والتعذيب وترهيب المواطنين.
تشكيل حكومة تكنوقراط تتولي إدارة البلاد خلال الفترة الانتقالية حتي شهر سبتمبر وتهيئ البلاد لإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية نزيهة، ويستلزم تحقيق بعض تلك الإجراءات والضمانات تعديل المواد 76، 77، 88 وكل المواد الأخري التي تضمن الانتقال السلمي للسلطة وأيضاً الرقابة علي الانتخابات وأن تجري عن طريق الرقم القومي وتمكين القضاء من الإشراف الكامل عليها.
وقال البيان: 'نؤكد ثقتنا في جيشنا وقد أسعدنا بيان القوات المسلحة الأخير والذي تعهد بإتمام التحول الديمقراطي ونحن نقبل بكل ما فيه ونؤكد علي النقاط الإحدي عشرة السابقة'.
وقد نشرت صحيفة 'أخبار اليوم' وغيرها من وسائل الإعلام البيان الذي أكد قبول الثوار الستة لقرار الرئيس بنقل الاختصاصات لنائبه عمر سليمان وقبولهم لإعلان التنحي الشرفي للرئيس مبارك شريطة عدم عودته لسدة الحكم مرة أخري لحين إجراء الانتخابات الرئاسية في شهر سبتمبر المقبل، غير أن فئات كثيرة من المتظاهرين مضت نحو القصر الرئاسي، خاصة أن خطباء العديد من المساجد دعوا إلي استمرار التظاهرات لحين إسقاط النظام نهائياً.
كان كل شيء ينذر بالمواجهة، قبيل صلاة الجمعة بقليل كان اللواء عمر سليمان يمارس مهامه من داخل القصر الرئاسي، وعندما بدأت طلائع المتظاهرين تزحف نحو القصر، نصحة معاونوه بأن يترك القصر علي الفور، خوفاً من حدوث تطورات غير محسوبة قد تؤدي إلي اقتحام القصر الرئاسي.
خرج اللواء عمر سليمان بسيارته واتجه إلي مقر الحرس الجمهوري، حيث أدي الصلاة هناك، وكان معه الفريق أحمد شفيق واللواء نجيب عبدالسلام، قائد الحرس الجمهوري، ود. زكريا عزمي، وبعد قليل حضر إليهم علاء مبارك فنصحه اللواء عمر سليمان بأن يصطحب والدته وشقيقه جمال وبقية الأسرة ويلحقوا بالرئيس مبارك الذي كان قد غادر منذ قليل بطائرة هليكوبتر من القصر الرئاسي إلي مطار ألماظة ومنه إلي شرم الشيخ.
اقتنع علاء مبارك بنصيحة اللواء عمر سليمان، وبالفعل اصطحب زوجته ونجله عمر وغادروا في طائرة خاصة إلي شرم الشيخ، بينما أصرت سوزان ونجلها جمال علي البقاء في منزل الأسرة الواقع في مواجهة القصر الرئاسي بالاتحادية.
في الواحدة والنصف ظهراً اتصل اللواء عمر سليمان بالمشير طنطاوي، وأبلغه أنه قادم إليه هو والفريق شفيق لدراسة آخر التطورات والأوضاع التي تشهدها البلاد.
في هذا الوقت كان الرئيس مبارك قد وصل إلي شرم الشيخ وبصحبته مجموعة محدودة من رجال الحرس والسكرتارية وطبيبه الخاص وطباخه الخاص.
اتجه الرئيس علي الفور إلي مقر إقامته، فرض الحرس الجمهوري إجراءات أمنية مشددة حول المكان، يبدو أن مبارك كان مطمئناً إلي أن الأمور ستدخل مرحلة الاستقرار بعد أن نقل كامل اختصاصاته إلي اللواء عمر سليمان.
كانت الأجواء في القاهرة والسويس والإسكندرية والعديد من المحافظات الأخري تنبئ بغير ذلك، حشود جماهيرية كبيرة تطالب الرئيس بالرحيل وترفض تفويض اللواء عمر سليمان، وتتدفق في الشوارع بلا حدود.
في مبني وزارة الدفاع، وفي القاعة الملحقة بمكتب رئيس الأركان بالدور الأول كان اللقاء، لقد اجتمع الأربعة الكبار اللواء عمر سليمان نائب الرئيس والفريق أحمد شفيق رئيس الوزراء والمشير طنطاوي وزير الدفاع والفريق سامي عنان رئيس الأركان، لبحث كيفية مواجهة الموقف الراهن وتداعياته المتوقعة.
تحدث اللواء عمر سليمان عن توقعاته للتطورات الراهنة، قال إن الرئيس سافر إلي شرم الشيخ، ولكن هناك إصرارا من بعض القوي، خاصة جماعة الإخوان، علي إسقاط النظام نهائياً، وحذر من خطورة الفوضي العارمة التي يمكن أن تشهدها البلاد حال اقتحام القصر الجمهوري.
وأكد المشير طنطاوي أنه أصدر تعليماته إلي الحرس الجمهوري بعدم التصدي للمتظاهرين أو استخدام العنف ضدهم إلا أنه شارك اللواء عمر سليمان في أن الأوضاع لا تزال علي خطورتها وأن الساعات المقبلة قد تشهد المزيد من التصعيد.
وقال اللواء عمر سليمان 'هناك قوي لا تريد انتقالاً سلمياً للسلطة في إطار النظام، وهؤلاء صوتهم عال، والجماهير محتقنة وليس لديها ثقة في أحد، لقد كانت مطالبهم في البداية محدودة، ولكن بسبب بطء الرئيس في اتخاذ القرارات ورضوخه لمواقف بعض المقربين منه، ارتفع سقف المطالب حتي وصل إلي نقل الاختصاصات إلي نائب الرئيس، ولكن التأخر في القرار جعل الناس لا تثق في شيء، ولذلك يطالبون برحيله عن الحكم نهائياً.
قال الفريق أحمد شفيق 'وفيها إيه.. ما يرحل.. المهم البلد، أنا أقترح أنك تكلمه وتقنعه، وأنا علي ثقة أن الرئيس عندما يعرف حقيقة الوضع سوف يستجيب علي الفور'.
نظر اللواء عمر سليمان إلي المشير وقال له 'إيه رأيك يا سيادة المشير؟'.. رد عليه 'أنا مع هذا الاقتراح والفريق سامي وكل أعضاء المجلس العسكري، نحن نريد حسم الأمر وإنهاءه، وهذا لن يتم إلا برحيل الرئيس'.
هنا تساءل اللواء عمر سليمان 'وماذا سنقول له، وكيف سنبلغه؟'.
فقال الفريق شفيق: أقترح أن تقوم أنت يا سيادة النائب بإبلاغه، أنت الأقرب إليه، وهو يثق فيك ثقة كبيرة، وعندما تشرح له ما يجري حتما سيأخذ بنصيحتك.
قال اللواء عمر سليمان: أنا سأتحدث معه وأطرح عليه الصورة كاملة، ولكن علينا أن نجد مخرجاً دستورياً للبديل الذي سيتولي السلطة في البلاد.
في هذا الوقت تم أخذ رأي أحد المتخصصين في القانون والدستور فكانت الإجابة الخيار الوحيد والمقبول في هذا الوقت هو أن يتسلم المجلس الأعلي للقوات المسلحة مهام السلطة في البلاد بقرار من الرئيس واستناداً إلي الشرعية الثورية.
كان المشير طنطاوي يبدو متردداً، وبعد مناقشات قصيرة وافق علي أن يتسلم المجلس العسكري السلطة من الرئيس، خاصة أن عمر سليمان قال له ليس أمامنا من خيار.. اتفق الحاضرون بعد أن يصلوا إلي اتفاق مع الرئيس بالتنحي عن الحكم، علي أن يجلسوا لطرح رؤيتهم للفترة المقبلة.
أمسك اللواء عمر سليمان بالهاتف الأرضي، اتصل بقصر الرئاسة، طلب منه توصيله علي الفور بالرئيس مبارك في شرم الشيخ، كان علي الجانب الآخر اللواء حسين محمد من سكرتارية الرئيس، والذي سافر معه إلي شرم الشيخ، وكانت المكالمة التاريخية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.